آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

المنطقة التركية العازلة في الشمال السوري تتعزز..

 

عبد الباري عطوان ..

في غمرة مسلسل تبادل الاتهامات بين موسكو وواشنطن حول المسؤولية عن ضرب قوافل الإغاثة الإنسانية الدولية للمحاصرين في حلب الشرقية، أصدر المجلس الشرعي لحركة “أحرار الشام” الإسلامية فتوى بجواز مقاتلة تنظيم “الدولة الإسلامية”، والتعاون مع الجيش التركي في هذا المضمار باعتبار هؤلاء “خوارج” و”مارقين” عملوا على “تشويه” الدين الإسلامي، وكانوا خنجرا طاعنا في خاصرة الثورة والثوار والمجاهدين”، وأباحت الفتوى نفسها جواز التنسيق والتعاون مع الجيش التركي لتحرير بعض المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وهذا يعني تبني “أولوية” قتال تنظيم “الدولة” على أولوية إسقاط النظام في الوقت الراهن على الأقل.

 

يتزامن إصدار هذه الفتوى مع ثلاثة تطورات رئيسية لا بد من التوقف عندها لفهم التطورات الأحدث في الملف السوري:

 

الأول: إعلان السيد نور الدين جنشلي، نائب رئيس الوزراء التركي عزم بلاده إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بمساحة خمسة آلاف كيلومتر، وإقامة عدة مدن جديدة عليها.

 

الثاني: طرح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أمام مجلس الأمن الدولي في جلسته التي انعقدت يوم أمس (الأربعاء) إقامة منطقة حظر جوي كشرط لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار في المناطق التي تشتعل فيها المعارك.

 

الثالث: إصدار المكتب الإعلامي لـ”ولاية حلب” التابعة لـ”الدولة الإسلامية” شريطا يحمل اسم “فاعتبروا”، يظهر فيه إعدام عنصر من الجيش السوري الحر، من “لواء الحمزة” المشارك في عملية “درع الفرات” التركية، ويصف الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه “طاغوت يعمل وفقا لمصالح الدول الصليبية”.

***

“أحرار الشام” هي الحركة الأكثر قربا وتحالفا مع جبهة “فتح الشام” النصرة سابقا، ولم تدرجها الولايات المتحدة على قائمة “الجماعات الإرهابية” مثل تنظيم “الدولة” و”جبهة النصرة” وتعتبر الأكثر قربا للسلطات التركية، وهذه الفتوى تعني أنها ستتبنى المشروع التركي في إقامة المنطقة العازلة، والقتال إلى جانب الجيش التركي للقضاء على “الدولة الإسلامية”، ولا يستبعد الكثير من المراقبين ان تجيز الفتوى نفسها لجبهة النصرة، تبني الخطوات نفسها، وربما هذا ما يفسر تراجع الولايات المتحدة عن اتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا، حتى لا تنفذ البند المتعلق بقصف الأخيرة، أي جبهة “فتح الشام”.

 

قتال فصائل المعارضة السورية الإسلامية المتشددة لـ”الدولة الإسلامية” حصل على غطائين: الأول، شرعي من خلال الفتوى المذكورة، والثاني تركي، أي تحت لواء دولة إسلامية، وليس لواء الولايات المتحدة الأمريكية، ودول التحالف الستيني، وسيتم هذا القتال لـ”الدولة الإسلامية” في إطار عملية “درع الفرات” التركية.

 

قصف مواقع الجيش السوري من قبل أربع طائرات أمريكية وأسترالية وبريطانية ودانماركية لمدة ساعة في جبل الثردة، المطل على مطار دير الزور، وكذلك تدمير 18 حافلة للأمم المتحدة من مجموع 32 حافلة في إطار قافلة كانت في طريقها الى حلب الشرقية، جاءا بهدف تبرير فرض الحظر الجوي، وتثبيت المنطقة العازلة التي تضع أسسها القوات التركية حاليا، ومن المفترض ان تشمل منطقة شمال سورية، وتكون حاجزا ضد إقامة أي كيان كردي مستقبلا.

 

أمريكا اعترفت بأنها قصفت مواقع الجيش السوري في دير الزور، ولكنها ترفض الاعتراف بأي دور لها أو لحلفائها في قصف قوافل الإغاثة الأممية، ولكن تراجع الأمم المتحدة عن نظرية قصف هذه القوافل من الجو، وضع الإدارة الأمريكية وحلفاءها في تركيا، والمعارضة السورية المسلحة، في خانة الاتهام المفترض.

 

هارولد كوجات، الرئيس السابق للجنة العسكرية لحلف “الناتو”، ورئيس هيئة أركان الجيش الألماني الأسبق، لمح إلى هذه الفرضية في مقابلة مع محطة تلفزيون المانية (N.TV)، وقال “لا اعتقد أن روسيا تريد نسف اتفاق الهدنة، ولا اعتقد ان السلطات السورية ستقصف قافلة أممية تابعة للهلال الأحمر السوري.. ولا يبق إلا الجماعات “الإرهابية” التي لها مصلحة بنسف الاتفاق الروسي الأمريكي الذي ينص على تعاون الجانبين في عمليات عسكرية مشتركة للقضاء عليها”، ولكنه استطرد قائلا “ولكن لا يوجد أي دليل ملموس يؤكد هذا الافتراض عمليا، ولذلك لا بد من تحقيق دولي لأن كل ما نسمعه الآن هو تكهنات”.

 

لا توجد أي نية للإدارة الأمريكية لتشكيل لجنة تحقيق حتى كتابة هذه السطور، ولماذا يتم إجراء هذا التحقيق، فالهدف من الضربتين في دير الزور، ومدخل حلب الشرقية تحقق، أي تفجير الهدنة، وإعادة الأمور إلى المربع الأول.

***

روسيا أعلنت رسميا على لسان سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي يوم أمس، أنها لن تقبل بالحظر الجوي على تحليق الطائرات الروسية والسورية في منطقة حلب، ووصفه بأنه غير عملي، وتتردد أنباء أن روسيا تعارض التوغل العسكري التركي في منطقة جرابلس والباب، مثلما تعارض أي منطقة عازلة لأنها تتعارض مع التفاهمات التركية الروسية.

 

السؤال هو: هل نجح الأتراك في خداع الجميع، عندما تصالحوا مع الروس وغازلوا السوريين، واستخدموا الإيرانيين كوسطاء في الحالتين؟ وهل عادوا إلى الخيمة الأمريكية مجددا، أو بالأحرى، لم يغادروها في الأساس؟ وهل نحن أمام تشكيل قوات “صحوات” سورية تحت مظلة تركية إسلامية؟

 

الأيام المقبلة ستجيب عن كل هذه التساؤلات.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/09/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد