آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي محمد فخرو
عن الكاتب :
مفكر بحريني

التعامل العربي الغريب مع الأحداث

 

علي محمد فخرو ..

حاولت بكل ما أستطيع من قوة، وباستعمال كل حيل المنطق، أن أفهم ردود الفعل العربية تجاه حدثين واجهتهما الأمة العربية خلال الأسبوعين الماضيين، لكنني لم أستطع الوصول إلى فهم موضوعي متسامح ومقنع.

 

الحدث الأول هو إقدام البعض من مسئولي هذه الأمة على محاولة استلال الشعرة، التي مثلها مجرم الحرب شمعون بيريز، من العجينة، التي يمثلها الكيان الاستعماري الهمجي الصهيوني.

 

فهل حقاً أن تلك الشعرة لم تكن منصهرة وذائبة ومتفاعلة ومتباهية مع العجينة الصهيونية المعجونة بدماء ودموع وأحزان الملايين من عرب فلسطين ومصر وسورية والأردن ولبنان، بل وكل العرب؟

 

هل حقاً أن تلك الشعرة ليست جزءاً من مذاق تلك العجينة التي سممت الحياة العربية وأضعفت كل جزء من الجسم العربي طيلة السبعين سنة الماضية؟

 

شمعون بيريز، تلك الشعرة السامة، أليس هو الذي بدأ حياته السياسية عضواً في منظمة الهاجانا الإرهابية التي استباحت قرى فلسطين وهجرت بالرعب وسفك الدماء ساكنيها؟ ألم يتنقل ذلك الصهيوني بين أعلى مناصب كيانه، ويشرف على حروبه العدوانية المتكررة ضد الكثير من أقطار أمة العرب، ويدير عمليات القتل والإبادة في مخيمات قانا وصبرا وشتيلا؟ ألم يساهم في خيانة ما اتفق عليه في اتفاقية أوسلو المشؤومة ويكون أحد داعمي بناء المستوطنات وسرقة ما تبقى من أرض لسكان فلسطين؟ وحتى عندما حاول خداع العالم باقتراح خطة مستقبل لما سمي «الشرق الأوسط الكبير»، لم يستطع إخفاء تعاليه وعنصريته وثعلبية الصهيونية، فاقترح تصوره اللئيم بأن يكون المستقبل مزجاً بين العبقرية «اليهودية في العلم والتكنولوجيا والاقتصاد، وبين المال العربي الذي لا تعرف البلادة والجهالة العربية كيف تستعمله فيما يفيد وينفع».

 

وإذاً، وعلى ضوء ذلك وأكثر من ذلك، مما لا يسمح المجال لسرده، هل حقاً أن هناك شعرة يمكن أن تستل من ذلك العجين المليء بالقيح والأوبئة؟

 

فيا حسرةً على الشهامة والعدالة واحترام النفس وفهم التاريخ، وياحسرةً على ما فرطنا في جنب الله وقيم الحقوق والكرامة والنأي بالنفس عن المذلة والتعاطف مع الإخوة الضحايا.

 

الحدث الثاني هو تمثيلية الكونغرس الأميركي، وقد تكون بالتعاون مع البيت الأبيض، والتي تأخرت 15 سنة لتعرض على المسرح، وذلك بشأن مقاضاة القطر العربي السعودي من قبل ضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من سنة 2001 الأثيمة.

 

لا نريد هنا أن نذكُر بعلامات الاستفهام الكثيرة بشأن طبيعة الحدث وفاعليه والدور الداخلي الذي لعبه البعض في عملية تنفيذه. لا نريد أن نشير إلى علاقات التعجب ومشاعر الشكوك التي تنتاب الكثيرين من الرفض الأميركي التام لمراجعة تفاصيل الحدث ونواقص التقرير الرسمي بشأن الكثير منها، وذلك على رغم عشرات الفيديوهات والتقارير والمناقشات التي صدرت أو عقدت في أميركا نفسها، ومن قبل أميركيين ذوي ضمائر حية وحاملي قيم أخلاقية رفيعة.

 

ذاك موضوع ليس مجاله هنا. ما مجاله هنا هو الحديث عن فاجعة ظاهرة «جزاء سنمار» في علاقات مجلس التعاون الخليجي، وفي قمته تجلس المملكة العربية السعودية، علاقاته «بالحليف» الأميركي.

 

فبالنسبة للبترول انتهجت دول مجلس التعاون المنضمة لعضوية منظمة أوبك، عبر تاريخ المنظمة، سياسة الإصرار على إبقاء أسعار البترول في المستوى الذي ترضاه أميركا ولايضُر باقتصادها. بل وبقي البترول الخليجي في الواقع مخزناً استراتيجياً أميركياً للطاقة، يستخرج ويباع بحسب الإملاءات الأميركية وبحسب الحفاظ على مصالحها الدولية.

 

وبالنسبة للسياسات الخارجية، وقف بعض أعضاء مجلس التعاون، قبل قيامه وبعد قيامه، وإلى اليوم، وقفوا «كحلفاء» لأميركا. هل نذكُر أنفسنا بالدور المتناغم مع الرغبات الأميركية في هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ومن ثم تفككه وسقوطه المدوي؟

 

هل نذكر أنفسنا بالتساهل مع محاصرة شعب العراق، ثم احتلال دولته ليصبح العراق العربي، الموغل في التاريخ، العروبي والمحارب في خندق كل قضية قومية عربية، ليصبح ألعوبة في يد إيران وأميركا والطائفيين والفاسدين، وليسقط في النهاية جثة عاجزة أمام «القاعدة» و«داعش»؟

 

هل نذكر أنفسنا بالدور الملتبس المليء بالغموض والأخطاء في دعم التحالف الدولي الذي تقوده أميركا في سورية، والذي تحوم الشكوك بشأن أهدافه وأساليب عمله وتناغمه مع رغبة الكيان الصهيوني في تدمير سورية نظاماً والتزاماً قومياً؟

 

هل نذكر أنفسنا بالاستثمارات الخليجية الهائلة في صالح الاقتصاد الأميركي وإصرار الخليج على بقاء الدولار الأميركي كعملة مهيمنة في الأسواق النفطية والمالية الدولية؟

 

ولكن أميركا تناست كل ذلك، وهاهي تمارس رذيلة «جزاء سنمار» كما فعلته في عشرات الساحات الدولية الأخرى.

 

والسؤال: هل سنظل نمارس الأخطاء والخطايا والبلادات والمماحكات، والشك في أنفسنا وإخوتنا في العروبة والإسلام، واعتمادنا الذليل على قوى الخارج، وإبقاء شعوبنا ومجتمعاتها المدنية في الهامش والظل؟ أم سنعيد النظر، حكومات ومجتمعات، في استراتيجياتنا التعاضدية والوحدوية القومية، ونبتعد عن وهم الخلاص الفردي لهذا القطر أو ذاك، ونقتنع نهائياً بأن درب العروبة ودروب الوحدة والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتجديد الحضاري، ليسير في أرجائها كل قطر، ولتسير في أرجائها الأمة جمعاء، هم المخرج الوحيد للخروج من هذا الظلام الحضاري والوجودي الدامس الذي كان الحدثان السابقان جزءاً منه ومثالاً على السقوط السياسي المذهل الذي نعيشه جميعاً وبدون استثناء؟ تلك أسئلة الساعة، فما عاد بالإمكان ممارسة تمثيلية المجاملة.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/10/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد