آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

اعترافات خطيرة لمشعل بأخطاء حركة “حماس″..

 

عبد الباري عطوان ..

بعد فك حركة “النهضة” التونسية ارتباطها بحركة “الإخوان المسلمين”، وتأكيد السيد عبد الإله بنكيران، رئيس الوزراء المغربي، أن “حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه ويتزعمه ليس “إخوانيا”، ها هو السيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس″ يبدأ، للمرة الأولى، سلسلة من المراجعات و”النقد الذاتي”، ولكنها لم تصل إلى درجة إعلان البراءة من “الإخوان”، ربما لأنه سيصبح قريبا رئيسا سابقا لحركته، ولا يريد قطع الجسور معهم أولا، ولحفاظه على علاقات مع بعض المنظمات الإسلامية، مثل هيئة كبار العلماء المسلمين التي يتزعمها الشيخ يوسف القرضاوي.

 

السيد خالد مشعل فاجأ المشاركين في ندوة نظمها مركز الجزيرة للدراسات في الدوحة يوم أمس (السبت)، تحت عنوان “التحولات في الحركات الإسلامية”، عندما طرح العديد من الاعترافات غير المسبوقة من قبله، أو من حركة “حماس″، نوجزها في النقاط التالية، قبل أن نعرج عليها بالتعليق والتمحيص:

 

الأولى: التأكيد بأن حركة “حماس″ أخطأت عندما استسهلت حكم قطاع غزة بمفردها بعد حدوث الانقسام الفلسطيني مع حركة “فتح”، وعقب فوزها في الانتخابات البرلمانية عام 2006.

 

الثانية: قوله “أخطأنا عندما ظننا أن زمن “فتح” انتهى، وزمن “حماس″ بدأ، وفتح أخطأت عندما أرادت إقصاءنا”.

 

الثالثة: إشارته إلى إن هناك خطأين ارتكبهما الإسلاميون خلال وقت الثورات: الأول عندما بالغوا في تقدير الموقف وقلة الخبرة، وغياب المعلومة الدقيقة، والثاني الخلل والنقص في التعامل مع شركاء الوطن.

 

الرابعة: التأكيد على عدم التدخل في الصراعات في المنطقة، فنحن مع الشعوب، ومع استقرار الأمة أيضا.. نجتهد في إدارة علاقاتنا السياسية مع دول المنطقة، استنادا لمصالحنا وضروراتها كحركة تحرير ومقاومة، وإذا تعارضت المصالح ننحاز إلى مبادئنا.

***

عدم رغبة السيد مشعل للترشح لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، التي كانت من أبرز عناوين مداخلته، تعود إلى أمرين: الأول، إن الحركة قررت أن تتمسك بنظامها الأساسي في عدم التجديد لرئيس مكتبها أكثر من دورتين، والسيد مشعل استنفذ الدورتين، أما الثاني، فرغبة السيد مشعل الشخصية في ترك هذا المنصب لأسباب عديدة لا نريد سردها، ولكن للتاريخ نقول بأنه وعندما التقيته على هامش آخر مؤتمر لحزب العدالة والتنمية برئاسة السيد رجب طيب أروغان، الذي انعقد في أنقرة أواخر عام 2012، أكد أنه لن يترشح في انتخابات الحركة في ذلك العام، ولولا تدخل الرئيس المصري في حينها محمد مرسي، والشيخ القرضاوي وآخرين، لما تراجع عن هذا الموقف.

 

أما بالنسبة إلى اعترافه الأهم فلسطينيا، بأن الحركة “استسهلت” حكم قطاع غزة، فإن هذا الاعتراف يتطلب خطوات تصحيحيه، أبرزها أن “حماس″ لم تتعمد إقصاء حركة “فتح” أو العكس، وإنما معظم الفصائل الأخرى، وفئة المستقلين أيضا، وهم الأغلبية في الساحة الفلسطينية، وتعمدت، مثل معظم الفصائل الإسلامية الأخرى، التعاطي فقط مع الإسلاميين، ولم تؤمن بالشراكة مطلقا، والدليل أن معظم المشاركين في الندوة المذكورة كانوا منهم، أي أنه لم يتغير الكثير، وكان المأمول أن يقدم السيد مشعل هذه المراجعات المهمة في ندوة موسعة، ومن كل ألوان الطيف، ليكون هناك مجال لنقاش أوسع.

 

ولعل السيد مشعل وضع أصبعه على الجرح، عندما طالب الإسلاميين باحترام نقد الآخرين لهم، فمن المؤلم أنهم، أي الإسلاميين، وفي ذروة حالة الغرور التي إصابتهم، وحكمت سياساتهم ومواقفهم أثناء بروز نجمهم في الثورات العربية واكتساحهم لصناديق الاقتراع، أقصوا أي لون آخر من ألوان الطيف السياسي والعقائدي، بما في ذلك أبناء جلدتهم، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي والإخواني السابق أحد الأمثلة، والقائمة طويلة.

 

صحيح أن السيد مشعل رد هذا الخطأ إلى “المبالغة في تقدير الموقف”، وأردفه بـ”قلة الخبرة وغياب المعلومة والخلل في التعامل مع شركاء الوطن”، وهذا كله صحيح، ولكن هذا تبرير غير دقيق، لأن مبدأ الشراكة غائب في الأساس عن أدبيات الحركات الإسلامية “المعتدلة”، ناهيك عن المتطرفة منها.

 

لا شك أن قلة الخبرة، وغياب المعلومة الدقيقة أديا إلى حدوث أخطاء، ولكن لا يحتاج الأمر إليهما عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات إستراتيجية بديهية، مثل إصدار فتاوى التكفير في حق زعماء عرب لمصلحة التدخلات الأجنبية العسكرية، أو إعلان الجهاد في سورية، وإغلاق سفاراتها في القاهرة، والإبقاء على السفارة الإسرائيلية، وكنت أتمنى لو أن السيد مشعل تطرق إلى هذه المسألة في مراجعاته الجريئة.

 

حركة “حماس″ في رأينا تعرضت للتضليل المتعمد في بداية الثورات العربية، من خلال تزويدها بالتقديرات الخطأ، ولتوظيفها في خدمة أجندات تتعارض مع مبادئها وقيمها وكونها حركة تحرير لها مكانة بارزة في أذهان مئات الملايين من العرب والمسلمين، وحققت إنجازات تاريخية في تصديها لعدوانيين إسرائيليين في أربع سنوات، وتنفيذ العشرات من العمليات الفدائية التي أوجعت الاحتلال وإصابته في مقتل، والسيد مشعل يعرف إننا نعرف الكثير في هذا المضمار، وربما تكون لنا عودة بتفاصيل أكثر في المستقبل، ورواية الجانب الآخر من فصول التاريخ.

 

السيد مشعل استخدم تعبيرا له أكثر من معنى عندما قال “نجتهد في إدارة علاقاتنا السياسية مع دول المنطقة استنادا إلى مصالحنا وضروراتها كحركة تحرير ومقاومة، وإذا تعارضت المصالح ننحاز إلى مبادئنا”، وهذا كلام مهم، ولكن بعض اجتهادات حركة حماس وقيادتها كانت خاطئة وفي غير محلها، وأبرزها التخندق الطائفي وبطريقة تنطوي على الكثير من الاستفزازية، ودون أي داع، فلماذا يدين علماء الحركة مثلا مؤتمر غروزني انحيازا للسعودية التي أبعدت عنه، وشاركت فيه مصر بأربعة من اكبر علمائها ودول عربية أخرى عديدة، مثل المغرب والجزائر واليمن والأردن والعراق وسورية ودول إسلامية؟ ولماذا لم تقف على الحياد، والشيء نفسه يقال عن وقوفها في خندق في مواجهة خندق آخر في حرب اليمن؟

***

نقطة أخيرة نتوقف عندها في مراجعات السيد مشعل، وهي قوله “ما لدينا من سلاح هو إضعاف ما كنا نملكه خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة رغم إننا محاصرون”، وهذا كلام جميل يثلج الصدر، ويرفع الرأس عاليا، ولكن من حقنا أن نسأل السيد مشعل عن مصدر هذا السلاح، والتكنولوجيا العسكرية التي أنتجت معظمه؟ هل قدمت الدول التي وقفت حركة “حماس″ وتقف في خندقها حاليا، رصاصة واحدة إليها، حتى ولو لبندقية صيد العصافير؟

 

نشكر السيد مشعل الذي أتاح لنا الفرصة من خلال مراجعاته ونقده الذاتي الجريء والشجاع لقول كل ما تقدم بكل صراحة ووضوح، ونأمل أن نشاهد في الأيام المقبلة، وربما على أيدي قيادة حركة “حماس″ الجديدة القادمة ترجمات عملية لكل هذه المراجعات، وأولها أن تطبق الحركة مبدأ الشراكة، والانفتاح على الآخر، وفق الثوابت السياسية الفلسطينية، ووضع قضية فلسطين فوق كل التقسيمات والفتن الطائفية، فهي قضية عربية وإسلامية وعالمية أيضا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/09/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد