آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
جيمس زغبي
عن الكاتب :
أكاديمي أمريكي من أصل لبناني و مؤسس و مدير المعهد العربي الأمريكي. كان يقدم البرنامج الأسبوعي فيوبوينت الذي بثه تلفزيون أبوظبي.

نصيحة إلى إدارة ترامب: لا تلعبوا ب‍ـ«نار» القدس!

 

د. جيمس زغبي ..

خلال أيام قلائل، سنعرف ما إذا كان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سينفذ تعهداته بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس أم لا. ومع اقتراب موعد تتويج الرئيس، تسابق المحللون الليبراليون والمحافظون، على حد سواء، في عرض الأفكار بشأن التصرف المحتمل من ترامب، وقد ركز معظم هؤلاء المحللين على المخاوف الإسرائيلية، متجاهلين الهموم الفلسطينية خصوصاً، والعربية والإسلامية عموماً.

 

فمن ناحية، هناك اقتراحات من المتطرفين الذين ينصحون ترامب بالمضي قدماً وتنفيذ ما وعد به، فهم يدفعون بأنه بذلك يسترضي جمهور ناخبيه، ويكسب احترام العالم لكونه زعيماً قوياً وحازماً.

 

وهم يرفضون النظر إلى آراء الفلسطينيين والعرب والمسلمين، مستندين إلى الافتراض الزائف بأن هناك تراجعاً في العالم العربي بالاهتمام بالقضية الفلسطينية، أو أنهم يقدمون طرحاً عنصرياً مفاده أن العرب لا يحترمون سوى القوي، وأنهم سيقبلون في النهاية بالخطوة الأميركية.

 

وفي الجانب الآخر، هناك عدد من الاقتراحات «الذكية» التي تفترض التحايل في المسألة بشكل يخدع كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين، احد هذه الاقتراحات يقضي بأن يسكن السفير الأميركي ويعمل في القدس بينما تبقى السفارة رسمياً في تل أبيب، ويقضي اقتراح آخر بنقل السفارة وفي الوقت ذاته فتح مكتب ارتباط في رام الله مع التعهد بفتح سفارة في القدس الشرقية في حال قيام الدولة الفلسطينية.

 

لعب بالنار

 

ولكن يجب إلا تخدع هذه الاقتراحات أحدا، ولن يكتب النجاح لأي منها. وأما من يعتقدون أن العرب والمسلمين سوف يرضخون، فأنهم يلعبون بالنار. صحيح أن المنطقة العربية تعاني الانقسامات والاضطرابات، ولكن اللعب في موضوع القدس سيؤدي إلى ردة فعل موحدة من العرب والمسلمين، وسوف تشهد المنطقة اضطرابات ومطالب بالرد. وإذا فشلت الحكومات بالتحرك، فإن ذلك سيعطي إيران والمجموعات السنّية المتشددة الفرصة لتشويه صورة هذه الحكومات والعمل على المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

 

صحيح أن فلسطين غابت عن قائمة اهتمامات العرب والمسلمين لبعض الوقت، ولكنها تظل تمثل «الجرح المفتوح في القلوب الذي لم يندمل».

ان انتهاك حرمة القدس واندلاع الاضطرابات في الأراضي المحتلة من شأنهما فتح الجرح الذي يذكّر العرب بضعفهم وعجزهم عن حماية تاريخهم أمام خذلان الغرب. أن تجاهل هذه الحساسية ستكون له عواقب غير محمودة.

 

وينطبق ذلك على الاقتراحات «الذكية»، فهي لن تخدع أحداً، كما أن المتطرفين الإسرائيليين لن يقبلوا بالتحايل وكذلك العرب، فالدرس إذن هو «لا تلعبوا بالنار إن لم تكونوا مستعدين للاحتراق»، ولا مجال للعب في موضوع القدس.

 

مسألة معقدة

 

مشكلة مناقشة موضوع القدس في الولايات المتحدة انه لا يُنظر إليها إلا بالمنظور الإسرائيلي – اليهودي، فالزعم اليهودي بأحقيتهم في المدينة استناداً إلى رواية تاريخية يمثل الإطار المقبول للأميركيين. فقد نقلت الصحافة الأميركية عقب قرار مجلس الأمن الأخير ضد الاستيطان، الغضب الإسرائيلي من أن القرار معاد للسامية، على أساس أنه يعتبر القدس منطقة محتلة وليس «العاصمة الأبدية لإسرائيل». وقد كررت الصحافة وأعضاء الكونغرس هذه المزاعم من دون أن يجدوا من يفند مثل هذه المزاعم.

 

أما بالنسبة للفلسطينيين والعرب، فإن مسألة القدس معقدة، فهي مدينة مقدسة وثالث أقدس الأماكن الإسلامية، وفيها كنيسة القيامة.

ولكنها أيضا موطن مئات الآلاف من الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال ويعانون الخنق الاقتصادي ويحرمون من حقوق الإنسان الأساسية.

وما تطلق عليه إسرائيل «القدس الشرقية» هو في الواقع أراض تمتد في عمق الضفة الغربية، وتشمل محاصرة 22 قرية فلسطينية صودرت أراضيها لبناء المستوطنات اليهودية عليها.

 

عواقب وخيمة

 

وبالإضافة إلى ذلك، من المهم التذكير بأن القدس تشكل قلب الضفة الغربية، ففيها كل المؤسسات الكبرى التي تقدم التعليم والصحة والفعاليات الثقافية والخدمات الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني بأكمله. وحين عزلت إسرائيل المدينة المقدسة عن بقية الضفة الغربية وقامت ببناء الجدار الفاصل، كانت عواقب ذلك وخيمة على الفلسطينيين، لا سيما أولئك الذين يعيشون خارج الجدار لأنهم فقدوا قدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية والوظائف. وكذلك، انقطع الفلسطينيون داخل الجدار عن محيطهم وأصبحت ظروفهم مزرية.

 

ولأن الفلسطينيين شاهدوا بأعينهم كيف تعاملت إسرائيل مع بيت لحم والخليل، فهم يخشون أن يكون مصير القدس مشابها، أي قبضة حديدية لقوات الاحتلال ومصادرة الأراضي وإقامة «الحقائق على الأرض» وفرض السلطة الكاملة عليها وتغيير المدينة كليا.

 

ونتيجة لذلك، يجد الفلسطينيون أنفسهم على حافة الهاوية، ونقل السفارة أو مجرد التلويح بذلك يدفعهم إلى الحافة أكثر فأكثر، الأمر الذي ينذر بإشعال المنطقة بأسرها. وعليه، فإن نصيحتي للإدارة الأميركية الجديدة هي أن تنسى وعودها وتتجاهل اقتراحات المتذاكين، وإلا تلعب في موضوع القدس.

 

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2017/01/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد