التقارير

تقرير خاص: إحباط الإرهاب لا يتم إلا بإحباط المناهج المفخخة

 

مالك ضاهر ..

قيل قديما العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وحقيقة أن ما يتعلمه الإنسان في صغره يبقى معه طوال حياته بل يترسخ في ذهنه حتى رحيله عن هذه الدنيا، من هنا تأتي أهمية التعليم في الصغر، حيث يذهب الإنسان منذ نعومة أظافره إلى المدرسة لتلقي العلوم الأساسية التي يحتاجها في حياته والتي تساعد في توسيع مدارك تفكيره في شتى المجالات الأدبية والعلمية، ومن هذه المجالات التي تلقى حيزا واهتماما في بعض الدول ومنها المملكة السعودية هي العلوم الدينية التي توجه الإنسان نحو الله وغيره من العباد على أساس أحكام الدين وتعاليمه.

 

وهنا تبرز قضية سبق أن طرحت على بساط البحث وتتعلق بالمناهج الدينية في المملكة السعودية وما تحتويه من أفكار تثير العديد من التساؤلات والإشكاليات التي تتعلق بتكفير الأخر وإخراجه عن دين الله بما يمهد مستقبلا لاستباحة دمه وعرضه وماله، حتى أن البعض يتحدث أن أي إرهابي لن يصبح كذلك إلا بعد تلقينه الأفكار اللازمة لذلك التي تجعل منه مقتنعا تماما في القيام بما يقوم به من الإرهاب بل تجعله متحمسا للقيام بفعل الإرهاب.

 

 مناهج التعليم.. وتخريج الإرهاب

واللافت أن مناهج المملكة قد خرّجت الكثير ممن تورطوا بأعمال إرهابية في شتى أنحاء العالم، وأحد أهم الأمثلة على ذلك أحداث "11 سبتمبر" حيث كانت الغالبية العظمى من منفذي هذه الهجمات هم من السعوديين ما جعل أصابع الاتهام تتوجه بشكل أو بآخر للدولة أو بعض المسؤولين فيها أنها داعمة للإرهاب.

 

والواقع يقول إنه سواء تورط بعض المسؤولين أم لا، فإن المملكة ستتحمل جزءا من المسؤولية أو تضع نفسها بدائرة الاتهام طالما هي(عن قصد أو غير قصد) تؤسس الأجيال على مناهج تعليمية توصل إلى بث وإنماء الفكر التكفيري الرافض للآخر، فالقاعدة هي تأسيس الناشئة على هذه المناهج وبعد ذلك لا أحد يعرف ماذا ستكون التبعات وكيف سيمارس هؤلاء القناعات والأفكار التي يتربون عليها ويؤسسون عليها منذ أيامهم الأولى، لذلك لا يجب أن يكون اللوم فقط على هذا "الإنسان - الإرهابي" الذي تشبع عقله بهذه العقائد ونتيجة لها توجه لتكفير الآخر ورفض سياسة التحاور والنقاش معه وصولا للقتل والذبح والتفجير وغيرها من الفظائع التي نراها اليوم في كثير من دول المنطقة والعالم.

 

والداعي لكل هذا الحديث هو إعلان وزارة الداخلية السعودية مؤخرا إحباطها عمليات إرهابية في عملية أمنية جرت على مراحل واستمرت لأشهر عدة، حيث تبين أن هناك خلايا عنقودية ترتبط بتنظيم "داعش"، ولفتت "الداخلية" إلى أن "عدد الموقوفين بلغ 17 شخصا بينهم امرأة"، معظمهم سعوديون، وبحسب الداخلية فإن قائمة أهداف الشبكة هي مواطنون، وعلماء، ورجال أمن، ومنشآت أمنية وعسكرية واقتصادية في مواقع مختلفة، وقد ضمّت قائمة الأهداف أحد المنتسبين إلى وزارة الدفاع في مدينة الرياض، وعددا من الطلاب المتدربين في مدينة التدريب في الأمن العام.

 

تعديل المناهج.. ضرورة ملحة

وهذا يعني أن الفكر الإرهابي الذي ينتشر بات يشكل خطرا كبيرا على المملكة  والجوار وعلى الإنسان بشكل عام، وبات يحتاج إلى إجراءات وتغييرات جوهرية وجذرية كبرى على هذه المناهج كي ننقذ الأجيال القادمة وتربيتها بعيدا عن العنف والتكفير ورفض لأخر ويمكن استبدال هذه الأفكار الهدامة بأخرى بناءة تعتمد على التعاليم الإسلامية من مصادرها الشرعية وفي طليعتها القرآن الكريم والسنة الشريفة.

 

 وهنا يمكن الإشارة إلى برامج التأهيل التي خضع لها بعض الإرهابيين بهدف إعادتهم إلى المجتمع وإفهامهم معنى تقبل الأخر وعدم غوصهم في القتل والتكفير، ورغم الترحيب بهذه المحاولات للأصلاح والتأهيل، إلا أن تأهيل الكبير يبقى أصعب بكثير من تربية الطفل أو الفتى أو المراهق على أفكار إنكار الآخر وتكفيره، ومن هذه الأفكار ما ورد في مقرر "التوحيد" للصف الثالث ثانوي للعام الدراسي 2013-2014 التي نصت "الإنسان إما أن يكون كافرا أصليا كاليهود والنصارى والوثنيين... فتكفير هؤلاء واجب بل إن من لم يكفرهم أو شك في كفرهم فهو كافر"، أي أنه يتم تكفير كل المذاهب والأديان من غير دين الإسلام، ومن ثم اعتبار كل "مسلم" لا يكفرهم من سبق ذكره هو كافر أيضا.

 

وعلى هذا المثال يمكن القياس بالكثير من الأمثلة التي تكفر الإنسان انطلاقا من زيارة القبور أو الاحتفال ببعض الأعياد والخروج على الحاكم وغيرها من الأفكار، فكيف والحال كذلك نأتي لنحاسب ونلوم فقط من يتلقى هذه أفكار ويؤمن بها برعاية المدرسة والدولة، أليس الأجدر والأولى لوم ومحاسبة من يقوم بتلقين الأبناء هذه الأفكار؟ أليس من يستحق النقد والحساب هو من يقف خلف تعليم الطلاب في المملكة والكثير من "المدارس الدينية" التي يتم افتتاحها حول العالم برعاية سعودية؟

 

الانجاز الحقيقي.. تجفيف منابع الإرهاب

واللافت أن العديد من الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وغيرها من الدول تدرس نفس المناهج التي تدرسها المملكة في مدارسها، فعلى ماذا يدل هذا الأمر؟ وهل من الصدف أن ينهل هؤلاء من نفس الفكر الذي يتربى عليه أبناء المملكة؟ وماذا يعني أن يكون المرجع الواحد هو مصدر الفكر التعليمي في المملكة ولدى الجماعات الإرهابية؟ أليس هذا دليل واضح على الارتباط الفكري بين المملكة وهذه الجماعات؟ وبسبب هذا الأمر ربما نجد أن الكثير من السعوديين ينتمون إلى هذه الجماعات كقيادات أو كعناصر، فهم عاشوا وتربوا على هذا الفكر ولن يحسوا كثيرا بالفارق، بل على العكس قد يجد البعض مجالا أكثر لتطبيق سياسة الذبح والقتل والتكفير لدى الجماعات الإرهابية مما هو عليه في المملكة، بمعنى آخر قد يجد البعض في الجماعات الإرهابية المجال العملي لتطبيق ما تعلمه من نظريات فكرية في المملكة.

 

وهنا تكمن الخطورة التي سبق أن نبه إليها الكثير، بضرورة وقف هذا المد للفكر التكفيري المعروف المصادر والتمويل، وعليه بات تجفيف مصادر هذا الفكر حاجة ملحة لحماية المملكة السعودية أولا ممن تشبعوا بفكر تم تدريسه في مدارسها وبيوتها ومساجدها، ومن ثم حماية جيران المملكة من هذا الخطر وصولا لحماية كل العالم باعتبار أن الجميع أخوة في الإنسانية، أي أن الانجاز الحقيقي لإحباط الإرهاب هو إحباط منابعه الفكرية، وبعد كل ذلك لا ضير من البحث ومحاسبة المسؤولين عن نشر هذا الفكر والاستفادة منه، سواء كانوا دولاً أو أفراداً.

أضيف بتاريخ :2016/09/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد