آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ناصر العبدلي
عن الكاتب :
كاتب كويتي

الكويت.. حل مجلس الأمة وأجواء الصراع السياسي

 

ناصر العبدلي ..

لم يكن متوقعا حل مجلس الأمة الكويتي وفقا للمعطيات السائدة على الساحة المحلية، لكن مرسوما أميريا صدر بهذا الإجراء طوى جدلا أستمر طوال الأسبوع الماضي ، بلغ ذروته بلقاء تلفزيوني عرض خلاله  رئيس مجلس الأمة الحالي مرزوق الغانم وجهة نظره المؤيدة لفكرة الحل  ، وقد تضمن بيان الحكومة حول الحل حزمة من المبررات التي لم تكن لتقنع أحدا .

 

المقاربات حول حل مجالس الأمة حتى قبل أن يجف حبر نتائجه في بعض الأحيان ليست بالجديدة على مشهد ترتبط محركاته إلى حد كبير بقطاع عام ضخم ( 99 % من المواطنين يعملون عند الحكومة ) ، الأمر الذي تحولت خلاله المؤسسات الدستورية إلى ” ترف ” لايعبر عن روح النصوص الدستورية التي أقرت قبل مايقارب نصف قرن .

 

الرغبة بحل مجالس الأمة ( منذ اليوم الأول لإنتخابها ) انعكاس لنظرة المواطن الكويتي لمثل تلك المؤسسات الدستورية بعد مرور كل تلك السنوات فهو لايدرك أهميتها ودورها وطالما سخر منها ، مع إستثناء مايسمى ” النخبة ” التي لازالت تحتفظ بنفس النظرة اعترافا منها بأهمية مثل تلك المؤسسات وضرورة وجودها .

 

المؤشرات تقول أن قرار الحل في هذا الوقت بالتحديد سيكون له أعباء غير  إيجابية على السلطتين التشريعية والتنفيذية  على حد سواء استنادا إلى أجواء التعاون الحالية بين الطرفين ، خاصة فيما يتعلق بالتشريع إذ أن إمكانية المحاسبة ( الرقابة وهي الوظيفة الثانية للبرلمان ) في هذا المجلس لم تكن ممكنة نظرا لطبيعة مكوناته ، والظروف المحيطة بانتخابه .

 

العبء الأول يتمثل في مايسمى معركة ” البنزين ” وهو قرار اتخذته الحكومة منفردة برفع أسعار المحروقات ، وبينها وقود السيارات بنسبة عالية تصل في بعض الأحيان إلى 35 % ، وإمكانية استخدام مثل تلك المعركة في حالة الحل من جانب بعض القوى العائدة إلى الانتخابات بعد مقاطعة مثل الحركة الدستورية الإسلامية ( الإخوان ) ، بالإضافة إلى مايسمى تجمع ” الإسطبل ” ( خليط من تجمعات برلمانية سابقة )   كجسر للوصول إلى مجلس الأمة الجديد .

 

إذا تمكنت التجمعات التي قاطعت الانتخابات بعد تعديل نظام  التصويت من أربعة أصوات إلى صوت واحد ، وبعضها نسج على يد أطراف من داخل النظام نفسه ( بعض أبناء الأسرة الحاكمة ) ، من الحصول على عدد من المقاعد البرلمانية ” المؤثرة ”، فستتحول إلى شوكة في خاصرة النظام كما حدث خلال السنوات الخمس الماضية ، وربما تعيد الأمور إلى المربع الأول في لعبة الصراع على المراكز المتقدمة في بنية السلطة ، وبالتالي سندخل في دوامة جديدة من عدم الاستقرار .

 

العبء الثاني يتعلق ببنية النظام وقدرته على الاستمرار في استخدام مثل هذا الحق الدستوري ( الحل ) ضمن أجواء الصراع السياسي ، خاصة إذا عاد ( المقاطعين ) بكثرة إلى مجلس  الأمة المقبل ، فكثرة استخدام مثل هذا الحق قد تؤدي إلى انكماش شعبي تجاه المشاركة في الانتخابات ، الأمر الذي سيكون محل إحراج كبير للنظام أمام العالم ، خاصة وأنه دائما يكرر عبارات مثل ( الكويت بلد ديمقراطي ) أو ( الكويت بلد مؤسسات ) .

 

يتزاحم على المشهد السياسي ( الانتخابي )  بعد قرار الحل ثلاثة مجاميع أو صناديق انتخابية كما تسمى على الساحة المحلية ، أبرزها  تجمع الإسطبل ( يضم عددا من أبناء الأسرة الحاكمة وله مرشحين ) ، ثم تجمع المزرعة ( يضم عددا من أبناء الأسرة وله مرشحين لكنهم أقل عددا من مرشحي الإسطبل ) ، وتجمع المسيلة ( يضم عددا من أبناء الأسرة الحاكمة وله مرشحين ومرشحات ) ، بالإضافة إلى التيارات التقليدية التي تحضر دائما أية انتخابات برلمانية مثل ( الحركة الدستورية الإسلامية ، التجمع الإسلامي السلفي ، التحالف الإسلامي الوطني ، المنبر الديمقراطي ، القبائل )  .

 

وليس بعيدا عن تلك التجمعات والتيارات التقليدية هناك تنافس ساخن جدا بين قطبي القوى التجارية التقليدية رئيس مجلس الأمة الحالي مرزوق الغانم ، وخصمه النائب السابق محمد الصقر ( على منصب رئيس مجلس الأمة ) ، وكل طرف يحاول أن يستفيد من التناقضات الموجودة على الساحة في تعزيز مركزه ومن بينها التناقضات بين التجمعات والتيارات التقليدية .

 

يبدو أن الرئيس الحالي مرزوق الغانم الأكثر ارتياحا في أجواء التنافس تلك استنادا إلى رصيده التاريخي وحجم العلاقات والتحالفات التي نسجها خلال الفترة السابقة رغم فارق السن الكبير فيما بينه وبين الصقر  فهو الأصغر سنا لكن تجربته نضجت في فترة أسرع من تجربة الصقر التي عاصرت أكثر من فصل تشريعي ، وهذا لايعني أن الصقر لايملك مقومات تؤهله لكن المعضلة الرئيسية أمامه تتمثل في غياب القبول الشعبي ، والسلطة تتجنب فرض أحد لايحظى بمثل ذلك القبول .

 

الحركة الدستورية الإسلامية ( الإخوان ) كانت ضمن قائمة المقاطعين للانتخابات البرلمانية السابقة ( اعتراضا على تخفيض عدد الأصوات الممنوحة للناخب ) ، لكنها تراجعت عن موقفها ، وقررت المشاركة في الانتخابات المقبلة ، بعدما وجدت أن المقاطعة لم تعد تجدي أو تحقق أية نتائج ، وتخوفا من أن تفقد مواقعها لقوى إسلامية أخرى ، لذا هي أكبر المستفيدين من حل مجلس الأمة الحالي ، ومن المتوقع أن تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد .

 

التجمع الإسلامي السلفي  والتحالف الإسلامي الوطني وهما تجمعان إسلاميان ( الأول سلفي كما يرد في أسمه ، والثاني تنظيم شيعي وطني ) موجودان في البرلمان الحالي ، وقد شاركا في الانتخابات اقتناعا منهما بسلامة الإجراءات الدستورية والقانونية التي صاحبت إقرار مرسوم الصوت الواحد ، قبل أن تكرس المحكمة الدستورية هذه القناعات في حكمها على ذلك المرسوم ، لكنهما يريدان كسب مقاعد أكثر في الانتخابات البرلمانية المقبلة ، من خلال دعم مرشحين في الدوائر الخمس .

 

بقى تنظيم العمل الشعبي وهو تنظيم حديث التأسيس ولايستند على إيدولوجيا محددة ، وربما تكون تلك الأخيرة هي التي أضعفت من موقفه وبنيته أيضا ، ويعتمد في وجوده على شخصيات برلمانية مخضرمة مثل رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون ، والنائب السابق مسلم البراك ( يقضي عقوبة في السجن ) ، بالإضافة إلى النواب السابقين محمد الخليفة ، ومرزوق الحبيني .

 

وقد تعثرت تجربة ذلك التنظيم وتشظت مكوناتها وقرر بعض أعضاءه المشاركة في الإنتخابات المقبلة مثل النائب السابق علي الدقباسي ، فيما استمرت بعض  عناصره في موقفها من المشاركة ، وسبق أن حدث صراع أجنحة داخله أحدهما يعود للرئيس السعدون ، فيما يعود الآخر للنائب البراك وحسم الأمر لصالح الأخير في آخر مؤتمر عام جرى تنظيمه خلال العام الماضي .

 

تحرير الإقتصاد الوطني من قبضة الحكومة بقى عائقا أمام تطور التجربة الديمقراطية ، وأضعف المؤسسات الدستورية ( الحكومة ، البرلمان ) وحولهما إلى أداتين لجني المكاسب على حساب المال العام إن لبعض النواب من أصحاب المواقف ( الملتبسة ) ، أو للمواطنين بشكل عام ، في حين كان من المفترض أن تكونا ( السلطتين التشريعية والتنفيذية ) في طليعة من يدفع بالتجربة إلى الأمام ، ولعل في انتخاب مجلس جديد فرصة لمثل هذا الطرح.

 

كاتب كويتي

رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد