التقارير

تقرير خاص: الفساد الإداري في #المملكة.. الواقع الصعب والإصلاح المنشود

 

مالك ضاهر ..

في كثير من دول العالم تقام المجالس أو اللجان الإدارية والرقابية المتخصصة بشؤون الوظيفة العامة وبكل ما يتعلق بها، بدءا من الدخول إليها وصولا إلى الخروج منها مرورا بكل تفاصيل الحياة الوظيفية المتعلقة بالتدريب والترقية والعقوبة والتحفيز بالإضافة إلى تطوير الموظف والحفاظ على نزاهته وكفاءته في آن.

 

وأحد أهم الغايات من وراء مثل هذه المجالس هو تنقية الوظيفة العامة من الفساد وعدم إغراقها بأي شكل من أشكاله، وإلا باتت الإدارات العامة مكانا تُحقق فيه المصالح الشخصية ويتم استخدام النفوذ والسلطة بغير الهدف المعد له، لذلك الوظائف لها شروط محددة لا يتأهل إليها إلا من تتوافر فيه وفي أغلب الأحيان يخضع المؤهل للوظيفة للامتحانات أو للمباريات للوقوف على مستواه الفني والعلمي ومؤهلاته الشخصية، والتأكد ما إذا كانت تسمح له بأن يحوز هذه الوظيفة أم لا، وبعد ذلك يتم التعيين وفق منظومة من الإجراءات التي تكفل الحقوق لجميع المواطنين بشكل عادل ومتساو دون أي تمييز أو تفرقة، بما يسمى مبدأ المساواة في الدخول إلى الوظيفة العامة.

 

كيف يجب استخدام السلطة؟!

السبب للتطرق لهذا الموضوع هو ما يشاع مؤخرا عن نسب مرتفعة من الفساد تسجل في إدارات المملكة السعودية بحيث تستخدم بعض هذه الإدارات وسيلة لتوظيف الأقارب أو الأصدقاء، أو يتم التوظيف بغاية تحقيق منافع مادية أو معنوية معينة، فلا يجوز لموظف كبير أن يأمر بتوظيف أحد من أقاربه أياً كانت نسبته إليه لأن هذه الإدارة والمؤسسات التابعة لها ليست ملكا خاصا تستخدم بحسب رغبات هذا الموظف أو ذاك، إنما الوظيفة يجب -أو هكذا يُفترض- أن تحكمها الأنظمة والقوانين التي تنظم الدخول إليها والخروج منها، بما يضمن حقوق المواطن أولا وتاليا يضمن المصلحة العامة وعدم تعطيل المرافق العامة بل تسييرها بشكل حسن ومنظم وفعال.

 

كما أنه في دول العالم الديمقراطية توجد أنظمة للرقابة والتفتيش التي تحاول منع وقوع مخالفات للقوانين الإدارية والوظيفية أو حصول تمادي في تجاوز القانون بما يضمن الحفاظ على دولة القانون والمؤسسات بعيدا عن أي تعديات.

 

وبالعودة إلى الواقع الموجود في المملكة هل تفعل مجالس أو لجان التفتيش والرقابة على الإدارات الرسمية أم أن الأمر يتخلله الكثير من التجاوزات والتعديات على الحقوق العامة والخاصة؟ وهل تراعى في المملكة الأساليب العلمية والقانونية في الدخول للوظيفة العامة أم تسود المحسوبيات والمحاصصة والواسطات من قبل كبار المسؤولين السياسيين والإداريين؟

 

طبيب يداوي الناس.. وهو؟!

أسئلة كثيرة إلى تحتاج إلى أجوبة واضحة وشفافة، خاصة بعد الامتعاض الذي عمَّ الشارع السعودي جراء انتشار الأنباء عن تعيين ابن وزير الخدمة المدنية خالد العرج إلى وظيفة عامة بشكل غير نظامي وبراتب كبير جدا، بالإضافة إلى انتشار الأخبار عن تعيين رئيس محكمة سعودية للعديد من أقاربه في ديوان المظالم، كما جرت مطالبات لـ"هيئة مكافحة الفساد" للمباشرة بمهامها بالتحقيق في قضية تعيينات مخالفة للقانون تمت في جامعة طيبة في المدينة المنورة، معلومات رغم أنها غير ثابتة بشكل رسمي وتحتاج إلى تحقيقات موثوقة كي نخرج إلى المواطنين بالنتائج المرضية، إلا أنها تستفز الناس لا سيما الشباب منهم خاصة أن نسب البطالة مرتفعة وبالتحديد بين أبناء الطبقة الشابة.

 

وبالتزامن مع ذلك، قال المتحدث الرسمي لهيئة مكافحة الفساد "نزاهة"(هيئة مختصة بالرقابة على الإدارات العامة في المملكة) عبد الرحمن العجلان إن "الهيئة باشرت تحقيقاتها حول ما أثير بشأن تعيين نجل أحد الوزراء بطريقة غير نظامية"، ولفت إلى أن "الهيئة ستتخذ الإجراءات القانونية وفقا لما تسفر عنه التحريات ونتائج التحقيق".

 

الاعتراف بالواقع بداية الحل

إذا فبعض المسؤولين يعترفون ولو ضمنا بوجود هذه المشكلة وبتسجيل تجاوزات قانونية هنا وهناك، إلا أن الغريب هو رفض بعض المسؤولين الاعتراف بالواقع وكأن الهدف هو الهروب من المعالجة، ما يثير الريبة أن المقصود ترك الحال على ما هو عليه لتحقيق منافع خاصة في المستقبل، والأغرب من ذلك هو خروج بعض وسائل الأعلام لتلميع صورة الواقع الإداري عبر تغييب الفساد عن تناولهم للشأن العام أو عبر الإيحاء بأن مكافحته جارية على قدم وساق بما يبشر بقرب القضاء عليه!! فهل من يتبع هذا الأسلوب هدفه المصلحة العامة أم أنه يقوم بذلك لمصالح خاصة؟ الإجابة على هذا السؤال تؤسس لسلوك الأفراد في المجتمع لأنه ليس المهم فقط تحقيق مصالحنا الخاصة إنما الأساس هو مصلحة الوطن والمواطنين مع عدم التفريط بحقوقنا التي تقررها لنا الشريعة الإسلامية والقوانين الوطنية والدولية.

 

واقع بات اليوم يحتاج إلى تدخل جهات مسؤولة سياسية وحاكمة في المملكة كي لا تبقى الحقوق رهنا برغبات فلان أو فلان، كما أن المساواة بين الناس وعدم مخالفة القانون يجب أن يسري على الجميع سواء من القيادات الإدارية أو السياسية وأقاربهم ومعارفهم، ولا يجب إتباع معايير مزدوجة في هذا المجال، فالهدف هو تأمين مصالح الناس عبر توفير فرص العمل وخفض نسب البطالة لا سيما أن كثير من العاطلين عن العمل هم من حملة الشهادات العليا، ناهيك عن تأمين الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها من احتياجات الناس، ونحن لا نقول إن المسألة في غاية السهولة والبساطة وإنما هي مهمة معقدة وصعبة وتحتاج إلى عمل دؤوب ومستمر ومتواصل ولا تحصل في لحظة واحدة وتنتهي.

 

خاصة إننا ننتظر البدء بتطبيق الرؤى الاقتصادية المستقبلية التي تهدف إلى توفير فرص العمل للمواطنين وخفض نسب البطالة والاعتماد على مبدأ النزاهة والشفافية لاطلاع الناس على كل ما يجري، وتأسيس المستقبل يحتاج إلى مكافحة الفساد الموجود كي يبنى على أسس متينة ويحقق الأهداف المرجوة لأي خطة أو رؤية.

أضيف بتاريخ :2016/11/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد