آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

مع كل ذلك لا مجال للمقارنة بين اليمن العزة و غزّة هاشم

 

إسماعيل القاسمي الحسني ..

هكذا قيل لنا، و هذا ما وثقته وسائل الإعلام العالمية من تصريحات شخصيات رسمية: في غزة هاشم جماعات قامت بالانقلاب على الشرعية، و استولت بغير وجه حق على السلطة، و تهدد بالسلاح الأمن و السلام العالميين؛ بل هذا ما هو مسجل في الوثائق الرسمية ليس لدى كيان العدو الإسرائيلي فحسب، بل لدى بعض القوى العظمى التي شكلت رباعية، تبيع التسويف و تشرع للعدوان، فضلا عن كونها بالوعة كبيرة تشفط من خزائن عربية بامتياز؛ و لعل القارئ العربي ليس في حاجة للتذكير بأن بعض تلكم الأنظمة العربية، تصنف مكونا سياسيا فلسطينيا في قائمة الإرهاب، هذا التصنيف يعد مشجبا مهما للغاية، تعلق عليه كل الإجراءات الإجرامية بحق شعب أعزل، لا تقتصر على الحصار الجوي و البري و البحري المطبق على الأنفاس، و إنما  تعلق عليه مبررات العدوان الإسرائيلي بكل وحشيته. و لأن هذه الجماعات الإرهابية استولت على السلطة بالقوة، أصبح من الضرورة بمكان استهدافها بمعية كل سكان غزة و دون استثناء، بكل الوسائل بما في ذلك ما يعد وفق القوانين الدولية جرائم ضد الإنسانية.

 

أنوه بداية أني أختلف مع التيار الإسلماوي سياسيا و فكريا، اختلافا جوهريا، لكن هذا لا يمنعني أبدا من عرض المشهد العربي البائس؛ ذلك أنه في نهاية المطاف كل الشعب الفلسطيني بكل طبقاته و شرائحه و مشاربه، راح ضحية الآلة الوحشية و الهمجية.

 

ما دعاني لكتابة هذه العجالة، خبر موت شمعون بيريز، الذي أذكر كما اليوم تصريحه لوسائل الإعلام و منها قناة الجزيرة 1997، ردا على سؤال بخصوص موقفه من عزم جامعة الدول العربية رفع شكوى ضد كيانه لدى الأمم المتحدة و مجلس الأمن، نتيجة عملية ما سمي “عناقيد الغضب”1996 . فكان رده صادما حين قال ما مضمونه: على هؤلاء أن يشكوا أولا ما حدث في الجزائر. و كان يعني حينها مجزرة بن طلحة في ضواحي العاصمة، التي راح ضحيتها مئات المدنيين، و تضاربت حولها الاتهامات بين السلطة و الجماعات المسلحة. هذه المقارنة الصادمة فيما يتعلق بالضحايا عددا و وحشية الجريمة، أعترف أنها كانت أشبه بحجر ألقم فم كل زعيم عربي ساعتها؛ و الخلاصة منه أن كيان العدو الإسرائيلي لم يبلغ في وحشيته و إجرامه بحق اللبنانيين ما بلغه العرب في حق أنفسهم و مواطنيهم. ليس مُهِما أن تكون السلطة الجزائرية أو الجماعات الإرهابية المسؤولة، المهم أن الطرف عربي و الضحية عربية.

 

هذا المشهد المأساوي اليوم أخذ أبعادا فلكية، تلكم هي الخلاصة التي يخرج بها من يعقد المقارنة بين العدوان على غزة 2008/11/27 و بين العدوان على اليمن.

 

فوفق تقرير نشرته صحيفة الغرديان البريطانية في 16 من هذا الشهر، نقف على وقائع و أرقام مروعة، تتخطى بمراحل ما تعرض له الشعب الفلسطيني بقطاع غزة 2008 على فضاعة وحشيته.

 

ففضلا عن كون المصوغات واحدة في جوهرها: أي مجموعات ارهابية استولت بالقوة على السلطة الشرعية و تهدد أمن الجوار، و أداة التدخل عسكرية ، تعتمد على القصف الجوي نقف على الفوارق التالية:

 

العدوان على غزة (9/2008) كان من نتائجه مثلا لا حصرا، 1500 شهيد، في حين بلغ عدد شهداء اليمن نتيجة عدوان التحالف الخليجي 7000 شهيد، عدد الأطفال الذين قتلوا بقصف العدو الإسرائيلي 313 في حين عدد أطفال اليمن الذين قضوا نتيجة قصف التحالف الخليجي 22100 (وفق  تقرير لمكتب الشؤون الإنسانية الأممي، إن 8 أطفال يُقتلون أو يُصابون أو يُشوهون كل يوم، وأن 1.8 مليون طفل باتوا خارج المدارس). عدد الجرحى بغزة 5450 بينهم 1606 طفل و 828 امرأة في المقابل بلغ عدد الجرحى اليمنيين 17000 بينهم 1980 طفل و 1714 امرأة.

 

أما على جانب تدمير البنى التحتية ففي غزة تم تدمير 4100 مسكن يقابله في اليمن حوالي 30ألفا، و 35 مسجدا في غزة، و  34 مسجدا في اليمن، ثلاث جامعات في غزة، و 26 جامعة في اليمن، هذا مرة أخرى على سبيل المثل لا الحصر. و لن أفصل ما جاء في تقرير الغارديان بخصوص تعمد التحالف الخليجي في استهداف مواقع مدنية كأسواق بعينها عدة مرات كسوق صرواح الذي قصف 24 مرة، أو المدرسة التي قصفت تسع مرات.

 

أسجل هنا أن الأعداد و الأرقام فيما يتعلق باليمن تعني العام الأول فقط من العدوان، و المقارنة هنا بينها و بين ضحايا غزة، و بعملية حسابية بسيطة، ننتهي لنتيجة واضحة و صادمة في آن، خلاصتها أن نسبة القتل و الشهداء من المدنيين و تدمير البنى التحتية خلال شهر واحد نسبيا متعادلة بين عدوان كيان العدو الإسرائيلي و عدوان التحالف الخليجي، و إن كان من زيادة فهي للأخير.

 

تقول القاعدة الأصيلة في المنطق:” لا وجود لقياس بوجود الفارق”؛ و هنا لا يصح القياس و المقارنة بين العدوانين، ذلك أن العدوان على غزة جاء على يد عدو محتل، لا يشترك مع أهلها في دين و لا لسان و لا عرق و لا أرض؛ في حين أن العدوان على اليمن يتم على يد أخ عربي شقيق جار. و قد قال طرفة بن العبد: و ظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على المرء من وقع الحسام المهند.

 

و لعلي أزعم أنه لا أشد على المواطن العربي من المقارنة بين إجرام عدوّه ، و إجرام أخيه بحقه، و الأنكى أن يكون إجرام الأخ أكثر عددا و زمنا و ضحايا و خسائر.

 

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد