آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

“خطيئتا” ذبح الطفل الفلسطيني ومجزرة منبج قدمتا هديتين ثمينتين لم تحلم بهما الحكومة السورية

 

عبد الباري عطوان ..

منيت المعارضة السورية بشقيها المعتدل والمتطرف، بضربتين قويتين في الأيام الثلاثة الماضية، الأولى ذبح الطفل الفلسطيني عبد الله عيسى، البالغ من العمر 12 عاما، على ظهر شاحنة من قبل مجموعة مسلحين، تابعة لحركة نور الدين الزنكي بطريقة سادية دموية استفزازية بشعة، أما الثانية فتمثلت في إقدام طائرات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة بارتكاب مجزرة في مدينة منبج في شمال سورية راح ضحيتها أكثر من 478 مدنيا، كان من بينهم 11 طفلا، حسب بيان صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.

 

اللافت أن هاتين المجزرتين وقعتا في منطقة حلب، أو جوارها، التي تدور فيها معارك شرسة يمكن أن تحدد نتائجها مصير الصراع الإقليمي والدولي على الأرض السورية، وربما في منطقة الشرق الأوسط برمتها.

***

الحكومة السورية كانت الكاسب الأكبر من هاتين الضربتين، مثلما خرجت المستفيد الأكبر من محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا مساء الجمعة الماضي، وأدت إلى حدوث انقسامات وحالة من الفوضى وعدم الاستقرار في عمق خصمها التركي القوي الذي لعب ويلعب دورا كبيرا في محاولات تقويضها، ومحاولة إسقاط نظام الحكم في دمشق طوال السنوات الخمس الماضية.

 

النظام السوري محظوظ، دون أدنى شك، ويعيش أفضل أيامه، لأن خصومه يقدمون على أعمال تخفف الضغوط عليه، وتضرب مصداقية معارضيه وداعميهم في الخليح والغرب في مقتل، وتدفع الكثير من المترددين السوريين إلى الانضمام إليه، أو عدم معارضته على الأقل، في وقت يتقدم فيه الحل العسكري، ويحقق انجازات على الأرض لمصلحة تحالفه، في ظل تراجع، وربما موات، الحلول السلمية التفاوضية.

 

الائتلاف الوطني السوري المعارض الذي بدأ يتقدم إعلاميا وسياسيا، بعد بيات شتوي، بسبب تهميشه “سعوديا” وأمريكيا، لمصلحة معارضة الرياض، أدان المجزرتين بقوة، سواء تلك المتعلقة بذبح الطفل الفلسطيني، أو الثانية التي أودت بحياة 11 طفلا مزقت أجسادهم الطرية صواريخ طائرات التحالف الأمريكية والفرنسية، وطالب رئيسه السيد انس العبدة الطرفين اللذين يقفان خلفهما بإجراء تحقيقات عاجلة، ومعاقبة المتسببين.

 

من المفارقة أنه في الوقت الذي يدين فيه الائتلاف المعارض ذبح هذا الطفل الفلسطيني المصاب بمرض التوحد، ودون أي كلمة “ولكن”، التي تستخدم بقوة في مثل هذه المناسبات، أقدمت أوساطا عديدة في معسكر المعارضة، أو المحسوبة عليه، خاصة خارج سورية على محاولات يائسة لـ”تبرير” هذه الجريمة الدموية التي تقشعر لها الأبدان، سواء بالتذكير بمثيلاتها إقدم عليها النظام السوري، والموالين له، أو التأكيد بأن الطفل كان في التاسعة عشرة من عمره، وكان يحمل رشاشا حين جرى أسره.

 

شخصيا لم استطع مشاهدة شريط الفيديو الذي وثق عملية الذبح هذه كاملا، كما أنني رفضت نشره على صفحات صحيفتنا، احتراما لمشاعر القراء، وذوي الطفل أيضا، والتزاما بالحد الأدنى من قواعد المهنة، وأخلاقياتها، ولكنني شاهدت هذا الطفل في أوائل الفيديو وهو يتوسل جلاديه، ويبكي بحرقة، ويطلب الرحمة، بينما هم يتلذذون بإزدرائه ويشحذون سكينهم الصدئة تمهيدا لذبحه.

 

الصورة لا تكذب، ومن المعيب الجدل حول عمر الطفل الضحية، وإضافة سبع سنوات إليه، لتبرير الذبح، ونسي بعض هؤلاء أنه حتى لو كانت هذه الرواية صحيحة، وهي ليست كذلك حتما، فأن هذا الطفل كان أسيرا ومصابا، وكل الأعراف والتشريعات الإسلامية، وغير الإسلامية، تقول بحسن معاملته، وإكرام  وفادته، وتبديد مخاوفه ورعبه، وإطلاق سراحه، أو الاحتفاظ به على الأقل لمبادلته بأسرى في سجون الطرف الآخر ومعتقلاته، ألم يقل الرسول الكريم لكفار قريش بعد فتح مكة المكرمة، “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، وهم الذين نكلوا به، وشككوا برسالته، وحاولوا قتله أكثر من مرة؟ ولكن لا نعتقد أن من نفذوا عملية الذبح هذه يتحلون بأخلاق الإسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وسنته السمحاء.

 

لا نبالغ إذا قلنا أن القائد العادل نور الدين زنكي سيتقلب في قبره غضبا وقهرا، لو علم أن هؤلاء الذين يحاربون تحت رايته، ويستخدمون اسمه، يرتكبون مثل هذا الإثم الإجرامي في حق طفل مصاب لم يبلغ الثانية عشرة من عمره.

***

كل أعمال القتل للمدنيين مدانة، والأطفال منهم بالذات، سواء كانت على يد النظام أو المعارضة، أو طائرات التحالف الدولي، ولكن الإدانة ستكون أكبر عندما يكون من أقدم عليها يقدم نفسه بديلا ديمقراطيا يحترم حقوق الإنسان، ويتعهد بالحكمة والرأفة والعدل وتطبيق الشريعة الإسلامية كاملة دون نقصان.

 

شعرنا بالكثير من الاطمئنان عندما قرأنا رد الفعل المشرف لأهالي مدينة حلب وأئمتها الذين يقيمون في مناطق تسيطر عليها المعارضة، الرافض لهذا الذبح الذي يتم باسم الإسلام ووسط التكبير “الله أكبر”، ويؤكدون أن هؤلاء المدعومين أمريكيا وأوروبيا وعربيا لا يمثلونهم، ولا العقيدة الإسلامية أيضا، ويتبرأون منهم، ووثقت هذا الموقف الإنساني العظيم معظم وكالات الأنباء والصحف العالمية.

 

ليت مناضلي “التويتر”، و”الفيسبوك”، وجيوشهم الالكترونية، يقتدون بهؤلاء الشرفاء ومواقفهم النبيلة التي تكشف عن معدنهم الإنساني الإسلامي الأصيل، لأن بمواقفهم، أو بعضهم، المدافعة والمبررة عن عملية الذبح هذه، يقدمون هدية لم ينتظرها النظام وقطعا سيتلفقها بسعادة غامرة.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/07/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد