التقارير

تقرير خاص: ’ #فاضل_المناسف’ إنسانية خلف القضبان

 

وردة علي ..

في الوقت الذي تنتشر فيه منظمات حقوق الإنسان وتحث على احترام القوانين الدولية وعلى سبيل المطالبة بالحقوق السلمية و الإنسانية، أما في بلاد الحرمين باتت المطالبة به جُرما يُعاقب عليه قانون الدولة التي تدعي الحقوق، فتُكمم الأفواه وتُصادر الحريات و يُعاقب من يحمي الإنسان ويدافع عن حقوقه بمحاكمات ظالمة يطول أمدها عشرات السنوات والتهمة الأولى "خروج على ولي الأمر" أما الثانية والثالثة والرابعة وبمجرد سماعها تعرف إنك في سجن ممتد اسمه المملكة السعودية...

 

من هو فاضل المناسف؟؟

"فاضل مكي المناسف" من بلدة العوامية بالقطيف شرق المملكة، وهو مدون و كاتب و مصور فوتوغرافي، وعضو مؤسس لمركز العدالة لحقوق الإنسان في السعودية، عمل على رصد الانتهاكات و توثيقها و التواصل مع أهالي المعتقلين لكي يتمكنوا من متابعة قضايا ابنائهم.

 

ظهر نشاط المناسف أكثر من السابق بعد تزايد المسيرات السلمية عام 2011 في القطيف، و رُشّح ليكون من ضمن الوفد الشبابي الذي تحاور مع الجهات الأمنية وإمارة المنطقة الشرقية.

وعمد المناسف إلى الكتابة في المواقع الإلكترونية أو الذهاب إلى الجهات الحكومية مثل هيئة التحقيق و الادعاء العام و الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان و هيئة حقوق الإنسان، في خطوة إنسانية أرادها أن تكون بالطرق المشروعة.

 

الاعتقالات والثبات على مواصلة الإنسانية

اعتقل المناسف عدة مرات كان أولها عام 2009 حيث تم اعتقاله أسابيع في سجن الدمام العام بتهمة المشاركة في اعتصام سلمي حدث في العوامية، احتجاجا على تعرض زوار المنطقة الشرقية من الطائفة الشيعية إلى اعتداءات في المدينة المنورة.

 

الاعتقال الثاني

في يوم السبت الموافق 30/4/2011 في الساعة الرابعة عصرا قامت فرقة من البحث الجنائي بالتوجه إلى منزل "فاضل المناسف" ، إلا أنه لم يكن متواجد في المنزل.

 

 عندها قامت الجهات الأمنية بأخذ بطاقة الهوية المدنية لوالده، طالبين منه إخبار فاضل بمراجعة قسم البحث الجنائي بشرطة العوامية.

 

صباح اليوم التالي الأحد الموافق 1/5/2011 حوالي الساعة 10:00 صباحاً، توجه إلى شرطة العوامية، وعند وصوله تم إخباره أنه مطلوب بسبب المظاهرات، وتم تقييد يديه و رجليه و أخذه إلى مركز البحث الجنائي بشرطة القطيف.

 

وكانت آخر رسالة وضعها المناسف على صفحته في الفيس بوك، آنذاك قال فيها "الآن سوف أدخل إلى شرطة العوامية... نسألكم الدعاء"، لتنقطع بعدها جميع أخباره.

في يوم الأربعاء الموافق 4/5/2011 تم نقله إلى سجن الخبر، وفي 18/5/2011 الموافق ليوم الأربعاء تم نقله إلى سجن المباحث العامة بالدمام و منذ ذلك الوقت لم يسمح لأهله بزيارته و قام فقط باتصال يوم الأحد أو الاثنين ( 22-23 /5/ 2011 ) لمدة لا تتجاوز الدقيقتين ليخبرهم أنه موقوف في سجن المباحث العامة بالدمام.

 

خلال هذه الفترة و تحديدا يوم السبت 4/6/2011 ، تم تحويله لسجن مباحث مدينة جدة  وهو ما يسمى بسجن "ذهبان"، وتم عرضه على المحكمة الجزائية المتخصصة يوم الاثنين الموافق 6/6/2011 ، وتم تسليمه لائحة الدعوى المقامة من قبل هيئة التحقيق والإدعاء العام وطلب منه الرد عليها كتابياً.

 

تهم ليس لها ارتباط بما جرى التحقيق حوله

تم فتح ملف خلال الاعتقال الأول و تم توجيه عدة تهم له أبرزها "الإفتيات على ولي الأمر و الخروج عن طاعته، وعدم السمع و الطاعة و إثارة الفتنة، و الفوضى و تأليب الرأي العام ضد الدولة و إتلاف الممتلكات العامة، و الإخلال بالأمن من خلال قيامه بقيادة عدد من المسيرات و المشاركة فيها وقيامه بالتجمهر و الاعتصام المحظور شرعا و نظاما وإحداث أعمال شغب مناهضة لدولة، و مقاومة رجال السلطة العامة وعدم التجاوب معهم و الاعتداء عليها و على الدوريات الرسمية و إلحاق الضرر بها و مخالفة تعليمات ولي الأمر و الإخلال بالنظام العام".

 

وتم الإفراج عنه بتاريخ 2011/8/11 م بعد توقيعه على تعهد بعدم المشاركة في المظاهرات، بعد أن أمضى طوال هذه الفترة في الحجز الانفرادي.

 

دافع إنساني وأخلاقي وراء الاعتقال الثالث

عصر يوم الأحد 2/10/2011 قامت السلطات السعودية بالقبض على كلا من الحاج "سعيد عبدا لله آل عبد العال" وَ الحاج "حسن أحمد علي آل زايد" و كلاهما أعمارهما فوق الستين، و القبض عليهم في سياق الضغط، كون "ابن آل عبد العال" و كذلك "ابن آل زايد" مطلوبين في الشرطة بتهمة المشاركة في المظاهرات التي تحدث في العوامية.

 

حاصرهم بالقانون فاعتقلوه!

قام "فاضل المناسف" ومن واجبه الإنساني بالتوجه إلى شرطة العوامية للحديث مع رجال الشرطة، وبهدف إيضاح بأن القبض على الأب ليقوم الابن بتسليم نفسه عمل غير قانوني، وفي هذا الوقت "سقط الحاج آل زايد" بسبب التعب لأنه مصاب بمرض القلب و قام فاضل بالاتصال بهيئة الهلال الأحمر السعودي ليتم إسعاف الحاج آل زايد.

تبع فاضل سيارة الإسعاف وخلال مرورهم في نقطة تفتيش الواقعة بين منطقتي صفوى و العوامية تم إيقافه، و نقله إلى شرطة صفوى.

 

التعذيب والسجن الانفرادي

في الاعتقال الثاني و الثالث تعرض فاضل للتعذيب الجسدي خصوصا في اليومين الأولين لاعتقاله و ذلك لانتزاع الاعترافات منه و ذلك بالضرب بالأيدي والأرجل وتغطيه العين لساعات طويلة مع الوقوف والقيود في الرجلين واليدين في أعلى وكذلك عن طريق الأجهزة الكهربائية.

 

في الاعتقال الثاني كان طول فترة اعتقاله في السجن الانفرادي و لم يسمح لعائلته بزيارته طوال فترة اعتقاله ولم يسمح له بالاتصال مطلقاً إلا مرة واحدة فقط.

 

أما في الاعتقال الثالث قضى "فاضل" 4 أشهر في السجن الانفرادي و لم يسمح لعائلته بزيارته إلا في يوم السبت الموافق 11/8/2012 أي بعد مرور 314 يوماً من اعتقاله، وفي الوقت الحالي فأن الزيارة العائلية مسموح بها كل شهر مرة وبالاتصال بعائلته كل أسبوع مرة واحدة أيضا..

 

محاكمة الإرهاب تُحاكم الإنسانية

تم عرض "فاضل المناسف" على المحكمة الجزائية المتخصصة 4 مرات كانت كالتالي: فيما يخص قضيتنه التي تعود لعام 2009،  كانت بتاريخ 6 / 6/ 2011 في المقر الصيفي للمحكمة بجدة، و 28 / 2 / 2012 في الرياض،  9/4/2012 في الرياض أيضا و 9/5/2012.

 

في المقر الصيفي للمحكمة بجدة و في الجلسة الأخيرة للمحاكمة تم تأجيل الجلسة دون تحديد جلسة قادمة و طلب القاضي إحضار جميع المتهمين في والقضية لم يحصل عليها أي جديد من ذلك التاريخ.

 

 وفيما يخص القضية التي تعود لعام 2011 كانت الجلسات في المحكمة الجزائية المتخصصة كالتالي : 21 /7/2013 في الرياض 22/ 8/ 2013.

 

مُلخص الاتهامات التي أوردها المدعي العام كالتالي: الخروج على ولي الأمر والاعتداء على أمن البلد واستقراره، وإثارة الخلاف والشقاق بين المواطنين، وإثارة النزعة الطائفية بينهم بالتحريض على الخروج للمظاهرات والمسيرات.

 

كما أورد المدعي العام ثلاث أسس لهذه التهمة وتتلخص في الدعوة للمظاهرات، والخروج للمظاهرات، والإجتماع بمؤيدي المظاهرات، إنتاج وتخزين ونشر ما من شأنه المساس بالنظام العام والآداب العامة المجرم والمعاقب عليه بموجب نظام الجرائم المعلوماتية، وقد أورد المدعي العام أربعة أسس لهذه التهمة وتتلخص في إنشاء صفحات شخصية على الشبكات الإجتماعية، الدخول لمواقع مناوئة للدولة.

 

 تصوير المظاهرات ورفعها على الإنترنت، وكتابة مقالات تتضمن تجنياً على الدولة، التواصل مع جهات إعلامية خارجية تسعى إلى تضخيم الأخبار والإساءة إلى حكومة المملكة السعودية وشعبها من أجل إشاعة الفوضى وفض اللحمة الوطنية، وبث الفرقة بين أبناء الوطن.

 وأورد المدعي العام أربعة أسس لذلك تتلخص في تصوير المظاهرات وبعثها إلى تلك الجهات، التواصل مع مندوبي تلك الجهات، التواصل مع تلك الجهات لنقل الأخبار المكذوبة، وتزويد رقمه الخاص لتلك الجهات.

 

 الاشتراك في تأسيس تنظيم محظور وهو (شبكة النشطاء الحقوقين) يتمثل نشاطها في تأليب الرأي العام للخروج على ولي الأمر وإثارة الفتنة الطائفية بين المواطنين والتواصل مع جهات خارجية للتحريض على حكومة المملكة السعودية والتدخل في شؤونها الداخلية بغرض زعزعة أمن البلاد وهدم مقدراتها والإساءة إلى الجهات العدلية.

 

 التوقيع مع آخرين على مذكرة تتضمن افتراءات مباشرة على حكومة هذه البلاد المباركة التسبب في الاعتداء على مركبتي دورية أمنية وإحداث تلفيات في محاولة منه وممن حرضهم لمنع رجال الأمن من أداء عملهم.

 

وطالب المدعي العام بإدانة المتهم وإيقاع ثلاث عقوبات، وهي: التعزير، والحد الأعلى من العقوبة الواردة في المادة السادسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، والمنع من السفر استناداً للفقرة الثانية من المادة السادسة من نظام وثائق السفر.

 

عدم وجود أدلة واضحة خفض مدة الحكم

بتاريخ 9 سبتمبر 2014، خفضت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، عقوبة السجن ضد المدافع عن حقوق الإنسان "المناسف"، بمقدار سنة واحدة بعد إعادة النظر في الحكم من قبل محكمة الاستئناف الجنائية المتخصصة.

 

وحكم على فاضل المناسف في الأصل في 17 أبريل 2014 بالسجن لمدة 15 سنة، وحظره من السفر لمدة خمسة عشر عاماً تبدأ بعد إطلاق سراحه وغرامة قدرها مائة ألف ريال سعودي، وتم تخفيض عقوبة السجن وحظر السفر ليصبحا 14 سنة لكل منهما ولكن الغرامة بقت كما هي.

 

واستند التخفيض في الحكم على اثنين من الملاحظات الرئيسية الواردة من قبل محكمة الاستئناف الجنائية المتخصصة، أولا، أنه لا يوجد أي دليل على التهمة حول مشاركة المدافع عن حقوق الإنسان في إنشاء منظمة محظورة لحقوق الإنسان. وافق القاضي على هذه الملاحظة وتبعاً لذلك رفض هذا الاتهام.

 

والملاحظ الثانية: كان الحكم قاسيا جدا. ونتيجة لذلك قرر القاضي تخفيض العقوبة.

 

منظمات حقوقية عالمية تُطالب بالإفراج عن المناسف

وفي يونيو 2011م دعت منظمة العفو الدولية إلى تحرك عاجل من أجل إطلاق السلطات السعودية الناشط الحقوقي "فاضل المناسف" وسط مخاوف من تعرضه للتعذيب وشتى ضروب المعاملة المسيئة.

 

وقالت المنظمة في بيان لها "أن المناسف محتجز بمعزل عن العالم الخارجي منذ 18 مايو وأن السلطات لم تسمح له بالاتصال بعائلته، دون توجيه أي تهم واضحة له وسط اعتقاد بأن احتجازه مرتبط بنشاطه الحقوقي.

 

واستندت المنظمة لمصادر سعودية لم تسمها حول لعب المناسف لدور حيوي في تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان والتمييز الطائفي بحق المواطنين الشيعة في المملكة.

 

وأورد البيان مخاوف من أن يكون المناسف عرضة لخطر التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، ودعت المنظمة إلى تحرك عاجل عبر مطالبة المسئولين السعودية بضمان عدم تعرض الناشط المعتقل للتعذيب أو المعاملة المسيئة وفتح المجال للقاء عائلته ومحاميه وتوفير العناية الصحية له.

 

كما طالبت بإطلاق سراحه فورا على نحو غير مشروط في حال كان اعتقاله لمجرد ممارسة حقه في حرية التعبير، ودعا البيان إلى مطالبة المسئوولين بالإفصاح عن التهم التي يواجهها المناسف وضمان سلامة الإجراءات القضائية بحقه ومطابقتها للمعايير الدولية.

 

وطالبت المنظمة بتوجيه خطابات باللغة العربية والانجليزية وأية لغة أخرى إلى وزير الداخلية السعودي "نايف بن عبدالعزيز" والملك "عبدالله بن عبدالعزيز" ورئيس هيئة حقوق الإنسان في السعودية، "بندر بن محمد العيبان".

 

وسبق لمنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة الكرامة وفرونت أن طالبت السلطات السعودية بالإطلاق الفوري عن الناشط المناسف.

 

مبادرة الشهامة والإنسانية

في الذكرى الخامسة لاعتقاله الأخير تواصلت "خبير" مع الناشط في حقوق الإنسان والمحامي "طه الحاجي"، ليؤكد بأن "المناسف"، اعتقل عندما دفعته إنسانيته وشهامته إلى المبادرة لمراجعة الشرطة حيث كانت تحتجز الحاج "ال زايد" للضغط على ابنه لتسليم نفسه.

 

وتابع الحاجي قوله: كلمة (لا) التي كانت صريحة وثابتة بقوة حضورها لهم إن هذا لايجوز ولايصح احتجاز الأب بلا سبب ولا ذنب وهذا تجاوز وانتهاك مخالف لأحكام الشريعة ولمبادئ القانون.. وقتها تعرض الحاج "آل زايد" لازمة قلبي وهو في الشرطة لينقل بالإسعاف، وبينما كان فاضل يسير خلف سيارة الإسعاف تم اعتقاله في نقطة التفتيش.

 

وشدد الحاجي بقول: أنا أعتقد أن فاضل يستحق التكريم لشجاعته ولمواقفه بدل من السجن فما قام به فاضل عمل إنساني رائع وقام بأسلوب مهذب مراعي فيه الأنظمة لذا فهو لا يستحق التوقيف بل يستحق التكريم والإشادة.

 

بين الشعلة والمناسف ثقافة الحقوق ونشر الوعي

وختم  الحاجي حديثه لـ "خبير" بقول: قضية "فاضل المناسف" هنا تذكرنا أيضا بقضية "فاضل الشعلة" فالاثنين كانت تهمته "ممارسة الإنسانية وإثارة الوعي ونشر ثقافة التسامح والحقوق" تدفعهم لذلك محبتهم للسلام والمحبة بروح وطنية صادقة مخلصة.

 

الدولة التي تخشى على سمعتها في العالم، تُسيء هي لسمعتها عبر اعتقالها الحقوقيين والناشطين وأصحاب الرأي..بتهمة الإساءة للملكة والخروج على ولي الأمر.. لا لـشيء إلا أنهم طالبوا بحقوق مشروعة وعبر طرق سلمية..

 

هكذا تُكافىء مملكة الاعتقالات من يسعى لتطورها، ومن يخدم وطنه بالفكرة والقلم.. ومن يسعى لنشر ثقافة الحقوق والمحبة، وما المناسف والشعلة و أبو الخير و الخوليدي والشيخ الحبيب والشيخ الراضي إلا أسماء ضمن قائمة تطول لاتستحق إلا التكريم في بلد ضاعت فيه الحقوق وقيدت الحريات..

أضيف بتاريخ :2016/10/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد