قصة وحدث

قصة وحدث: الشهيد #زهير_آل_سعيد هدوء يتحدى الظلم

 

وردة علي ..

تواصل أزيز الرصاص منذ عدة أيام، وفي وسط النهار اخترق أصوات المحتجين على مقتل شهيد بالأمس سقط برصاص قوات الأمن، ليستقر في كبد "زُهير"..

ساعات فقط فصلت بين استشهاد الشهيد "مُنير الميداني" وبين استشهاد الشهيد "زُهير عبد الله آل سعيد"، إذ أن قوات الأمن حولت منطقة الاحتجاج "شارع الثورة" وسط القطيف إلى ساحة دماء، الدماء منتشرة على الطرقات وفي كل مكان، أكثر من خمسين شابا أصيب في يوم الخميس، الخميس الذي أطلق عليه الأهالي "الخميس الدامي"...

توزع المُصابين على عدة مستشفيات في المنطقة، ثمة سلاح استخدمته السلطات مختلف عن كل مرة، لم يكتفِ الرصاص المستخدم باختراق الأجساد بل انتشر بداخلها إلى أجزاء صغيرة مما زاد المُعاناة..

 

جمعة "ميلاد الإنسانية" حولها الرصاص إلى حزن ودم..

نهار يوم الجمعة "مولد رسول الإنسانية" والمصادف 17/3/1433هـ، 10 فبراير، 2012، خرج الشاب "زُهير" 21عاما، بهندامه المرتب والأنيق كما العادة، كان تواجده في منطقة الديرة (كربلاء) ببلدة العوامية مع عشرات المحتجين، يتقدمهم الشيخ الشهيد "نمر باقر النمر"...

كان زُهير يترقب الشهادة وينتظرها، علق أمنياته بها وكتبها مع نبضات قلبه، كلما خفق تساءل متى يكون اللقاء؟!

قبل شهادته بأقل من 24 ساعة غير صورته الشخصية في برنامج التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وأرفق صورته بكلمات خطتها الأمنيات "يا رب متى ألتحق بشهداء القطيف"..

وفي يوم الجمعة الموعود عاد إلى منزله استبدل القميص الذي يلبسه بلباس آخر، حمل كاميرته علها تكن شاهدة معه على آلة القمع والقتل.. إلا أن الرصاص مزق كبده، ليلتحق بشهداء القطيف كما كانت الأمنيات فصدقت الرؤيا والوعد وما بدلوا تبديلا.

 

زُهير الهدوء منذ الطفولة إلى الشهادة..

في حديث خاص مع صحيفة "خبير" يقول مصدر مقرب من عائلته.. "زهير عبدالله آل سعيد" وُلد 28/7/1412هـ، في بلدة العوامية بالقطيف، كان زهير الطفل القبل الأخير في العائلة لذلك حظي برعاية ودلال من أمه وأخواته خاصة، ومنذ طفولته لاحظنا إنه يحب العلم ويطرح العديد من الأسئلة، كما يعشق أن يكون متميزا.

يُتابع المصدر:  نشأ زهير بين عائلته بشخصيته الهادئة والجميلة وبفكره الطموح، كان يحب العلم ويطرح الكثير من الأسئلة و كان شغوفاً منذ صغره بقضية الإمام الحسين (ع) وقد اغترف من دروس عاشوراء  قيماً  بقيت معه حتى يوم شهادته.

هدوء يرفض حياة الذل والخنوع..

كان زُهير ودوداً، هادئاً ورحيماً، حنونا على والدته خاصة، يتجنب جرح مشاعر الآخرين، وكسر الخواطر بالقدر المستطاع... أكمل دراسته الثانوية وبدأ مباشرة بالعمل..

صفاته وسماته الشخصية..

وبحسب المصدر المقرب من عائلته، زهير شخصية محبّبة كسب قلوب من حوله بصدقه وبابتسامته وبقلبه النقي وباحترامه لمن حوله، كان صاحب شخصية متسامحة لأبعد الحدود،  لكن ومنذ طفولته "كرامته خط أحمر" لا يسمح لأحد النيل منها، بحسب تعبير المصدر.

و رغم هدوءه ..لكنه لا يحب حياة الخانعين كما يسميهم، ولا يستطيع أن يرى مظلوما ويسكت أو يرى دماء تسفك ويسكت، أو أن يرى حقاً ينتهك ويسكت، كان يعتبر السكوت تناقضاً كبيرا مع ما تعلمه في مدرسة عاشوراء الإمام الحسين (ع)، تلك المدرسة التي تعلم كل من تعلم فيها القيم والشجاعة والتضحية وبذل النفس لأجل أن تبقى قيم السماء.

 

أنشطة و هويات يمارسها.. وتطلعات مستقبيلة..

كان يُحب الرسم ويكتب الشعر أحياناً، وبعد تخرجه من الثانوية بدأ بالتصوير وعشق الكاميرا حتى أصبحت لا تفارق يديه وكانت رفيقته حتى شهادته..

وبين طموحه وتطلعاته المستقبلية كانت حياته أقصر من أن يحقق تلك التطلعات، يقول المصدر المقرب من عائلته:  أتذكر أنه قبل شهادته كان يتمنى أن يفتح أستديو تصوير، لكن أكبر تطلع لديه هو أن ينال الحرية، وقد نالها بشهادته..

 

تاريخ شهادته ومحلها والكيفية التي استشهد فيها..

يُتابع المصدر: في يوم  الجمعة الذي يوافق يوم ميلاد رسول الإنسانية، 17/3/ 1433هـ، خرجت مسيرة غاضبة في منطقة العوامية تندد بجريمة الخميس الدامي الذي استشهد فيه الشهيد "منير الميداني"، حيث بدأت المسيرة من منطقة الديرة (كربلاء) بقيادة الشهيد الشيخ النمر رضوان الله عليه، خرج ليلبي نداء تلك الدماء التي سُفكت ظلماً في الطرقات وعلى الأرصفة، وحين اقتربت المسيرة من دوار الكرامة القريب من منزله.

عاد زُهير إلى منزله بدل قميصه بقميص آخر لم يلبسه من قبل، واصطحب معه كاميرته، وحين اقترب من الدوار وقبل أن يلتحم مع المسيرة توقف خلف سيارة  التقط ست صور للمدرعات المتوقفة عند الدوار،  كما صور فيديو للمدرعات، وكانت تُسمع فيه هتافات المتظاهرين الغاضبة.

 

توقف عن التصوير والتحق بالمسيرة مرة أخرى، لكن لا أدري ماذا حصل.. لحظات فقط ..وصُوّب زهير برصاصة أصابت خاصرته، ولم يستشهد في لحظتها إنما حاولوا إسعافه  ووقف نزيف الدم، حيث استشهد وهو في طريقه للمستشفى..

يُضيف المصدر: كثيرة هي الأحداث التي مرت قبل استشهاده، ولكن في نظري وربما الأكثر أهمية هي الليلة التي سبقت شهادته "ليلة الجمعة" هي الأصعب ربما على الشهيد نفسه..

 

ففي عصر الخميس الذي رأى فيه قلب الشهيد منير الذي تمزّق بالرصاص، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان دمه يغلي، والغيرة والحميّة في قلب زهير جعلته يُعلنها صراحة  أمام عائلته بأنه سيخرج يوم الجمعة  للتظاهر، بيد أن عادته الخروج للمسيرات دون إخبار أحد.

 

لكنه في تلك اللحظة أراد أن يوصل رسالة مفادها "أن التعاطف وحده لا يكفي حين يتعلق الأمر بزهق الأرواح ظلما"، رفضت العائلة خروجه، و حاولت منعه بكل الطرق، حتى أن بعضها كان مؤلما له..

ورغم أن زهير هادئ الطباع لين الجانب، لكنه في الوقت ذاته و حين يتعلق الأمر بقيم السماء الخالدة يختلف الأمر، كان كالجبل وسط العاصفة، خرج في اليوم التالي لصلاة الجمعة، ثم توجه إلى المسيرة ماشيا، لم يستأذن أحدا يومها  سوى قلب أمه، أخبرها أنه سيخرج للمظاهرة لينتصر للدماء المهدورة ظلما، رافقته الحفظ، إلا أن الدماء التي خرج منتصرا لها امتزجت به ومعه، فعاد إلى أمه شهيداً منتصراً، ورفع رأسها عاليا بشهادته.

 

لحظات أعمق من الوصف وأشد وجعا من الألم..

لا أحد يستطيع أن يصف تلك اللحظات ..ولا أحد يستطيع استشعارها إلا من فقد حبيبا، _بهذه الكلمات يواصل المصدر حديثه_ خبر مؤلم  وصادم، وحرقة قلوبنا التي أشعلها رصاص الغدر إلى هذا اليوم  مازالت بل إلى يوم القيامة.

 

كيف لشمعة مضيئة أن تُطفئ دون ذنب أو جريمة ؟!

لكن ثمة شيء ما يواسي آلامنا منذ أول يوم من شهادته، ثمة أمنية أرادها زهير أن تتحقق فالتحق بركب الشهادة التي ذاب شوقاً للقاء.

مضى حراً كما أراد دائماً أن يكون فكان.. هو في المكان الذي أراد ...والحمد لله على هذه الكرامة التي حباه الله بها..

 

رسالة أهالي الشهداء والمقربين منهم إلى المجتمع..

ثمة رسالة يجيب أن تصل للجميع وهي المحافظة على دماء الشهداء والقيم التي لأجلها ضحوا بأرواحهم..

كان الشهيد "زُهير آل سعيد" الشهيد التاسع التي تقتله السلطات بالرصاص، على خلفية المسيرات السلمية التي طالبت ببعض الإصلاحات ومنها خروج أصحاب الرأي من كلا المذهبين، والإفراج عن المنسيين التسعة، ورفع التميز الطائفي وخروج قوات درع الجزيرة من البحرين، إلا أنه لم يكن الرقم الأخير حيث عمد الشباب المسالم في الساحات بترديد "بالموت لا أبالي.. أنا الشهيد التالي"..

فما كان للرصاص إلا أن يختارهم واحدا تلو الآخر، ليمتد نهر الدماء منذ 2011 "الشهيد ناصر المحيشي" وما زال مستمرا سيفا ورصاصا، والشاهد هو العام القادم2017م، فثمة سيوف استفتح بها الجلاد العام الحالي، ومازالت مسلطة على رقاب الأبرياء!.

أضيف بتاريخ :2016/12/16