التقارير

تقرير خاص: قمة العجز العربي في #نواكشوط.. اختصار للدور وتسليم بالواقع المزري

 

لعل اختصار القمة العربية في موريتانيا أعمالها بيوم واحد يدلل على أبعد من الاختصار الشكلي للأعمال لينفذ إلى اختصار الدور الذي تضطلع به "جامعة الدول العربية" التي باتت ترهقها ملفات عالقة ومتراكمة من كل حدب وصوب، ولا يُعرف من أين ستأتي بالحلول وهي العاجزة عن لمّ شمل رؤساء وحكام في ظل غياب الأجندات الواضحة مع تكرار البعض شعارات بالية عن التضامن والإجماع العربي.

فعن أي إجماع عربي يحدثوننا وتضامن بوجه من يريدونه؟ فهل الإجماع والتضامن هو ما كرسته مثلا المملكة السعودية من اختصار لدور الجامعة العربية عندما شكلت حلفها "الجرار" لشن الحرب على اليمن أو ما سبقه قبل سنوات من تقرير الجامعة بتوجيه قطري خليجي لشطب الوجود الدبلوماسي للدولة السورية من الاجتماعات العربية؟ علما أن سوريا هي من الدول المؤسسة للجامعة العربية قبل ولادة بعض الدول المتحكمة اليوم وحكامها ربما، وماذا يقصدون بالتضامن العربي هل هو في التهافت لزيارة كيان العدو الإسرائيلي تارة من قبل وزير خارجية عربي وتارة أخرى من قبل وفد شبه رسمي خليجي؟ أم أنه في إرسال التطيمنات لهذا العدو وتقديم المبادرات التي لا تجلب إلا الضرر والخسائر لكل العرب؟

 

العدو معروف.. فماذا ينتظر العرب؟

فمن اليمن المُعتدى عليه عربيا إلى سوريا وما يُحكى عن تآمر أنظمة عربية عليها، مرورا بالبحرين التي تنزف إنسانيا وحقوقيا على مرآى القمم العرجاء دون أن يحرك أحد ساكنا، إلى العراق الذي تُرك يواجه الإرهاب بزنود عشائره وأبنائه بدعم غير عربي واضح إلى لبنان الذي يُعاني الشلل في مجمل مؤسساته الدستورية وللعرب أدوار نشطة في ذلك... واللائحة تطول والأيادي العربية تلعب في كل الساحات الشقيقة بحثا عن دور أو للإضرار بدول إقليمية تتخذها عدوا دون أي مبرر أو سبب، بينما العدو واضح وضوح الشمس لا يحتاج إلى دلائل فهو يحتل فلسطين منذ عشرات السنين وقد شرد أهلها واعتدى على غير دولة عربية دونما أي رادع أو تحرك تقوده قمة عربية بل بالعكس كان يكافأ هذا العدو بمبادرات لـ"السلام" ما أنزل الله بها من سلطان ومبادرة القمة العربية في بيروت في العام 2004 كانت خير دليل على ذلك، مبادرة رفضها الإسرائيلي وأجهز عليها باعتبار أن هناك من سيقدم له عروض بشروط أفضل تمكنه من تحسين ظروفه الإقليمية والدولية في ظل كل ما يجري في المنطقة تحت مسميات مختلفة.

واللافت أن القمة العربية في بيانها الختامي حافظت على ثابتة "مركزية القضية الفلسطينية" في العمل العربي المشترك وما يتطلبه هذا الشعار من جمل ومفردات تؤكد دعم الشعب الفلسطيني وصموده بوجه الاحتلال الإسرائيلي حتى الوصول إلى كافة الحقوق ومنها الدولة المستقلة.. إلا أنه من غير المفهوم كيف يدعم العرب فلسطين بينما هناك من يُسير رحلات خاصة وعامة إلى الكيان المحتل أي العدو المفترض مقاومته من قبل العرب والفلسطينيين؟ وهل تطبيع العلاقات مع العدو وتمتينها يخدم القضية المركزية التي يتغنى بها العرب في قممهم؟ إلا أنه يكفي مشاهدة التصفيق العربي "الهزيل" داخل القمة في الجلسة الافتتاحية عندما أتى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز على ذكر أولوية القضية الفلسطينية، لنفهم بعدها مدى الحماسة العربية لفلسطين والمقدسات فيها!!

 

 لا أحد يمكنه شطب فلسطين وتامين الحماية للعدو

وهنا لا بدَّ من الإشارة والتنويه بأن لا أحد على وجه الكرة الأرضية يستطيع إزالة القضية الفلسطينية من ضمير الشعوب الإسلامية، لأن فلسطين هذه من البحر إلى النهر ستبقى وقفا لا يجوز لأحد مهما علا شأنه التفريط به وستعود إلى حضن الأمة عاجلا أم آجلا، وبعد ذلك لن تنفع الحمايات التي توفرها حكومات بعض الدول العربية للكيان الصهيوني في دوام وجوده وإن أطالت هذا الوجود لفترة من الزمن.

 

والحق يقال أن البيان الختامي جال على عدة قضايا في بعض الدول العربية، ولا ندري هل هو للتذكير انطلاقا من الآية القرآنية الكريمة "وذكّر إن نفعت الذكرى" أم أن الأمر هو بهدف القراءة الإخبارية أو السردية للملفات، فالقمة دعت "الأطراف في ليبيا إلى السعي الحثيث لاستكمال بناء الدولة من جديد والتصدي للجماعات الإرهابية"، وحثت "الفرقاء في اليمن على تغليب منطق الحوار والعمل على الخروج بنتائج إيجابية تعيد لليمن أمنه واستقراره ووحدة أراضيه في أقرب وقت"، وأكدت على "دعم العراق في الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه ومساندته في مواجهته للجماعات الإرهابية..."، بينما رحبت القمة "بالتقدم المحرز على صعيد المصالحة الوطنية الصومالية وإعادة بناء مؤسسات الدولة".

 

 واقع مأزوم وجامعة عاجزة

وفي حين لم تأخذ الأزمة السورية حيث "الساحة الحقيقية" للمعركة الكثير من هموم واهتمام العرب، اكتفت القمة بالتمني على "الأشقاء" في سوريا التوصل إلى حل سياسي يعتمد على مقومات الحفاظ على وحدة البلاد ويصون استقلالها وكرامة شعبها، وتظهير المسألة السورية وكأنها نزاع سياسي داخلي أو حرب أهلية بين أفرقاء محليين، بينما الواقع يؤكد وجود حرب بين الدولة في سوريا والإرهاب العالمي المدعوم من أجهزة مخابرات وجيوش وأنظمة إقليمية ودولية، لكن يبدو أن قضايا كالبيئة والتشبث باللغة العربية وبعض الشؤون الاقتصادية والثقافية باتت أكثر أهمية من الحرب الكونية الدائرة في سوريا، علما أن شؤون الثقافة والعلم والأبحاث والتطور الاقتصادي بكل فروعه ليس مما يحتل في هذه الحقب ولدى هذه الأنظمة العربية الأهمية القصوى كما لو أننا نعيش في بعض الدول الأوروبية المرفهة أو في الدول الاسكندنافية أو اليابان.. فلماذا تقدمت هذه المواضيع بينما غابت حقيقة وفعليا الأزمة السورية بكل تشعباتها؟

الحقيقة أن أي قمة عربية لا تعيد النظر في قرارات القمم السابقة التي تآمرت ضد سوريا وحكومتها الشرعية ولا تتخذ موقفا واضحا بإدانة كل من يدعم عصابات الإرهاب والتكفير هي قمة لا تعبر عن تطلعات الجماهير العربية في التصدي للحرب الإرهابية الإستعمارية التي تستهدف إعادة المنطقة إلى عصور الإستعمار وتصفية قضية فلسطين لمصلحة المشروع الصهيوني، حيث كان يجدر بهذه القمة إعادة مقعد سوريا لممثلها الشرعي وهو الدولة الوطنية السورية التي أثبتت بعد ما يزيد عن الخمس سنوات أنها تواجه الإرهاب نيابة عن العالم أجمع.

 

كما أن قمة عربية لا تضع أولويتها الوقوف إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته وانتفاضته ضد الاحتلال ولا تدين التطبيع الذي تقوم به بعض الأنظمة العربية إنما هي قمة لا تمثل الشعب العربي ولا تطلعاته القومية وتشكل استمرارا لقمم التخاذل العربي التي تخلت عن فلسطين وشعبها ومقدساتها، والحقيقة الأكيدة والثابتة أن هكذا نتائج من اجتماعات عربية توصف بـ"القِمَم" لا تبشر إلا بمزيد من السقوط والانحدار والتسليم بالواقع المزري والغرق بمشاكل إضافية وأزمات متلاحقة تولد أزمات..

أضيف بتاريخ :2016/07/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد