آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

حال الأمم: إعادة جدولة الأولويات؟

 

د. عصام نعمان ..

لعلّ القاسم المشترك الأبرز، إنْ لم يكن الوحيد، بين الأمم والدول في غرب آسيا هو قيامها بإعادة جدولة أولوياتها. ذلك أنّ أولويات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تبلور معظمها في النصف الثاني من القرن الماضي تقلّصت أو تعدّلت أو تبدّلت بفعل عوامل وأحداث وتحدّيات شتى لاحقة. ما هي الأولويات البازغة لكبرى أمم غرب آسيا ودولها: العرب، تركيا، إيران و… «إسرائيل»؟

 

 

العرب أمة، لكنهم ليسوا دولة. إنهم في الواقع مجتمع دول، أو بالأحرى تجمّع دول، ما تتميّز به من فروق يزيد عمّا بينها من مشتركات. صحيح أنه لا يمكن اختزال الأمة في واقعها ومرتجياتها بدولة واحدة أو بضع دول، لكن يبقى أنّ مصر والسعودية تشكّلان في الوقت الحاضر الدولتين الكبريين والفعليين في عالم العرب والأكثر نفوذاً.

 

مصر بدّلت أولوياتها بعد اتفاقات «كامب دايفيد»: من بناء قوة ذاتية، سياسية واقتصادية وعسكرية، تخدم مصالحها وتُسهم في توحيد العرب في وجه دول طامعة في مقدّمها «إسرائيل»، إلى التركيز على تنمية نفسها اقتصادياً واجتماعياً، واستنقاذ وحدتها الوطنية، ومواجهة تنظيمات الإرهاب تلك التي بايعت «الدولة الإسلامية داعش»، أو تلك التي يدعمها الإخوان المسلمون.

 

السعودية أعادت جدولة أولوياتها: من التركيز على استثمار مواردها الطبيعية، ولا سيما النفط، من أجل بناء نفسها ومساعدة دول صديقة بغية بناء قاعدة نفوذ واسعة لخدمة سياستها ومصالحها، إلى توظيف قدراتها ونفوذها في وجه إيران بما هي، في تقديرها، الخطر والتحدّي الأول الذي يواجه العرب، وفي مقدّمهم دول الخليج.

 

في سياق أولويات مصر والسعودية الجديدة او المستجدّة فقدت قضية فلسطين مركزيتها في الحياة السياسية العربية وأضحت «إسرائيل»، مداورةً وليس مباشرةً، حليفاً ضمنياً في وجه إيران.

 

تركيا أعادت ترتيب أولوياتها: من اعتبار الاتحاد السوفياتي هو الخطر والتحدّي الأول لها ولسائر حليفاتها في حلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى اعتبار المشرق العربي، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، هو المجال الحيوي، الجيوسياسي والاقتصادي، لتعزيز اقتصادها القومي، وتوسيع قدراتها الصناعية والتجارية، ومحاولة استعادة سيطرتها العثمانية الغابرة.

 

إيران بدّلت أولوياتها: من ممارسة دور إقليمي، خلال حكم الشاه، يخدم مصالحها بالتعاون مع دول الغرب الأطلسي و»إسرائيل» إلى بناء دولة إسلامية تركّز على تنمية قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية وبالتالي العسكرية في سياق سياسة معادية للغرب عموماً وللولايات المتحدة و»إسرائيل» خصوصاً.

 

«إسرائيل» عدّلت أولوياتها قليلاً تبعاً لتبدّل أولويات أعدائها ونشوء تحدّيات جديدة في وجهها: من مواجهة سياسية وعسكرية يومية بالغة الشراسة لشعب فلسطين والدول المساندة له نسبياً إلى بناء قوة إقليمية كبرى لخدمة أغراضها الجيوسياسية والاقتصادية التوسّعية، واستغلال التنافس والتباعد والعداء بين بعض دول العرب وإيران من أجل إنهاء مركزية قضية فلسطين في الحياة السياسية العربية بطريق اعتبار إيران الخطر أو التحدّي المشترك الذي يواجه عالم العرب «السنّي»، كما «إسرائيل».

 

إلى ذلك، ثمة لاعب دولي ذو اقتدار ونفوذ يلعب دوراً إقليمياً نافذاً ومقرِّراً في بعض الأحيان. إنه الولايات المتحدة وحلفها الأطلسي اللذان يدعمان «إسرائيل» بصورة منهجية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ويناهضان أعداءها، شعوباً وحكومات وتنظيمات مقاومة. يبدو أنّ الولايات المتحدة طوّرت أولوياتها، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود إيران الإسلامية، من ممارسة دور المهيمن إلى دور الناظم أو المنظّم لعلاقات القوى الإقليمية بما يؤمّن انتظامها في شبكة مصالحها السياسية والعسكرية.

 

هذه التبدّلات والتعديلات في الأولويات والأدوار والممارسات أدّت إلى نشوء نزاعات واشتباكات وتحدّيات جديدة على مدى الساحة الإقليمية من شواطئ البحر المتوسط إلى أعالي جبال أفغانستان. لعلّ أبرز التحدّيات دخول لاعبيْن جديديْن إلى الساحة أخذا يلعبان دورين مؤثرين. إنهما الإسلام «الجهادي» من جهة والمقاومة العربية من جهة أخرى.

 

الإسلام «الجهادي» كان موجوداً دائماً تحت أرض الواقع السياسي، لكنه خرج إلى سطحها وأضوائها بعملية 2001/9/11 المدوّية في الولايات المتحدة. صحيح أنّ لأجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة يداً ودوراً في نشوء تنظيم «القاعدة» وأخواته، لكن لا شك في أنّ مولوده الأكبر والأفعل، تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش»، تطوّر إلى كيان مستقلّ، يتعاون مع دول وحكومات وأجهزة استخبارات متعدّدة بما يخدم مصالحَ وأغراضاً مشتركة، ولا سيما ما يتعلّق منها بمواجهة قوى ومصالح «الإسلام الشيعي» وحلفائه من جهة، وأغراض «إسرائيل» ومصالحها من جهة أخرى.

 

المقاومة العربية مجموعة تنظيمات عسكرية كفاحية نبت بعضها قديماً في وجه الميليشيات الصهيونية التي اغتصبت فلسطين، ونشأ بعضها الآخر في وجه دول وحكومات مستبدّة ممالئة للولايات المتحدة وأخرى متهاونة في مواجهة «إسرائيل». حزب الله اللبناني هو أقوى تنظيمات المقاومة العربية وهو أيضاً، كحركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، لا يُنكر تلقّيه دعماً مالياً وعسكرياً من إيران الإسلامية.

 

الظاهرة اللافتة والمؤثرة في الساحات الإقليمية هو تحوّل كلّ من الإسلام «الجهادي»، «الدولة الإسلامية ــــ داعش» تحديداً، كما المقاومة العربية، حزب الله تحديداً، قوةً إقليميةً فاعلة ميدانياً وسياسياً. وعليه، ما عاد في وسع الولايات المتحدة ولا أيّة دولة من الدول الأوروبية والإقليمية الكبرى أن تقرّر وتنفّذ وحدها أمورَ المنطقة ومصالحها ومستقبلها من دون أن تتعاطى وتتعامل، بشكل أو بآخر، مع هاتين القوتين الإقليميتين الصاعدتين. كلّ ذلك يؤدّي إلى تعقيد الصراعات الإقليمية وإطالة أمدها وتشعّب مفاعيلها ونتائجها وانعكاساتها.

 

ثمة ظاهرة أخرى لافتة في الصراعات الإقليمية المحتدمة. إنها ظاهرة النهوض والفعالية الذاتية وتقدّمها على العوامل الخارجية التي كانت دائماً حاكمة ومقرّرة ومتقدّمة على سائر العوامل والفواعل والمؤثرات.

 

 

جريدة البناء

أضيف بتاريخ :2016/07/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد