آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

تحديات كبيرة أمام الإخوان المسلمين

 

د. سعيد الشهابي ..

جماعة «الإخوان المسلمين»، الأقدم من بين المشاريع الهادفة لإقامة الحكم الإسلامي، تعيش ظروفا صعبة تهدد بالمزيد من التداعي في كيانها. وهذه الظروف متعددة بتعدد مواقع الحركة في البلدان التي تعمل فيها. ففي مصر تواجه مصاعب تختلف عنها في سوريا أو الأردن أو اليمن أو المغرب أو السودان. يضاف إلى ذلك ما يسود من لغط في أوساطها، سواء حول تاريخ التأسيس والنشأة، أم دورها في عالم اليوم، أم عن مدى قدرتها على استيعاب الأجيال الجديدة، أم على ظروف مشاركاتها في الحكم، ومدى نجاح تجاربها أو إخفاقها.

 

ومن الضرورة هنا التأكيد على أن الحركة محكومة بالقوانين الطبيعية والسنن الإلهية التي تحكم الكيانات السياسية والاجتماعية، سواء كانت حكومات أم حركات. وما يقال عن جماعة الإخوان، ينطبق كذلك، في مجمله، على الحركات الأخرى، خصوصا حزب الدعوة الإسلامية في العراق، الذي يواجه، هو الآخر، امتحانا شاقا بعد أن أصبح شريكا أساسيا في حكم العراق، واتهم كبار بعض رموزه بالفساد المالي والإداري. ومن المناسب جدا قراءة أوضاع الحركتين اللتين تمثلان طليعة التوجه الإسلامي النهضوي الحديث في العالم العربي، بشقيه السني والشيعي. ولكي تكون القراءة واعية فالأجدر أن لا تنطلق من مشاعر مذهبية أو طائفية لأن ذلك لا يحقق الهدف. بل المطلوب تقييم مسار أكثر من نصف قرن من الحراك الإسلامي المعاصر: ظروف التأسيس، أهدافه، معوقاته، التحديات المحلية والإقليمية والدولية التي تواجهه، واقعه، ومستقبله.

في الأسبوع الماضي أثير اللغط حول تصريحات أطلقها نائب المرشد العام للأخوان المسلمين، حول علاقة بعض عناصر الجماعة مع أجهزة الأمن المصرية، الأمر الذي أساء البعض فهمه وأحدث إرباكا في أوساط الجماعة. تلك التصريحات كانت توثيقا لمسار تاريخي للجماعة التي تعرضت للاضطهاد منذ تأسيسها قبل قرابة العقود التسعة. ومن المؤسف جدا أن تستدرج الحركة لنقاش مثل هذا في الوقت الذي تعيش فيه أسوأ أوضاعها وأشدها محنة وضغطا. وثمة أمور عديدة يجدر ذكرها هنا:

الأول أن جماعة «الإخوان المسلمين» استعصت على الانقراض، برغم ما تعرضت له من قمع في العديد من البلدان خصوصا بلد المنشأ، مصر. وآخر هذه الحملات الانقلاب العسكري على الحكم الذي ارتبط باسمها برئاسة الدكتور محمد مرسي. وهذا يؤكد قانونا أثبتته التجارب مفاده أن القمع والاضطهاد والتنكيل لا يقوض الحركات ولا يهزم الافكار، مهما كانت قسوته، وان كان قادرا على إلحاق الأذى بالمجموعات وربما تدميرها تدريجيا. لكنها سرعان ما تستعيد توازنها وتعيد تنظيم صفوفها.

الثاني: أن الحركة فقدت اغلب عناصرها التاريخية بمرور الوقت، وهو أمر طبيعي لأية حركة يمتد بها العمر. وهذا ليس المشكلة، بل الأزمة تكمن في مدى قدرتها على استيعاب عناصر جديدة في ظل قيادات أنهكها طول السير وتغيرت الظروف التي عاشتها، وأصبحت غير قادرة على استيعاب حقائق الواقع المتجددة. والواضح أنها عجزت عن تجديد قياداتها أو استيعاب مستلزمات الأجيال الجديدة التي تنتمي لزمان مختلف تماما وهموم لا ترتبط بالسياسة أو الدين أو القيم.

 

الثالث: أن الحركة، كما هي أغلب الحركات الإسلامية، استهدفت بشكل ممنهج ليس من أجهزة الحكم في بلدانها فحسب، بل من القوى الكبرى التي ترى فيها تهديدا لنفوذها خصوصا حين تبدو جادة في طرح مشروعها الحضاري. وقد رفع الإخوان شعار «الإسلام هو الحل» كثيرا، خصوصا في الحملات الانتخابية في عهد حسني مبارك. الأمر الذي ينطوي على ما يقلق مناوئي المشروع الإسلامي. يضاف إلى ذلك أن الشعار الذي يستطيع جذب الجماهير، هو نفسه الشعار الذي يستفز الأنظمة والقوى الغربية التي ترى فيه منافسا قادرا على توفير البديل. وقد لوحظ أن هذا الشعار، برغم مبدئيته وانسجامه مع إيديولوجية الجماعة، قد أبعد عن الواجهة.

 

الرابع: أن الحركات ذات الإيديولوجيا الدينية ليست محصنة من داخلها ضد تأثيرات تجارب الحكم ومقتضياته وتأثيراته وقوانينه. والإخوان وغيرهم من الحركات محكومون جميعا بالقوانين الطبيعية والسنن الإلهية، فان لم تنجح في إدارة الحكم فأنها ستسقط. الخامس: تعددت المشارب داخل التنظيم الواحد، وأصيب بتصدعات متكررة، وأصبح هناك أكثر من تنظيم باسم الإخوان في الإقليم الواحد، كما هو الحال في الجزائر والسودان وتونس. ومع أن الثقافة العامة بقيت واحدة تعود بجذورها إلى الشهيد حسن البنا الذي أسس الجماعة في 1928 واستشهد في 1949، ولكن اختلفت المواقف السياسية وتعددت التنظيمات، وحدثت انشقاقات عديدة. السادس: أن الفروع التنظيمية للإخوان لها تحالفات مختلفة. فمن بينها المبدئي الذي يؤمن بوحدة الأمة ويرفض الطائفية والتمزيق، ومنها ما يكفر الآخرين. كما أن مواقف الإخوان، كما هي مواقف التوجهات الأخرى، تتباين باختلاف الظروف، فهناك من يتمتع بعلاقات جيدة مع إيران مثلا وحلفائها، ومنها من ليس كذلك. ولدى الجماعة علاقات مع تركيا نظرا لتناغم الطرح الإيديولوجي، وقد وفرت لقياداتهم ملجأ آمنا في السنوات الأخيرة، كانوا بحاجة إليه. السابع: أن الجماعة تعرضت لاستهداف متواصل من قبل أنظمة الحكم المناوئة لها. وساهم في ذلك غياب الموقف الواضح لدى قياداتها حول أنظمة الحكم في المنطقة. فقد استهدفت بشدة خلال حكم عبد الناصر واكتظت السجون بقياداتها وكوادرها، ثم جاء السادات ليفتح صفحة جديدة معهم وليطلق الكثيرين منهم في العام 1972 في ذروة أزمته مع السوفيات. وفي الثمانينات عاش الإخوان المصريون حقبة انفراج متميزة وشاركوا في الانتخابات عدة مرات، وأنشأوا مؤسسات دينية ورعوية عديدة ساهمت في توسيع حضورهم المجتمعي. وتأرجحت علاقاتهم مع الرئيس حسني مبارك في العقدين التاليين، حتى ساءت مع نهاية التسعينات وسيقوا إلى المحاكم العسكرية. وجاء الربيع العربي ليوفر لهم فرصة العودة للحياة السياسية بشكل فاعل عن طريق صناديق الاقتراع، حتى انقلب العسكر عليهم في 2013 وأعيد فتح السجون لهم بعد أن قتل الآلاف منهم عند مسجد رابعة العدوية ومسجد.

 

الثامن: أن تجربة الإخوان لا تنحصر بمصر، بل توفرت لهم فرصة الحكم في تونس ولكنهم لم يحسنوا الاستفادة منها برغم شعور قادة حركة النهضة أنهم أكثر حظا من إخوان مصر. وقبل بضعة شهور حدثت مشادات بين قادة الإخوان خلال اجتماع عقد في تركيا، ظهر شيء منها في رسالة مفتوحة قدمها الشيخ راشد الغنوشي للمؤتمرين، مهددا بالانسحاب من الجماعة والتخلي عما يسمى مشروع «الإسلام السياسي». وكان الشيخ الغنوشي أكثر ارتباطا بالمرحوم الدكتور حسن الترابي الذي كان له، هو الآخر، تجاربه مع حكام السودان منذ نصف قرن. ولكن تلك التجربة انتهت بالطلاق مع نظام البشير الذي انقلب على حكومة الصادق المهدي المنتخبة في 1989، بدعم «الجبهة الإسلامية القومية» بزعامة الترابي. واستقبل السودان في التسعينات كوادر «النهضة» التونسية الذين فروا من بطش زين العابدين بن علي. وسرعان ما دب الخلاف بين الترابي والبشير فعاد الترابي إلى السجن مجددا.

 

يمكن القول إن «الإخوان المسلمين» اليوم يواجهون أصعب حقبة في تاريخهم لأسباب عديدة: أولها غياب قياداتهم التاريخية التي ارتبطت بمرحلة التأسيس، الأمر الذي افقد التنظيم العمق التاريخي الذي مثله أولئك الرموز مثل مصطفى مشهور (2002) ومحفوظ نحناح (2003) وحسن الترابي (2016) وحسن هويدي (2009). ثانيها: استهدافهم كرأس حربة للإسلام السياسي في العالم العربي، وتوجيه الاتهامات لهم جزافا بالتطرف والعنف، وثالثها: تكثيف الضغوط عليهم بعد فشل استئصالهم لاحتواء تأثيرهم وإشغالهم بقضاياهم الداخلية، تارة بالدعاية المضادة إلى حد «شيطنتهم» وتشويه صورتهم حتى لدى المتعاطفين معهم، وأخرى بالتهديد الأمني، وثالثة بالاختراق، رابعها: إشغالهم بالبلبلات الإعلامية وتأثر قياداتهم بالتطورات السياسية تارة وسياسات الحكومات الهادفة لتحييدهم أو احتوائهم، وجنوحهم لتحقيق مكاسب آنية على حساب المواقف المبدئية. وخامسها: محاولات استدراجهم للمشروع الطائفي لإبعادهم عن أهدافهم التغييرية وتحييد دورهم في توحيد الأمة واستعادة وعيها ونهضتها. ثمة حاجة ضاغطة لصحوة إخوانية تمنع تداعي اعرق الحركات الإسلامية المعاصرة، فذلك ليس لصالح المشروع الإسلامي.

 

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2016/10/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد