آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

ماذا بعد فشل الانقلاب في تركيا؟


قاسم حسين ..

من المؤكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيطوي صفحة الانقلاب بسرعة، وسيجعلها وراء ظهره، لكن العاصفة التي ضربت تركيا، ستكون لها آثارها الكبيرة على سياساته في الداخل والخارج.

في أول تصريحٍ له، بعد ساعةٍ من إعلان فشل الانقلاب، توعّد أردوغان بمحاسبة «الخونة»، والتلويح بإعادة العمل بعقوبة الإعدام. وفي أول خطاب جماهيري له، بعد 24 ساعة، صرّح بأن الانقلاب «هديةٌ من الله لتطهير الجيش». وقد شرع سريعاً في تنفيذ إجراءاته الانتقامية ضد معارضيه، وطالب بإعادة غريمه فتح الله غولن من الأراضي الأميركية، والذي نفى تماماً صلته بالانقلاب.

لقد تصرّف أردوغان كأيّ حاكمٍ، تعرّض لتهديدٍ جدي لحكمه. ولو نجح الانقلاب العسكري لتغيّر مسار تركيا السياسي، بما قد يغيّر وجه المنطقة، وخصوصاً في سورية والعراق. والقول بأن ما جرى مجرد مسرحية، إنّما هو نوع من الاستهانة بالعقل، فالرجل كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط وتصفية وجوده السياسي. وإذا كان الانقلاب قد فاجأ الكثيرين، فإنَّ أردوغان لم يمثّل له الانقلاب مفاجأةً إطلاقاً، فقد عاش على هاجس المؤامرة منذ سنوات، وخصوصاً بعد إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر.

لقد عاش وهو يترقب وقوع المؤامرة، إن لم يكن من قبل جماعة عدوه اللدود فتح الله غولن، المتغلغلة في الجيش والقضاء ومؤسسات الدولة، فمما ستأتي به تقلبات الأيام. لقد عاش في منطقةٍ تموج بالاضطرابات، وساهم في تأجيج الكثير منها، ورأى عدّة حكام كانوا على صلةٍ حسنةٍ به، اختفوا خلال أسابيع عن الساحة، كما حدث مع حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، فضلاً عن معمر القذافي، الذي كانت تربطه به علاقات اقتصادية ممتازة، لكنه ساهم في إسقاطه حين دارت عليه الدوائر. أما سورية، فقد أقام علاقاتٍ وثيقةً مع بشّار الأسد، وتبادل معه الزيارات، وكان يعتبره أخاه الأصغر. والسؤال الذي يطرح اليوم: هل سيلجأ إلى المصالحة؟ أم سيجنح للتصلب والإصرار على سياساته؟

عند الحديث عن السيد أردوغان، يجب ألا نلبسه عباءة الخليفة، ونضفي عليه قداسةً لا يستحقها، فهو رجلٌ سياسيٌّ، يتصرّف كأيّ حاكم، ويجب إخضاع سياساته الداخلية والخارجية، للمساءلة والتقييم، بعيداً عن هذا الاصطفاف الطائفي الأعمى. فهو حين وقف مع القذافي، إنّما كان يراعي مصالح بلاده بضمان الاتفاقات الاقتصادية، وحين أرسل طائراته لإسقاطه، كان يهدف إلى ضمان الحصول على حصته من الكعكة النفطية. وحتى علاقاته مع «إسرائيل»، كانت عرضةً لتقلبات السوق وحسابات الاستثمار، بدرجةٍ يحسده عليها ميكافيللي نفسه.

اليوم، ومع محاولة طيّ صفحة الانقلاب بسرعة، تطرح العديد من الأسئلة: ماذا بعد؟ ماذا سيفعل أردوغان في اليوم الثاني؟ وإلى أين سيقود تركيا؟ وماذا سيفعل بخصوص بؤر الصراع التي افتعلها مع دول الجوار؟ وماذا سيفعل مع الأكراد؟ وماذا سيصنع مع شيء اسمه «داعش» على وجه الخصوص؟

سيقضي أردوغان بسرعةٍ على ما تبقى من أنصار الانقلاب، ويحاول تصفية آثاره، باعتباره كابوساً مرعباً، وسيلجأ إلى مزيدٍ من القمع، وسيلاحق أنصار غولن وبقية معارضيه على أمل إنهاء وجودهم السياسي نهائيّاً، حتى يبقى متفرداً في الساحة، لكن ماذا بعد؟

ستبقى أمام أردوغان مواجهة مشاكله الأخرى، وهي أزماتٌ حقيقيةٌ عميقةٌ، فهناك مجتمعٌ منقسمٌ على نفسه؛ وهناك جيشٌ يحمل عقيدةً أخرى، شارك جزءٌ مهمٌّ منه في الانقلاب وتعرّض لإذلالٍ وجلدٍ في الشوارع؛ وهناك الأكراد الذين أعلن الحرب عليهم؛ وهناك «داعش» التي تقاتل في سورية والعراق، وتملك جيشاً من الخلايا النائمة قوامه 8 آلاف مقاتل تركي، منتشرين في المدن والأرياف التركية، وقد نفّذت أول عملياتها الانتقامية داخل تركيا قبل أسابيع.

السيناريو الأقرب الذي ينتظر تركيا، مزيد من القمع في الداخل، ومزيد من التراجعات، الاقتصادية والسياسية والسياحية، واستمرار التورط في تأجيج النزاعات في دول الجوار. والخشية كل الخشية، أن يتحوّل النموذج التركي الذي كان يبشر به الرئيس الأميركي «المعتدل» باراك أوباما، قبل ثمانية أعوام، كنموذج لـ«الإسلام المعتدل»، إلى نسخةٍ «معدّلةٍ» من حكومة «طالبان».

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/07/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد