آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله بن ربيعان
عن الكاتب :
كاتب سعودي متخصص بالشؤون الاقتصادية

وعود ترامب تصطدم بعوامل الاقتصاد


عبدالله بن ربيعان ..

 يدلف اليوم عبر بوابة البيت الأبيض الرئيس الخامس والأربعين لأميركا دونالد ترامب ليتسلم مهام عمله كرئيس لأربع سنوات تبدأ من اليوم وربما زادت إلى ثماني سنوات لو انتخب لولاية ثانية وأخيرة.

لا شك في أن دخول ترامب المكتب البيضاوي لا يشبه دخول أي رئيس آخر، فالرجل يسبقه حضور عاصف وانقسام بين مؤيد لما اقترحه ووعد به ومعارض لما يقوله وما صرح ويصرح به قبل تسلمه إدارة أكبر اقتصاد في العالم بدءاً بالساعات الأولى لهذا الصباح.

وعلى رغم الخلاف على ما قاله ويقوله ترامب، إلا أنه وبحكم منصبه الجديد سيكون أكثر شخص مؤثر على مستوى الاقتصاد العالمي منذ الساعات الباكرة ليوم الجمعة هذا، وربما صادف دخوله البيت الأبيض تحركاً واضطراباً في بورصات العالم التي تنتظر حدثاً كهذا لتتجاوب سريعاً بالارتفاع أو الانخفاض.

ترامب الذي لم يتسلم أي منصب رسمي في الحكومة من قبل كانت تصريحاته غريبة قبل فوزه وبعد فوزه، وكان فوزه بالانتخابات بحد ذاته مثار دهشة للسياسيين والمحللين وأسواق المال، إذ كانت التكهنات كلها تميل لمصلحة منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، إلا أن ما توقعه الجميع لم يحصل.

اقتصادياً، يُعتقد أن البليونير الجديد في المكتب البيضاوي سيتراجع عن كثير من الوعود التي أطلقها قبل انتصاره وبعده، وعلى رغم أن الرئيس الجمهوري الجديد يتسلم اليوم اقتصاداً تدب العافية والحيوية في مفاصله، وهو ما يعطيه قوة إضافية لتنفيذ بعض ما وعد به سابقاً، إلا أن الشكوك تدور حول مقدرته على تنفيذ وعوده لأسباب منها:

أولاً: الرئيس الجديد وعد بزيادة الإنفاق الحكومي بما يصل إلى ثلاثة في المئة من حجم الناتج المحلي الأميركي، وفي الوقت ذاته تعهد بخفض الضرائب على الشركات ودخل المواطن الأميركي، وهو ما يبعث على التساؤل من أين سيمول ترامب إذن الإنفاق الكبير الذي وعد به؟

ثانياً وهو مرتبط بما قبله: السقف المحدد للدين الأميركي هو 18.4 تريليون دولار، لكن الدين العام فعلياً يتجاوز هذا الرقم ويسجل اليوم 19.9 تريليون دولار، وهو ما يعني أن ترامب يستطيع خفض الضرائب على الشركات والمداخيل لكنه لن يكون قادراً على الحفز والإنفاق المالي الذي وعد به في ظل مديونية ضخمة وكبيرة.
ثالثاً: اتهم ترامب الصين بالتلاعب بالعملة ووعد بسياسة حمائية ضد صادراتها لأميركا، وهو الشيء ذاته الذي قاله عن المنتجات الأوروبية، إذ وعد بفرض ضريبة على صادراتها إلى بلاده (ومنها شركة «بي أم دبليو» الألمانية التي تصنع سيارات في المكسيك)، لكن إذا عرفنا أن ثلثي واردات أميركا هي سلع غير نهائية تتطلب مزيداً من القيمة المضافة من العمال الأميركيين في الداخل، فما الذي سيحدث لهذه الأعمال إذا فرضت تعرفات ضريبية وجزائية مرتفعة على هذه الواردات؟ بالتأكيد سيؤثر الأمر في شكل مباشر على الإنتاج الأميركي ما يؤدي إلى فقد أميركيين أعمالهم.

رابعاً: على رغم أن ترامب قادر نظرياً على تنفيذ بعض وعوده بسبب سيطرة الجمهوريين الموالين له على مقاعد الكونغرس، إلا أن سياسة الحمائية ليست مقبولة لدى كثر من أعضاء الكونغرس، وعلى رغم أن ادعاءه أن التجارة الحرة تسببت في تدمير الوظائف الأميركية مقبول جزئياً إلا أنه ليس صحيحاً على إطلاقه، فالبيانات تؤكد أن المواطن والاقتصاد الأميركيين انتفعا في شكل كبير من الحصول على سلع وخدمات رخيصة وتدفقات رأسمالية بأضعاف ما فقداه من فرص وظيفية (أولاً إلى رابعاً من تقرير لـ «بنك سامبا» عن الاقتصاد العالمي، كانون الأول - ديسمبر 2016).

خامساً، وصف ترامب برنامج «أوباماكير» للتأمينات الصحية بالكارثة وتعهد بإلغائه، إلا أن حديثه عمومي يناقض ما يراه كثر من أن البرنامج هو أحد البرامج الناجحة والكبيرة التي تُحسب لإدارة الرئيس باراك أوباما، كما أن ترامب لم يفصح عن برنامج بديل متفق عليه، ولذا فسيجد صعوبة في إلغاء البرنامج، وربما لن يتمكن إلا من تعديل بعض بنوده فقط.

ختاماً، كما أن ترامب شخصية مثيرة على المستوى السياسي، فكـــذلك فإن وعوده وتعهداته مثيرة كذلك على المستوى الاقتصادي، فما تعهد به في مجال الاقتصاد يصطدم مع كثير من المنافع الاقتصادية الظاهرة والخفية التي يجنيها المواطن الأميركي جراء الانفـــتاح الاقتصادي، كما أن الحمائية بالتحديد سلوك لن يكـــون مقبولاً من أميركا التي تسيطر على العالم وتغزوه بمنتجاتها المختلفة، ولو عاملته الدول الأخرى بالمثل فستكون خسائر اقتصاد بلاده مضاعفة، وهو ما سيحد بالتأكيد من قدرته على تنفيذ كثير من التعهدات والوعود التي أطلقها سابقاً، وإن غداً لناظره قريب.
 

  أكاديمي متخصص بالاقتصاد والمالية

صحيفة الحياة

أضيف بتاريخ :2017/01/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد