آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا يربككم حكم ترامب؟ ألا يذّكرنا بسلوك بعض حكامنا؟

 

عبد الباري عطوان ..

اليوم تتجسد أمام العالم بأسره لحظة الحقيقة، ونجد أنفسنا مضطرين للتعايش مع رئيس أمريكي جديد، لا أحد يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يفعله ببلاده، وأكثر من مئتي دولة، هي مجموع أعضاء الأمم المتحدة.

 

القلق هو القاسم المشترك الذي يسيطر على الجميع تقريبا، والاستثناء هو القلة العنصرية التي تحمست للرجل، وحملته على أكتافها عبر صناديق الاقتراع إلى البيت الأبيض، معتقدة انه سيكون بطل التغيير، وسيهزم المؤسسة الحاكمة، ويعيد العظمة إلى الولايات المتحدة.

 

رجل طاردته الفضائح والتحرشات الجنسية، لأنه سعى إليها، في سنوات حياة انشغل فيها بالصفقات التجارية، وتكديس المليارات، ولم يتصور أنه في أي يوم من الأيام سيصبح رئيسا للدولة الأعظم في العالم، فهو الوحيد بين 44 رئيسا أمريكيا سبقوه، لم يخدم في الجيش الأمريكي، ولم يتول أي منصب حكومي، وعاش بين أحضان جميلاته في أبراجه العاجية الفخمة، متنقلا بطائرته “البوينغ” العملاقة بين العواصم العالمية بحثا عن المزيد من الثراء والجميلات معا.

 

ألا يذكرنا ترامب ببعض زعمائنا وشيوخنا العرب؟ ألا يبدو واحدا منا في سلوكه ووعوده وتناقضاته، فلماذا نكن له، أو معظمنا، كل هذه الكراهية؟

***

من يكرهه ليس الفقراء والمعدمين والمهمشين العرب، وإنما الحكام الأثرياء الذين يتوعدهم بدفع الجزية، وثمن حمايتهم بأثر رجعي، ومقاضاتهم أمام المحاكم الأمريكية بتهم التورط في الإرهاب، وتقديم الدعم المباشر أو غير المباشر، لمهاجمي برج التجارة الأمريكي في الحادي عشر من سبتمبر 2001، هؤلاء الذين أوصلونا وشعوبهم إلى الحالة المزرية التي تعيشها المنطقة، وبددوا ثرواتها في حروب عبثية ولدوافع انتقامية شخصية.

 

الرجل لا يكن أي حب لنا كعرب ومسلمين لا جدال في ذلك، ويتعهد بإغلاق أبواب بلاده في وجه المهاجرين المسلمين، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة لإرضاء أصهاره من اليهود والإسرائيليين، ولكن هل يشرفنا الحب من رجل مثله؟ وهل نستحقه من غيره، في ظل حاضرنا المخجل، وأوضاعنا المؤسفة، حيث تحولنا إلى أدوات في يد غيرنا لقتل مئات الآلاف من أبناء جلدتنا وتدمير أوطاننا، ووضعها على مائدة التفتيت والتقسيم؟

 

نلوم ترامب، ونصرخ من آلام عنصريته، ونحتج على إغلاق أبواب بلاده في وجه مهاجرينا وأبناء عقيدتنا، هل قدمنا نحن، أو بالأحرى، حكوماتنا الثرية المتخمة النموذج الأفضل، وفتحت أبوابها أمام أشقائنا السوريين الأحدث على درب النكبة؟ وهل قدم معظمها لهم غير المليارات من أجل تمزيق بلدانهم وإغراقها في هذه الفوضى الدموية التي نراها تتجسد أمام أعيننا؟

***

لا أحد يعرف ماذا سيفعل ترامب عندما يتربع على مقعده في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، ونتحدى أن يقول لنا العرّافون وضاربوا الرمل كيف ستكون سنواته الأربع، وهل سيكملها؟ وهل سيعيش حتى نهايتها؟ أم سيواجه العزل مثل نيكسون أو الاغتيال مثل جون كيندي؟

 

ثلث أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين سيقاطعون حفل التنصيب، ومعهم رهط من الفنانين والحقوقيين والنخبة المثقفة، وسيتظاهر ما يقرب المليون أمام البيت الأبيض احتجاجا، لكن السيدة هيلاري كلينتون التي نافسته على الزعامة ستكون في المقاعد الأولى جنبا إلى جنب مع رؤساء سابقين سينضم إليهم باراك أوباما بعد دقائق من خطاب العرش، أمثال بيل كلينتون، جورج بوش الابن، وجيمي كارتر.. إنها التقاليد الأمريكية الرسمية، ولكن ما قد يحدث في غرف المؤسسة الحاكمة المغلقة شيء آخر إذا ما حاول الرئيس الجديد الخروج عن نصوص سياساتها.

 

لم يخف ترامب المرشح الرئاسي، إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي بادله الإعجاب نفسه، وإذا صحت الرواية الأمريكية التي تقول بأن المخابرات الروسية (كي جي بي) هي التي سربت الرسائل البريدية الالكترونية للمرشحة كلينتون، ولعبت هذه التسريبات دورا كبيرا في هزيمتها، فإن الرئيس الروسي يستحق هذا الإعجاب من قبل صديقه الجديد.. إنها صفقة سياسية من رجل “أدمن” الصفقات التجارية.

 

إذا كان أصدقاء ترامب بين الزعماء قلة، فإن أعداءه كثيرون جدا، ينتشرون في مختلف أنحاء العالم، فقد شكك في قيمة الاتحاد الأوروبي، وسخر من حلف الناتو، وتحدى الصين، وكانت أول مكالمة هاتفية أجراها بعد فوزه مع زعيم جزيرة تايوان، ولمحّ إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا، وتعهد ببناء سور المكسيك العظيم على الحدود الأمريكية، وتوعد بترحيل 11 مليون لاجيء غير شرعي معظمهم من أمريكا اللاتينية، وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، أي أنه نجح في استعداء العرب والإيرانيين معا، فهل هناك عبقرية سياسية أفضل من ذلك؟

***

ترامب يظل تاجرا، ويرى كل شيء من منظور الربح والخسارة، والصفقات هذه هي سنة حياته.. والمال ثم المال ثم المال هو عقيدته التي ستحكم تصرفاته وسياساته وعلاقاته.. ولذلك لن نستغرب أن يحوّل البيت الأبيض إلى مكتب عقاري.. في زمن هذا الرجل لا شيء مستبعد.

 

لن نفاجيء مطلقا إذا كان أول قرار يتخذه ترامب، وهو الرجل المتخصص في العقار والبناء، أن يكون نقل السفارة الأمريكية إلى قطعة الأرض المحجوزة باسمها في القدس المحتلة، ولماذا لا.. هل سيخاف العرب أو المسلمين وردة فعلهم.. وماذا فعلوا أساسا عندما اُحتلت القدس والأراضي الفلسطينية برمتها، أو عندما حرقوا المسجد الأقصى، ناهيك عن احتلاله، وتقويض أساساته بحثا عن الهيكل المزعوم، فهل ستحركون عواصف حزمكم وطائرات حلفكم العسكري الإسلامي لمنع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة؟ أو إغلاق السفارات الأمريكية في بلدانكم على الأقل.

 

ترامب له حسنة واحدة ورئيسية من وجهة نظرنا، تتلخص في أنه سيزيل ما تبقى من أقنعة على وجوه معظم حكامنا العرب، ويكشف الوجه الحقيقي لأمريكا، وهذا أمر جيد سيحسب له من قبل الملايين من العرب، وربما شعوب العالم، ونحن من بينهم.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/01/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد