آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

مأزقنا الحضاري

 

لم تأتِ الأحداث التي عصفت بالعالم العربي مطلع العام 2011 من فراغ، ولن تنتهي حتماً إلى فراغ.

كان انطلاق أحداث «الربيع العربي» نتيجة طبيعية لعاملين جوهريين: فشل النظام الرسمي العربي في مواجهة تحديات الخارج، وفشل التنمية في الداخل. وهكذا أدت الهزيمة الخارجية والإفلاس الداخلي إلى ذلك الاحتجاج والزلزال العظيم، حيث نزلت الملايين في الكثير من العواصم والمدن العربية الكبرى، لتعبّر عن طموحها وتطلعاتها للخروج من هذا المأزق الحضاري، مردّدةً نداءات الكرامة والحرية والعيش الكريم.

خارجياً، مرّت الأمة العربية بسلسلةٍ من الهزائم في حروبها مع «إسرائيل»، خلال نصف قرن. وفي الألفية الجديدة ابتليت بعددٍ من الحروب على أراضيها، زادت من تبعية القرار العربي وارتهانه للخارج، بينما قبعت التنمية في ذيل قائمة اهتمامات الأنظمة. وكانت النتيجة اتساع دائرة الفقر، وزيادة نسبة البطالة، وتراجع التعليم والصحة، وتقلص حجم الطبقة الوسطى وإضعاف دورها، حيث باتت المجتمعات العربية أمام انقسامات طبقية حادة، بين قلة غنية، وأغلبية تعاني اقتصادياً.

الربيع العربي الذي بدا واعداً في العام 2011، تم إجهاضه خلال العامين التاليين (2012-2013)، وفي العامين الأخيرين (2014-2015)، استعاد النظام العربي القديم مواقعه في أغلب العواصم العربية التي شهدت نزول الملايين. وليس سرّاً أن الشباب الذي شكّل قلب الحراك الشعبي، يقبع الآن بعشرات الآلاف وراء القضبان في بعض الدول العربية، فيما اضطر البعض الآخر إلى الهجرة هرباً من الجحيم، بعد عسكرة بعض الثورات جراء تدخل القوى الخارجية والإقليمية.

الحصاد كان مرّاً وبعيداً عن أماني وتطلعات الشباب العربي، الذي حلم بالحرية واسترجاع كرامة الشعوب والاعتراف بحقوقها كبقية شعوب الأرض التي تتنعم بديمقراطيات حقيقية، تُحترم فيها حقوق الإنسان، ولا تعاني من تغوّل الدولة وسطوة أجهزتها وممارسات زوّار الفجر. تجارب لا تعاني من أمراض التفرّد بالقرار، والاستئثار بالسلطة والمال، أو عقدة القوة وعدم الاعتراف بوجود الآخر، وسحق كل صوت مختلف، وإقصائه من الوجود.

لقد استكثرنا على شعوبنا ممارسة الديمقراطية بطريقةٍ صادقةٍ وحقيقية، بحيث يُترك للشعب اختيار ممثليه بحرية، وكنا نناور ونداور لوصول أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم أو مصالح من يدعمهم، ولم نترك للمواطن غير الاختيار بين حركات متطرفة أو بقايا فلول. لقد تمسّكنا بديمقراطية شكلانية نخاطب بها الخارج، ورفضنا تطبيق الديمقراطية من حيث هي «حكم الشعب للشعب بالشعب». لقد هدمنا المبنى وأبقينا الهيكل الخارجي للتفاخر والمباهاة.

اليوم، نجح النظام العربي القديم باسترجاع مواقعه التي فقدها في 2011، واسترد إعلامه صوته، ليعود مجلجلاً في الفضاء. أسكتنا الفضائيات المستقلة، وضيّقنا الخناق على الصحف والأصوات المستقلة، ولاحقنا كل من يدلي برأي مختلف عن رأي الحكومات، وتتبعنا المغرّدين على «الفيسبوك» و «تويتر» لنسجنهم بسبب تعبيرهم عن آرائهم. ولكن السؤال: هل نجحنا في معركة كسب الرأي العام؟

في القارات الخمس، مرّت الشعوب بتجارب وثورات انتهت أغلبها إلى إرساء أنظمة حكم متوافق عليها، تحترم شعوبها، بهذه الدرجة من الديمقراطية أو تلك، إلا منطقتنا العربية، التي ظلّت تنزف حروباً طوال الثلاثين عاماً الماضية، ويبشّرنا مهندسو «الفوضى الخلاقة» باستمرار النزيف ثلاثين عاماً أخرى، بين أنظمة حكم عميقة، وحركات إرهابية لا تملك غير التدمير الذاتي والمزيد من القتل اليومي.

الشعوب تعيش بأحلامها الموؤودة وتطلعاتها المشروعة في وادٍ، والأنظمة تعيش في وادٍ آخر. انكفاءة الشعوب على ذاتها، وأنينها تحت القمع الشديد، لا يحلّ مشاكل النظام العربي القديم، ولا يخرج الأمة من هذا المستنقع السياسي والمأزق الحضاري.

 

قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2015/11/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد