آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

المرأة المحجبة في جوهر الصراع الثقافي في الغرب

 

د. سعيد الشهابي ..

 في مسجد «فنزبري بارك» بالعاصمة البريطانية، عقدت الأسبوع الماضي ندوة عامة لمناقشة «جرائم الكراهية» قدم خلالها عدد من المتحدثين، ومن بينهم السيد جيرمي كوربين، رئيس حزب العمال المعارض، عرضا لنماذج من الجرائم الناجمة عن التمايز الثقافي أو العرقي في المجتمع البريطاني. وكان من بين المتحدثين امرأة مسلمة ترتدي الحجاب قالت إنها اضطرت لخلع النقاب بعد أن تعرضت مرارا للاعتداء الجسدي واللفظي.

 

وبررت خطوتها بأنها محاولة لإنقاذ أطفالها الذين كانوا شهودا على تلك الحوادث من تعمق مشاعر الكراهية تجاه المعتدين، ورغبتها في المساهمة بإقامة مجتمع تسوده المحبة والوئام بدلا من الشقاق والتعصب. تحدث آخرون عن تصاعد ظاهرة «معاداة السامية» ورفض الأجانب حتى لو كانوا من ذوي السحنة البيضاء من الأوروبيين. وكثيرا ما كانت المرأة المحجبة أو المنقبة هدفا للاعتداءات الناجمة عن توسع دائرة الإسلاموفوبيا. ويمكن القول إن الصراع الذي يحتدم في الدول الغربية خصوصا حول الظواهر الإسلامية يجد في المرأة المسلمة أوضح المصاديق.

 

ولا يهم أن كانت هذه المرأة ربة بيت أو ناشطة سياسية أو حقوقية، أو موظفة في السلك المدني. وهكذا يكون الزي مادة للصراع والاستهداف، الأمر الذي يثير التساؤلات حول عمق التطور الفكري والوعي المجتمعي. فالعالم الذي يسير بخطى سريعة نحو المزيد من التطور التكنولوجي خصوصا في مجالات النانو والذرة والصواريخ والفضاء والتكنولوجيا الرقمية ما يزال عاجزا عن التعاطي مع الظواهر الإيديولوجية والأخلاقية والفكرية. فالتطور المادي لم يصاحبه رقي معنوي. وهذا ما تؤكده التطورات السياسية في العالم الغربي.

 

المرأة المسلمة أصبحت المضمار الأوسع للصراع المؤسس على التعصب والجهل. ومن المؤكد أن زيها المتميز عامل أساسي في هذا الاستهداف. ويمكن ملاحظة عدد من الحقائق هنا: أولها أن حالة التعصب الديني مشتركة بين المجتمعات، وليست حصرا على أمة دون سواها. فهناك من المسلمين من يستهدف المختلفين معه بوحشية، ويبيح قتلهم بأبشع الوسائل. ويقابل ذلك ما يمارسه المحسوبون على اليمين المتطرف أو المجموعات المتشددة تجاه الأجانب، من اعتداءات جسدية واستهداف مراكز الأقليات ودور عبادتهم وتحريض متواصل ضد «المهاجرين».

 

ثانيا: إن صعود الظواهر الفكرية والدينية يتكرر في المجتمعات بشكل متزامن. فحين انطلقت ظاهرة الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي في الثمانينات، انتشرت ظاهرة الوعي الديني في الأوساط المسيحية خصوصا في أمريكا اللاتينية، وانتشرت يومها ظاهرة «لاهوت التحرير» التي عمت مناطق واسعة من تلك القارة. بل أن جانبا من النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا خاضه قسسة مسيحيون جسدوا مبدئية في المواقف والسياسات، وفي مقدمتهم الأسقف المرموق، ديزموند توتو. ثالثها: أن رجال الدين من كافة الأطراف يقومون بدور كبير في إثارة المواقف والعصبيات أو التخفيف منها. وبرغم الموقف الايجابي للكنيسة تجاه المسلمين إلا أن بعض القسسة الكبار أطلقوا في السابق تصريحات تساهم في تصعيد ظاهرة التخويف من الإسلام. كما أن بعض الإحصائيات التي تبث حول الظواهر الدينية كارتياد المساجد والكنائس تغضب المتطرفين وتدفعهم لاستهداف المسلمين الذين يعيشون في الغرب. وساهم بعض رجال الدين المسلمين في التحريض ضد أتباع الأديان الأخرى، وقد شهد العراق وسوريا استهدافا للكنائس ومرتاديها بشكل ممنهج من المجموعات المتطرفة. رابعها: أن التطرف الليبرالي يؤدي أحيانا إلى صراع فكري وعقيدي. خامسا: أن تصرفات بعض المسلمين، خصوصا المتطرفين، تبعث الخوف في نفوس الآخرين، ويشتد ذلك الخوف حين تحدث أعمال إرهابية خصوصا داخل الحدود الغربية، كما حدث في بروكسيل وباريس. وينعكس ذلك على أوضاع المسلمين. سادسا: أن الأوضاع المعيشية بشكل خاص ساهمت في صعود اليمين المتطرف الذي يستهدف الأجانب، وتبرز المرأة المسلمة المحجبة هدفا واضحا للعدوان.

 

وعلى الصعيد الآخر فهناك تفاوت في حظوظ المرأة في المجتمعات الغربية. ويلاحظ ذلك بوضوح في ما يحدث من تطورات. فعلى الجانب السلبي، أدى فوز دونالد ترامب لتصاعد أعمال العنف والاعتداء على المسلمين عموما في الولايات المتحدة خصوصا المرأة. وفي الأسبوع الماضي عين ترامب سيدتين معاديتين للإسلام ضمن فريقه الانتقالي، وسبق لكل منهما أن صرحت بما يوحي بكراهة المسلمين. كما عين الرئيس ترامب كاترين تروا ماكفارلاند، المحللة السابقة بقناة فوكس نيوز الإخبارية، كنائبة لمستشار الأمن القومي. وتعد ماكفارلاند من دعاة شن حرب على إيران، وداعمة لاستخدام وسائل التعذيب في السجون، ومؤيدة لمواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسياسة استهداف المسلمين لمراقبتهم بشكل أفضل. هذه التعيينات لا تبعث رسائل اطمئنان للجالية المسلمة في الولايات المتحدة بل تشجع ظواهر التطرف ضد المسلمين وقد تدفع للاعتداء عليهم. وفي الأسبوع الماضي كشفت دراسة أصدرها معهد العلاقات العرقية أن الحملة من أجل الخروج من التكتل الأوروبي وراء الاعتداءات العنصرية التي تشهدها بريطانيا منذ الاستفتاء على عضوية البلاد.

 

وارتفعت الاعتداءات العنصرية في الأيام التي تلت الاستفتاء في 23 حزيران/يونيو والحملة التي سبقته، وتركزت إلى حد كبير على قضايا الهجرة. وقد أحصى المجلس الوطني لمفوضي الشرطة أكثر من ثلاثة آلاف شكوى لحوادث عنصرية بين 16 و30 حزيران/يونيو. وهذا الرقم يشكل زيادة نسبتها 42 بالمئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من 2015. يضاف إلى ذلك توجه العديد من الحكومات الأوروبية لاستهداف الإسلام في محاولة لاحتواء آثاره. في الأسبوع الماضي أقر البرلمان السلوفاكي قانونا يمنع الاعتراف بالإسلام كدين رسمي في سلوفاكيا في المستقبل القريب. ووافق ثلثا أعضاء البرلمان عليه، بما فيهم الحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم وأحزاب معارضة أخرى.

 

ومن شأن القانون الجديد أن يحرم المسلمين في البلاد من الحصول على بعض المساعدات الحكومية، فضلا عن عدم الترخيص لإنشاء مدارس خاصة. وكان رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو، قد أعرب في وقت سابق عن رفضه تشكيل مجتمع إسلامي في بلاده، وقال «لا نريد لآلاف المسلمين الذين يرغبون في تحقيق مصالحهم أن يعيشوا في بلادنا». أما هولندا فقد وافق برلمانها الأسبوع الماضي على قانون يحظر النقاب في بعض الأماكن العامة، تقول الحكومة: إنه ضروري لأسباب أمنية، في حين وصفه معارضوه بأنه استرضاء لأصحاب المشاعر المعادية للإسلام.

 

هذه الإجراءات تضاف إلى ما سبقها من منع الحجاب أو النقاب في المدارس والجامعات الفرنسية ودول أخرى مثل بلجيكا. والمرأة هنا هي المستهدفة لأن حجابها يعتبر رمزا دينيا واضحا. وبعد انتشار ظاهرة النقاب اشتدت الحملة عليه، وأصبح الحجاب اقل أثارة للانتقاد والإجراءات القمعية باسم القانون. وهناك تناقض واضح لدى الغربيين الذين يروجون مقولة احترام الحرية الشخصية وحق الاختيار. ففيما يسمح بالتعري الكامل على السواحل، أثار استهداف امرأة محجبة على ساحل فرنسي قبل شهور حفيظة الكثيرين، لأنه كان اعتداء على حرية تلك المرأة التي أحاطها رجال الشرطة واجبروها على نزع حجابها. مع ذلك تناضل المرأة المحجبة في الغرب من اجل ضمان شيء من الحقوق. وقد استطاع عدد منهن الوصول إلى مراتب أدارية وسياسية عليا. ففي الانتخابات الأمريكية الأخيرة، نجحت المرأة المسلمة من أصل صومالي، إلهان عمر، بمقعد بمجلس النواب الأمريكي عندما فازت بعضوية مجلس نواب ولاية مينيسوتا. وفي الولايات المتحدة ظهرت المذيعة نور تاجوري بحجابها الساتر الأنيق على شاشة التلفزيون التجاري الأمريكي.

وفي 26 تشرين الثاني/نوفمبر فاجأت الصحافية جينيلا ماسا. ذات الـ29 عاما الجميع بظهورها على شاشة قناة «سيتي نيوز» الكندية وتقديمها نشرة الأخبار عبر أثير تورونتو الكندية. وفي بريطانيا أطلت السيدة فاطمة مانجي قبل شهور على مشاهدي القناة الرابعة وهي تذيع الأخبار الرئيسية اليومية للقناة في السابعة مساء، وسرعان ما انطلقت الاحتجاجات ضد ظهور امرأة مسلمة محجبة لتذيع الأخبار، ولكن وقف الكثيرون معها.

 

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2016/12/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد