آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

طفح السيل والكيل يا أمير مكة

 

طراد بن سعيد العمري

طفحت سيول جدة واختلط الماء بالكهرباء بالصرف الصحي في تمازج عجيب وحادثة هي الثالثة من نوعها في أقل من عقد. تكرار حادثة السيول هو بكل تأكيد ضياع الأمانة، وفشل الإدارة، وقلة المعرفة، بكل معنى الكلمة. طفح الكيل، أيضاً، عند سكان مدينة جدة ومنطقة مكة المكرمة، ومعهم بقية سكان المملكة وهم ينظرون ويرقبون شوارع جدة تتحول بحيرات وأحياءها إلى جزر معزولة. والجميع اليوم ينتظر بفارغ الصبر، ردة فعل الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة. هل سينتفض سموه بما عرف عنه من حزم إداري بمحاسبة ومعاقبة كل من شارك في مشاريع تصريف السيول التي بدأت منذ العام ٢٠٠٩م؟ هل سيتم إعفاء مسئولي الأمانة وعلى رأسهم الأمين الذين فشلوا بشكل متكرر لا يقبل معه التبرير؟ هل سيتم وضع الاستشاريين والشركات المنفذة في القائمة السوداء؟ هل ستكون التحقيقات شفافة وتعلن نتائجها على العامة؟

 

إن أقل ما يمكن فعله وبشكل عاجل إكراماً لسكان جدة هو إعفاء طاقم المسئولين في الأمانة، ليس لأنهم المسئولين مباشرة عن غرق جدة للمرة الثالثة، بل لأن سكان جدة ليسوا مسئولين من قريب أو بعيد عن تبريرات ستحملها التحقيقات تُظهر براءة الجميع من المسئولية المباشرة، وبالتالي ستحول القضية ضد مجهول. هكذا تتكرر الحوادث وتغرق الإدارات والمشاريع الحكومية في الفساد. ولأن ثقافتنا السائدة لا تشمل على “الاستقالة” الشجاعة من مسئول حكومي، كما أن نظامنا القانوني لا يشتمل على العقاب بسبب المسئولية الأخلاقية، فإن حكمة وحزم الأمير خالد الفيصل ومستشار الملك وأمير منطقة مكة المكرمة مطلوبة لكي يتم إعفاء عدد كبير من طاقم الأمانة والبلديات بسبب المسئولية الأخلاقية، حتى قبل أن تظهر نتائج التحقيق في المسئولية الإدارية.

 

ما تم ترديده بأن مشاريع السدود وتحويل مجرى السيول خارج جدة قد خفف حجم الكارثة، لا يكفي لتبرير الهدر في الجهد والوقت والمال منذ العام ٢٠٠٩م، فالعبرة بالنتائج كما يقال. طفح السيل وشاهد الجميع شوارع جدة وقد تحولت إلى بحيرات متصلة مجسدة السخرية والإستهجان لدى المجتمع السعودي بأكمله. فالمواطن البسيط لا تهمه الأمور الفنية أو البيروقراطية الحكومية في من هي الإدارة المسئولة، وعن ماذا وكيف، بل في النتيجة المباشرة وخصوصاً في حوادث جسيمة أو كوارث أليمة. كما أن الأعذار الواهية حول كمية سقوط الأمطار في الدقيقة أو الساعة ليست إلا وسيلة للتملص والتخلص من المسئولية وقلة المعرفة. ولذا، فالأمل معقود على أمير المنطقة لكي ينصف سكان جدة بمجموعة من الإعفاءات إبتداءاً، ثم يليها معاقبة من يظهر التحقيق مسئوليته وتقاعسه وفشله.

 

رب قائل يقول أو كاتب يكتب بأن أمراء المناطق منزوعي الصلاحية في استبدال أو إعفاء مسئولي بعض الإدارات الحكومية الذين يتبعون لوزارات ووزراء في الحكومة المركزية، وهذا صحيح مع الأسف، لكن حوادث كثيرة وكبيرة مثل غرق جدة للمرة الثالثة، ووجود أمير معروف بحزمه وحنكته الإدارية، ومستشار، أيضاً، للملك، يزيد من أعباء ومسئوليات الأمير خالد الفيصل، ليس الإدارية فحسب، بل والأخلاقية في أن يكون الرد مناسباً وسريعاً وحازماً تجاه الإدارات الحكومية وشركات القطاع الخاص التي شاركت في دراسة وتنفيذ المشاريع، تماماً مثل ردة الفعل في حادثة الرافعة قبل أشهر. ماعدا ذلك سيكثر القال والقيل وتمسي مصداقية الحكومة والمسئولين في الأمارة هي المتضررة.

 

إذا كان سمو أمير مكة المكرمة يعني ما يقول في أن مكاننا هو “العالم الأول”، ونحن نعلم أنه يعنيها ويطمح إلى العلياء لهذه الدولة وهذا الشعب، فليظهر لنا سموه كيفية تصرف العالم الأول عند حدوث كارثة أو فضيحة أو جريمة كالتي حدثت في جدة. إذا كان المثل يقول “المرء حيث يضع نفسه”، فنحن نقول بتصرف “المسئول حيث يضع شعبه ومواطنيه”. ماحدث سيتكرر في جدة وغير جدة من مدن المملكة، ورب ضارة نافعة، وردة الفعل الرسمية القوية الصلبة ستمنع من تكرار ماحدث في جدة وغير جدة، هكذا هو العالم الأول، أو هكذا يمكن لنا أن ننطلق في مشوارنا للعالم الأول.

 

نحن على ثقة بأن التحقيقات قد بدأت، لكننا على ثقة أيضاً بأنه من الصعوبة بمكان تحميل شخص مسئول أو جهة إدارية بعينها المسئولية المباشرة بسبب تشابك العلاقة بين الإدارات الحكومية، وقدرة وخبرة المسئولين فيها على التنصل من أي خطأ إداري، لكننا نقول بأنه بالإضافة إلى المسئولية الإدارية، هناك ما يعرف في “العالم الأول” بالمسئولية الأخلاقية وهي مربط خيلنا في هذا المقال. أمانة محافظة جدة مسئولة أخلاقياً عن غرق جدة للمرة الثالثة، ولذا فإن إعفاء مسئولي الأمانة ونقل بعضهم واستبدالهم هو أقل ما يمكن عمله كردة فعل عاجلة وسريعة في ظروف كهذه، ريثما تنتهي التحقيقات.

 

أخيراً، لقد أفلت أمين جدة السابق من حادثة سيول ٢٠٠٩م وتهرب من المسئولية الأخلاقية وارتقى سلم المناصب، بحجة انتفاء المسئولية الإدارية، التي عادة ما تضيع بين الاتهامات والاتهامات المضادة وفي ثنايا الخطابات الرسمية التي تصاغ بعناية للتأكد من الإفلات من أي مسائلة. ماهي النتيجة؟ تكرر الفشل وتكررت الحادثة. واليوم يعيد السيل نفسه في مشهد محزن لكي يبلغنا رسالة هامة مفادها: الأمانة، الأمانة، الأمانة. ختاماً، نتمنى السلامة لكافة سكان جدة وبقية مناطق المملكة، وندعوا الله العلي القدير أن يوفق ولاة الأمر على اتخاذ القرارات العاجلة بتخليص جدة وسكانها من طفح السيل والكيل. حفظ الله الوطن.

 

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2015/11/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد