آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

لم يعد السؤال عن استهداف الجزائر وإنما كيف ومتى؟ وهل تلعب دولا خليجية وغربية الدور الأبرز؟

 

إسماعيل القاسمي الحسني ..

حين يتنحى المرء جانبا، و يفرض على نفسه التجرد، ليتأمل بهدوء و دون انفعال حالة العالم العربي، أعتقد أنه سيقف على صورة صادمة، ففضلا عن كون عبارة “العالم العربي” لم تعد أكثر من وعاء خاو من أي دلالة أو أي  قيمة حسّية على أرض الواقع، يلمس بيديه حالة التمزق الجغرافي و التقاتل البيني المروع، و انهيار كلّي لجميع دعائم كيان “أمّة”،  من الأخلاق و القيم، إلى العدالة الاجتماعية و الأمن بكل أبعاده، من الأمن الغذائي و الصناعي و العسكري، إلى الأمن على الأرواح و الممتلكات و الأعراض، انتهاء بالأمن على المقومات الحضارية لشخصية هذه الأمة، حيال الاختراق المهول و المكشوف، عبر شبكات التواصل الحديثة، التي تتحكّم في فضائها، أقوى و أخطر دولة عظمى على استقرار الأمم و حرياتها.

 

 

و بغض النظر عن التفاصيل حيث تكمن الشياطين، ففي عالمنا العربي ليس هناك فاعل و مفعول به، بل المشهد العام يفيد بأن هذه الأمة كلها مفعول بها و مجرورة، و يا ليتها كانت مجرد حرف جر، و أخطر من ذلك لا يمكن وصفها بغير المضاف إليه؛ هكذا تَعرِبها قواعد الواقع، و هكذا تُصرّف وفق قواميس الأمم، التي تتصدر القيادة في العالم. فلا من يدّعي بهجومه على ليبيا و سوريا و اليمن و البحرين، بموقع الفاعل مهما رفع من شعارات متوهمة، و مهما انتفخ محاكيا صولة الأسد، و لا من يدّعي الدفاع عن الأمة و قيمها بات فعلا يملك مثقال ذرة من الفعل على الأرض. الواقع المُر و الذي يجب الإقرار به، هو أن أغلب دول العالم العربي أصبحت مسرحا للتقاتل و التخريب الذاتي، بأيدي أبنائها و بتحريض من علمائها و مُفكرّيها، و بتمويل من حكامها و تجّارها، غير أن التخطيط و القرار و المصلحة، جميع ذلك يصبُّ في خدمة أطراف أجنبية، لطالما ناصبت هذه الأمّة العداء على مَرّ التاريخ.

 

الجزائر ليست استثناء من بين دول العالم العربي، و واهم من يتصور إمكانية استثنائها، فلا الجغرافيا يمكن أن تُرَحّل أو ترتحل، و لا الصفحات المترابطة لتاريخ مشترك متجذّر، يمكن أن تُمزّق من اللاوعي و الوعي الجمعي، سواء لأبنائها أو لدى أعدائها؛ و لقد ذكرت في مقال سابق قبل أسبوع، بأن إسقاط الجزائر هو ضرورة إستراتيجية لدى الغرب، و دلّلت على ذلك بواقع و وقائع متسلسلة عبر خمسة قرون، لا ينكرها إلا مكابر؛ و إذا سلّمنا بهذه الحقيقة، فلابد من التساؤل: كيف؟ و متى؟.

 

أما عن الكيفية، فبنظرة متجردة كذلك إلى الفوضى الدموية التي عصفت بدول و شعوب عربية، منذ 2011 و تحديدا مع بداية ما سمي دجلا ثورة 17 فبراير بليبيا ثم سوريا وصولا إلى اليمن، نقف على نقاط ضعف استغلها الغرب، و  بقُفّازات “عربية” حولها إلى مفاعيل قوية حقق بها أهدافه، و لعله يمكن تلخيصها كالآتي:

أولا- غياب العدالة الاجتماعية.

ثانيا- الفشل في بناء اقتصاد قوي الركائز.

ثالثا- فتورٌ ناتجٌ عن النقطتين السابقتين للحس الوطني و الشعور بالانتماء.

رابعا- فشل جهاز المخابرات في رصد و استقراء خطوات العدو.

خامسا- إفلاس كلي لقطاع الإعلام و صُنّاع الرأي، ما نتج عنه تفكك و تحلل للوعي الجمعي.

سادسا-  عملاء باعوا ضمائرهم، تم تصنيع صورتهم بأدوات لدى العدو نفسه. رضوا بالانتقام من الأنظمة ارتكبت بحقهم مظالم، على حساب الوطن و الشعب.

سابعا- قضايا فساد الحكام أو بطانتهم، أو كليهما بشكل أخذ أبعادا فلكية.

سابعا- الضغائن الشخصية لدى الحكام العرب، ذات الطابع “البدوي الأرعن”. الذي هوى من المستوى القبلي المتخلف أساسا، و استقر في قاع صراع الأفراد الجهلة، الفقير لأدنى وعي بالمسؤولية، و ما يترتب عن سلوكه.

 

المُنصف يقر بأن نقاط الضعف الخطيرة هذه، مجتمعة كلها في حالة الجزائر، بل و كل منها بلغت مبلغا غير مسبوق، من قضايا فساد ارتبطت بشكل مباشر بشخص الرئيس، بحكم العلاقة مع رؤوسها مثل قضية عمار سعيداني (رئيس البرلمان حينها و أمين عام حزب جبهة التحرير حاليا/حزب الرئيس، و سعيد بركات (وزير الفلاحة الأسبق) و عبد المومن خليفة (رجل أعمال) و شكيب خليل (وزير الطاقة السابق) جميعهم من الأصدقاء الشخصيين للرئيس، و حجم القضايا تجاوز مئات ملايين الدولارات إلى مليارات الدولارات؛ أما الإفلاس الواضح في بناء اقتصاد منتج قوي الركائز فلا يحتاج لدليل، في حين تبخرت أزيد من ألف (1000) مليار دولار من مداخيل الجزائر، كانت نتيجة الطفرة بين 2000 و 2012، العدالة الاجتماعية و استقلالية السلطات ضرب من الخيال، زعزعة جهاز المخابرات لا تخطئها عين، بداية من اتهامها بصفة “الدولة داخل الدولة”، وصولا إلى اتهام قادتها بالعمالة لفرنسا، و الزج ببعض جنرالاتها في السجن بتهم تدعو للسخرية؛ و يمكن لأي ملاحظ أو متابع أن يلمس ضمور الحس الوطني لدى طبقات و شرائح واسعة من المجتمع، يصل أحيانا إلى الكفر بالانتماء للجزائر، باعتبارها مجرد مزرعة للسلطة و بطانتها و حواشي الفساد التي تنمي ثروات السحت على فتات موائدها. أما جانب الإعلام و صناعة الرأي و بناء الوعي الجمعي، فتكفي عملية مسح لاكتشاف المسافة الكونية الفاصلة بين ما يجب فعله و أمانة الرسالة و مهنيتها، و بين الحالة المتوهمة التي يعيشها المنتسبون لهذا القطاع، و المنوط بهم افتراضا الوعي العميق بحقيقة واقع و مستقبل الجزائر؛ و أخيرا و بنظرة سريعة يمكن رصد شخصيات جزائرية، قد تكون تعرضت لظلم ما، تقيم الآن في ذات العواصم التي استهدفت ليبيا و سوريا و اليمن و قبلها العراق، و تقدمها ذات المنصّات الإعلامية المبدعة في صناعة الصورة، بذات الطريقة التي قدمت بها ما يسمى بـ “المعارضة الوطنية الحريصة على مصالح الشعب الجزائري”.

 

هذا الواقع البائس لا يتخلّق في ظل طبقة سياسية بشقيها السلطة و المعارضة، على مستوى عالي من الوعي السياسي و الحس الوطني، حتى يمكن أن نعول عليها في مواجهة ما يدبّر للجزائر، و نطمئن لقدراتها على صد الهجوم الخبيث الذي يترصد لحظة الضرب بقوة؛ و إن كانت تلكم هي نقاط الضعف التي شكلت شقوقا في بيت كل دولة عربية استهدفت، تسرب منها طوفان الدماء و الفوضى، فالسؤال عن الأدوات بعد التجارب (ليبيا-سوريا) يبدو عبثيا، ذلك أن الاحتقان على مستوى فئات من الشعب موجود و بشكل حاد، و قلة الوعي و  ضعف الانتماء يتوسع خرقهما، و خلايا تيارين بعينهما ينفيان بشكل مطلق القيمة “الوطنية”، و من أصول عقيدتهما الانتماء للتيار ذاته، منتشرة في أوساط الشعب الجزائري بل هي تزايد و توسع في الفراغ الذي تركته السلطة و النخب الفكرية و الدينية؛ و الجميع يعلم أن هاذين التيارين كانا المحرك الرئيسي لإشعال الاقتتال الداخلي تحت عنوان “الجهاد”.

 

إن القول باستحالة تكرار سيناريو ليبيا أو سوريا في الجزائر، يحسب هروبا من الواقع، بل تقتضي الحكمة وضع الاحتمال محمل الإمكانية ثم العمل على إبداع أدوات لمواجهته و إحباطه، هنا يمكن تسجيل النجاح في الحالتين، إن وقع السيناريو وجد الجزائر مستعدة، و إن لم يقع فلا شيء خسره من وضع الاحتمال موضع الاحتمال.

 

بقي السؤال متى؟

 

لقد اعتمد الغرب في حربه الحديثة على العالم العربي، على  أنظمة بعينها عربية، و رأس حربتها لا يحتاج لذكر الحرف الأول من اسمه.

 

و لقد سجلت هنا في مقال عام 2014 معلومة مفادها، أن حلقة استهداف الجزائر كانت تلي بشكل مباشر حلقة سوريا، و أما السعودية فتكون آخر حلقات الخراب بعد استنفاذ دورها كاملا. غير أن تغييرا طرأ على خطة الغرب قضى بتقديم استهداف السعودية؛ أذكر ساعتها بعض المقالات و التعليقات حول هذه المعلومة، التي صنفتها ضربا من خيالات و أحلام الكاتب، و بشكل مفاجئ وجدت الأمة العربية نفسها في يوم 2015/03/26، أمام إعلان حرب شعواء من واشنطن، و ليس من الرياض، و على لسان وزير الخارجية السعودي، و ليس من مسؤول عسكري أو قيادي كالعاهل أو ولي عهده، و الحرب لم تكن إلا على اليمن الدولة العربية الأصيلة؛ و أذكر خلال اليومين التاليين لإعلان الحرب أنني كتبت هنا و عبرت في مداخلاتي عبر فضائيتين عربيتين، بأن هذه الانعطافة المفاجئة و الخطيرة، ليست أكثر من بداية فعلية لاستدراج السعودية نحو نهايتها. و إذا كان هذا الفخ الأمريكي يخدم مصلحة الغرب، فماذا عن المُخَطِّط السعودي؟.

 

الطرف السعودي كان في حاجة ماسة بل وجودية لتحقيق نصر واضح في الملف السوري تحديدا، و الملف الليبي بنسبة أقل، غير أن الانتكاسة الظاهرة وضعته موضع المساءلة داخليا و على مستوى الرأي العام الدولي، الذي زاد من ضغطه تصريحات أبرز القيادات الغربية و أولها باراك أوباما، فضلا عن التقارير الإعلامية التي شرعت في كشف مساوئ السلطة السعودية و مفاسدها؛ هنا ما كان من سبيل لتحويل الرأي العام الدولي (وفق منظور المخطط السعودي) غير اختلاق حرب أخرى، تَوَهّم في البداية أنه سيحقق فيها نصر ظاهرا و عزيزا، يَجبُّ به ما يتداعى من اتهامات و تساؤلات، و يصرف أنظار الرأي الداخلي إليه، و يصنع به مكانة قيادية للعالم العربي (و السُنّي كما يسوّق).

 

لكن و بعد مرور قرابة عامين من هذا العدوان، تكشفت استحالة تحقيق ذلكم النصر على اليمن، و بات الدور السعودي في وضع أكثر مساءلة و حرجا أمام الداخل و الخارج، يقابله ارتفاع سهم إيران لدى الغرب و دورها في الملفات الإقليمية، و كثير من المتغيرات حدثت، حشرت السعودية في زاوية بالغة الضيق، و هنا يطرح التساؤل: هل تسلّم القيادة السعودية بهزيمتها في كل الحروب التي دخلتها؟ ذلك لا يعني إلا انهيارا للنظام، أم أنها ستخلق حربا أخرى في بلد عربي آخر، يكون في تصورها مخرجا لصرف نظر العالم عن خيباتها؟.

 

أميل شخصيا لهذا الطرح الأخير، فبالنسبة للغرب لا يخسر شيئا إذا استهدفت الجزائر، بل من المفيد أن يجد طرفا عربيا ينوب عنه في ذلك، و قد يشجعه و يدعمه كما فعل من قبل، سواء في قضية العراق و الكويت، أو الأزمات التي فرّخها منذ 2011 إلى غاية اليوم. أما بالنسبة للسلطة السعودية فاشعال فتنة في الجزائر، قد يكون له صدى يخطف اهتمام الرأي العام إليه، و يحول الأنظار و الاهتمام بالانهيارات في الشرق الأوسط، نحو المغرب العربي الكبير.

 

علينا هنا أن نضع في الحسبان واقعا لا يمكن إنكاره، و هو تحويل ليبيا ذات أطول حدود و أخطرها مع الجزائر لدولة فاشلة، و حاضنة سريعة و كثيفة الإنتاج للعناصر المسلحة و الجماعات الإرهابية، التي ترتبط ماليا و عقائديا بأنظمة خليجية. و هي الآن تشكل قاعدة متقدمة جدا على الحدود الجزائرية، كما لا يجب إغفال تونس التي تم اختراقها على المستوى الشعبي بتلكم التيارات، و على المستوى السياسي و لأول مرة من قبل الولايات المتحدة. و أما حالة المغرب فلا تحتاج لتفصيل، و يكفي ما أصدره مجلس التعاون الخليجي منذ قرابة عام، مباشرة بعد رفض الجزائر اعتبار حزب الله منظمة إرهابية.

 

أخيرا، أعتقد – و أرجو أن أكون مخطئا- و قد عرفنا كيف تستهدف الجزائر، بأن الهزيمة النكراء في الأزمة اليمنية، و تصاعد تداعيات الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني، قد تجيب على متى ستستهدف الجزائر.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد