قصة وحدث

قصة وحدث: حقيقة الدور الفرنسي في القضاء على حركة ’جهيمان العتيبي’ ١٩٧٩م

 

جثث متفرقة في مختلف الأركان والمكان، رائحة الدم والبارود تزيد من تأزم الوضع، أكثر من ١٢٦ شخصاً قُتِلَ في المسجد الحرام، بعد إصدار فتوى تبيح الاقتحام، لتُظهر عجز وفشل قوات الحرس السعودي بإنجاز المهام، ونتائج مخيبة للآمال،  فما  كان من النظام إلا استدعاء القوات الفرنسية للتدخل.

بدأت أحداث الاحتلال فجر يوم 1 محرم 1400هـ الموافق 20 نوفمبر 1979م، حين استولى 200 مسلح وبحسب مصادر أخرى تقول 500 مسلح، على الحرم المكي (أقدس بقاع العالم عند المسلمين)، في محاولة لقلب نظام الحكم في المملكة السعودية إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز،  هزت العملية العالم الإسلامي برمته، حيث الزمان فقد وقعت مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، ومن حيث  المكان فقد تسببت بسفك الدماء في باحة الحرم المكي، وأودت بحياة الكثيرين.

 

بعد إصدار فتوى تبيح اقتحام المسجد الحرام بالأسلحة برزت مشكلة أكبر، وهي فشل قوات الحرس الوطني السعودي في إنجاز المهمة، وتسببت محاولاتهم"المرتجلة"، بحسب محللين، في مقتل 127 شخصاً، دون النجاح في تحقيق الهدف، فالقوات لم تكن تتعامل مع الحادثة بتخطيط أو دراسة للعملية، وعلى الرغم من ما يدعيه البعض من تدخل CIA في إدارة العملية الفاشلة.

تم استدعاء قوات فرنسية للتدخل، ويحيط الكثير من اللغط حول تدخل هذه القوات، ويعود ذلك إلى الحجب الرسمي الذي تم فرضه على دور القوات الفرنسية في العملية، من أجل مراعاة الضوابط الشرعية التي تحرم على غير المسلمين دخول المسجد الحرام، ولأن العائلة المالكة شعرت  بالقلق على شرعيتها في العالم الإسلامي، مما أجبرها على عدم ذكر أي دور للقوات الفرنسية في التقارير الرسمية.

 

وتشير بعض الروايات غير الرسمية إلى أنه تم تحويل عناصر قوات مكافحة الإرهاب والكونامندوز الفرنسية عالية التأهيل والتدريب إلى الإسلام في حفل شكلي على يد فقهاء سعوديين كبار قبل مشاركتهم في العملية، وأشارت أنباء أخرى إلى مشاركة قوات من دول مختلفة.

وكان  "جهيمان العتيبي" وبجانبه "محمد عبد الله القحطاني"، وقف في باحة الحرم المكي ليعلن أمام المصلين خروج "المهدي"، وطلب منهم مبايعة "محمد القحطاني" باعتباره "المهدي المنتظر" الواجب اتباعه، وفي هذه الأثناء، قامت مجموعة من الرجال التابعين له " والذين تبين فيما بعد أنهم من 12 دولة مختلفة بينهم أميركيان"، باستخراج أسلحة خفيفة من توابيت أدخلت قبل الصلاة باعتبارها تحوي جثامين لموتى للصلاة عليهم في المسجد، لكنها كانت معبأة بالأسلحة والذخيرة بدل ذلك، وتمكن المسلحون من إغلاق الأبواب وسد منافذ الحرم والتحصن داخله، وتمكن عدد من المصلين الذين كانوا داخل الحرم لتأدية صلاة الفجر من الفرار أما الباقون و"يقدر عددهم بمائة ألف" بقوا في الداخل وربما اجبروا على المبايعة.

وذكرت وسائل إعلامية بأن "جهيمان" ألقى خطبة عبر مآذن الحرم أثناء الحصار، بثتها الإذاعات العربية والعالمية وكانت تحوي على الكثير من الخطب والاتهامات للأسرة الحاكمة السعودية وبعض الاعتراضات على نمط الحياة العامة للناس وكيف استشرى الفساد وكان صداها يتردد بين جبال مكة وأحياءها في أوقات متفرقة، كما تم توجيه دعوات إلى أهل مكة والقوات السعودية الخاصة التي تحاصر الحرم للتوبة والانضمام إلى المسلحين ومبايعة المهدي.

وبعد إصدار فتوى تبيح التدخل، وجدت الحكومة السعودية نفسها محرجة ومكبلة في مواجهة العملية، وبدت كما لو أنها مصابة بالشلل، وتحدث بعض المحللين بأنها تعاملت مع حادثة الحرم على أنها محاولة انقلابية تستهدف الإطاحة بالنظام السعودي بأسره، الأمر الذي خلق جواً عاماً من الريبة في كل أنحاء المملكة، وكان لا بد قبل الشروع في أي عمل عسكري من استصدار فتوى تبيح التدخل بالقوة وإدخال الأسلحة إلى داخل الحرم المكي لإنهاء الحصار، وتمكنت السلطات، حسب بعض المصادر، من الحصول "على أصوات 32  عالماً من كبار العلماء لاستخدام القوة ضد حركة "جهيمان".

وكان الإمام الخميني، قد صرّح بأن الولايات المتحدة الأمريكية تقف وراء هذه الحادثة، وقد تسببت الحادثة  بحالة من الغليان في المنطقة، حيث اقتحمت  الجموع الغاضبة مبنى السفارة الأمريكية في العاصمة الباكستانية "إسلام آباد" في اليوم التالي لبدء العملية وحطمته تماماً ثم أحرقته، بعد نحو أسبوع من ذلك اقتحمت جموع مشابهة في العاصمة الليبية "طرابلس" وأحرقت السفارة الأمريكية في 2 ديسمبر 1979م.

وتبين  بعدها بأن "جهيمان" كان عضواً سابقاً في الحرس الوطني السعودي، وأن بعض عناصر الحرس انضموا إلى حركة "جهيمان"، وكان لذلك وقع شديد على العائلة الحاكمة باعتبار أن ضباط الحرس الوطني، على خلاف الجيش السعودي النظامي، هم نخبة يتم اختيارها من الطبقات العليا في المجتمع السعودي التي من المفترض أن ولائها مضمون، وقد تم تأسيسه باعتباره الجيش الخاص بولي العهد السعودي، ليكون صمام الأمان ضد أي انقلاب يمكن لقادة الجيش العادي أن يقوموا به ضد الأسرة المالكة.

 

ولضمان الولاء الدائم فقد تم انتقاء عناصر هذا الحرس الوطني من القبائل التي عرف عنها ولاؤها التقليدي للعائلة، وعلى إثر ذلك إضافة إلى الأداء غير المقنع لقوات الحرس الوطني السعودي أثناء الأزمة، تقرر إنشاء قوات الحرس السعودي الخاص.

أضيف بتاريخ :2015/11/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد