آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سامي كليب
عن الكاتب :
إعلامي لبناني يحمل الجنسية الفرنسية، مدير الأخبار في قناة الميادين الفضائية

أعِشق إسرائيل محصورٌ عربياً بعِشقي؟

 

سامي كليب ..

ضجَّ بعض الإعلام العربي بزيارة اللواء السابق في القوات المسلحة السعودية الباحث أنور عشقي إلى القدس ولقائه مسؤولين إسرائيليين سياسيين وعسكريين وأكاديميين. بالمقابل، اختفى الخبر عن أكثر الإعلام العربي. أما إسرائيل، فهي كعادتها في هكذا مناسبات، تتولى دائما كشف التفاصيل. هل في الخبر فعلا ما يفاجئ؟ هل في الأمر حدث استثنائي؟

 

المصيبة الكبرى أن مثل هذه الأخبار ما عادت حدثا استثنائيا. معظم الأنظمة العربية فتحت أو بصدد فتح علاقات مع إسرائيل، فما الضير لو سارت السعودية في الركب؟ هذا الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه يجاهر ليل نهار بأنه لا يريد مقاومة مسلحة. مصر التي كانت أولى الدول المبادرة إلى عقد صلح مع إسرائيل، تحتاج دعم الجيش الإسرائيلي لضرب الإرهاب في سيناء وغيرها. لم تفعل السعودية في الواقع، أكثر مما فعلته مصر والسلطة الفلسطينية والأردن وتونس والمغرب وموريتانيا وقطر وغيرها (حتى ولو أن بعض هذه الدول عاد وجمد العلاقات بعد اجتياح إسرائيل غزة). ومن لم يفتح علاقات، ذهب للتفاوض، لا فرق بين معتدل أو ممانع.

 

انتهى الصراع الرسمي العربي مع إسرائيل إلا من دول قليلة، أما الشعوب فهذا بحث آخر. هي ضد التطبيع لكنها لم تفعل شيئا لوقفه باستثناء بعض المقاومات الموسومة حاليا بالإرهاب من قبل النظام العربي.

 

للقيادة السعودية الجديدة مبرراتها الكثيرة المعلنة أو المضمرة لمثل هذه العلاقات أبرزها: «التدخل» الإيراني في محيطها العربي، ودرء الغضب الأميركي المتزايد والذي يتم التعبير عنه أما بكلام مباشر من باراك أوباما (في مجلة اتلانتيك) أو في نقاشات الكونغرس، أو خصوصا في الإعلام الأميركي. ثم اعتقاد الرياض بأن السلام مع إسرائيل ربما يأتي بما لم تأتِ به الحروب، وبأنه سيسحب البساط من تحت أقدام احتكار الشيعة المقاومة. يضاف إلى ذلك بعض المصالح الاقتصادية التي لأجلها أخذت السعودية جزيرتَي تيران وصنافير من مصر مؤخراً.

 

تعتقد السعودية أن إنشاء تحالفات إقليمية تضم مصر وتركيا وإسرائيل وتمتد دوليا صوب فرنسا، ودول عربية وإسلامية، من شأنها «تقليم أظافر إيران» كما يقول بعض الكتاب السعوديين. تعتقد أيضا أن ذلك كفيل بلي ذراع البيت الأبيض الذي عقد اتفاقا نوويا مع إيران ويتجه للقبول بها شريكة إقليمية ودولية في حل النزاعات وضمان المصالح وضرب الإرهاب.

 

لنفترض أن السعودية ستجد مبررات إسلامية لـ «الصلح» مع العدو عبر الكثير من الأسنادات التاريخية والفقهية والدينية لها وصولا إلى عهد الرسول الكريم. لكن السؤال الأهم، هل أن فتح العلاقات الآن سيؤدي فعلا إلى نتائج ايجابية للسعودية وفلسطين ودول المنطقة؟

 

منذ أن سيق العرب إلى مؤتمر مدريد العام 1991، مرورا بكارثة أتفاق أوسلو وصولا إلى اقتراح التطبيع الكامل مع إسرائيل في قمة بيروت 2002، اجتاحت إسرائيل غزة مرات عديدة. كادت تجتاح لبنان بعد تدمير معظم بناه العام 2006 لكنها خرجت مهزومة باعتراف تقرير فينوغراد. قتلت بالسم الرئيس ياسر عرفات بعد حصاره أمام أعين كل العرب في مقاطعته. ضاعفت عدد المستوطنات 600 في المئة منذ أوسلو وفق غسان دغلس مسؤول الاستيطان في الضفة الغربية. ضاعفت كذلك عمليات الهدم والمصادرة في الضفة والقدس بنسبة 450 في المئة. دمّرت في حرب غزة الأخيرة فقط 28366 وحدة سكنية بحاجة لأكثر من 10 مليارات دولار لإعادة بنائها. لم يبق من مياه الشرب الصالحة في القطاع أكثر من 5 في المئة في أفضل الأحوال، فهي نهبت كل شيء وتسعى الآن لتهويد البشر والحجر والتاريخ والشجر. هذا بالإضافة إلى آلاف المعتقلين الذين تجري على بعضهم تجارب طبية.

 

هل ستنجح السعودية إذاً حيث عجز غيرها في تغيير مسارات التطرف السياسي والديني في إسرائيل؟ هل ثمة مخطط إسرائيلي أو غربي واحد تم الكشف عنه إلا وتحدث عن رغبة بتقسيم السعودية؟ هذا مثلا الكولونيل الأميركي المتقاعد رالف بيترز ينشر في العام 2006 تقريرا في مجلة القوات المسلحة الأميركية بعنوان «حدود الدم» يقول فيه إن: «السعودية ستعاني أكبر قدر من التقسيم، حيث ستقسم إلى دولتين: أولاهما الدولة الإسلامية المقدسة، على غرار الفاتيكان، وتشمل كل المواقع الدينية المهمة لمسلمي العالم، والثانية دولة سياسية (السعودية) وسيقتطع منها أجزاء لتمنح إلى دول أخرى مثل اليمن والأردن».

 

قد يكون للسعودية مبرراتها الآنية لفتح علاقة مع إسرائيل، وقد يكون معظم النظام العربي متجها للتخلي عما بقي من «حق العودة» وعن مبدأ «الأرض مقابل السلام»، لكن الأكيد أن السعودية قد تكون الأكثر عرضة للمخاطر الداخلية والخارجية والعربية والإسلامية لو مضت صوب العلاقات المباشرة مهما كانت المبررات.

 

ليس مهما ما يعرضه العرب على إسرائيل، الأهم هو أن إسرائيل لم تبادل العرب منذ سعيهم للسلام معها إلا القتل والهدم والتهجير والدماء والدمار. من لا يصدق فليقرأ ما كتبه الباحث والإعلامي الفرنسي اليهودي الجريء شارل انديرلان في مؤلفه «المفاوضات العربية الإسرائيلية منذ 1917 إلى 1997». هو كشف بالوقائع والأرقام والوثائق، أنه كلما سعى العرب إلى السلام منذ الزعيم جمال عبد الناصر حتى اليوم، كلما ازدادت إسرائيل طمعا بالأرض والتهويد وقتلت السلام والساعين إليه.

 

إسرائيل تستغل حاليا أكثر من 85 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، فهل انفتاح الرياض سيحمي الـ15 في المئة ويحمي السعودية من دور إيران وهل سيحميها لاحقا من إسرائيل نفسها؟ أم أن ما نشهده اليوم هو نهاية رسمية للصراع العربي الإسرائيلي بلا مقابل ولضرورات آنية؟

 

لا شك أننا أمام مرحلة جديدة وتحولات جذرية ليس فيها مستفيد أكثر من إسرائيل.

 

صحيفة السفير اللبنانية

أضيف بتاريخ :2016/07/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد