آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد العوفي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

النمو السكاني وفاتورة الواردات


محمد العوفي ..

تشير القراءات المستقبلية إلى أن عدد سكان المملكة وفقا لنظرية توماس مالتس- سيتجاوز الـ50 مليون نسمة في عام 2030، أكثر من نصفهم تقل أعمارهم عن 25 عاما، وسيزيد عدد الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاما بنحو 6 ملايين شخص بحلول عام 2030، وبمعدل نمو سكاني مرتفع يبلغ 2.4%.

بالطبع هذا النمو السكاني سيخلق تحديات كبرى في تأمين وظائف لهذا العدد الكبير من الشباب، وسيخلق ضغطا كبيرا على الخدمات العامة كالتعليم، والصحة، والنقل، والإسكان وغيرها من الخدمات، لكن قد يخلق فرصا اقتصادية كبرى إذا تم استغلاله وتوظيفه لصالح الاقتصاد المحلي.

هذه الأرقام إذا أخذت من جانب استهلاكي بحت فإنها تعني أن هناك قوة شرائية كبيرة مستقبلا، وأن هناك طلبا استهلاكيا مرتفعا في السنوات القادمة، لأن جيل الشباب أكثر ميلا للإنفاق الاستهلاكي بشكل عام، مما سيزيد فاتورة الواردات المتضخمة التي بلغت في نهاية العام الماضي 534 مليار ريال، تستحوذ الالكترونيات والمعدات والأجهزة ووسائل النقل على أكثر من 300 مليار ريال من قيمتها، وفي النصف الأول من العام الجاري بلغت القيمة 275 مليار ريال لنحو 31 مليون شخص وفقا لتقرير مصلحة الجمارك، وهي مرشحة للزيادة مستقبلا في ظل الارتفاع المطرد في عدد السكان، إن لم تكن هناك خطة لاستقطاع جزء كبير من هذه الفاتورة من خلال الإنتاج المحلي.

واستمرار ارتفاع فاتورة الواردات بهذه الوتيرة المتسارعة يعد ثغرة تهدد الاقتصاد مستقبلا، إذا نظرنا للزيادة المتسارعة في السنوات العشر الماضية، إذ قفزت من 156 مليار ريال إلى 650 مليار ريال العام الماضي. والملاحظ أن معظم هذه الواردات سلع نهائية، وليست مواد خاما يمكن استخدامها في صناعات محلية، بحيث يمكن الاستفادة منها، وإعادة تصدير السلع المنتجة من هذه المواد المستوردة مرة أخرى إلى السوق الإقليمي أو العالمي أو حتى تستهلك محليا.

وبالتالي، فإن هذه الواردات تعد هدرا اقتصاديا، كونها تعني أن هذه الأموال تم تحويلها للخارج، وأنها خرجت من دائرة العجلة الاقتصادية ولن تعود إليها مرة أخرى، علاوة على ما يرتبط بها من مؤشرات سلبية كالبطالة، لأن معالجة مشكلة البطالة لا يمكن أن تتم في ظل تنامي الاستيراد الاستهلاكي بهذه الشكل على حساب تأسيس صناعات وطنية، يمكن لها أن تسهم في تقليص فاتورة الواردات، وحل مشكلة البطالة.

وفي الطرف المقابل، فإن هذه الأرقام يمكن اعتبارها مؤشرا إيجابيا على أن فرص نجاح إقامة المشاريع والصناعات الحديثة والمتطورة كبيرة جدا، وأن الجدوى الاقتصادية لمثل هذه المشاريع جيدة، وأن مستقبلها الاستثماري محفز، لوجود نمو سكاني مرتفع، وطلب استهلاك عال، خصوصا على الالكترونيات والمعدات والأجهزة ووسائل النقل، ومع التوجه الحكومي المعلن نحو ترشيد فاتورة الواردات، وتقليص العجز في ميزان الخدمات والتحويلات، فإن هذه المشاريع ستحظى بأولوية ودعم حكومي كبير، كجزء من رؤية شاملة لاقتصاد متنوع ومتطور.

خلاصة القول أن النمو السكاني المرتفع لا يعني استمرار ارتفاع فاتورة الواردات، بل قد يكون مؤشرا يمكن استثماره لصالح صناعات محلية، لأنه يعني طلبا استهلاكيا مرتفعا، وبالتالي يسهم في السعي لتقليص فاتورة الاستيراد باهظة الثمن ماليا واقتصاديا، إذا علمنا أن جزءا من السلع يمكن تصنيعه محليا، وأن المواد الخام متوفرة، وأن الصناعات المحلية يمكن أن تزدهر مستقبلا بمزيد من التحفيز، ومنحها أولوية في الإنفاق المستقبلي.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/09/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد