آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

الرياض قادرة على تحييد عبثية ترامب

 

د. سعيد الشهابي ..

سيظل الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، لغزا محيرا للكثيرين، سواء بسبب الطريقة التي وصل بها إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بدون أن يخدم في أي منصب حكومي متقدم، أم بسبب خطابه الذي يخلو من الدبلوماسية أو اللباقة، أم أجندته التي ليس لها هوية أو اتجاه واضحان.

 

ومن الصعب التنبؤ بسياساته في الشرق الأوسط خصوصا منطقة الخليج. وقد بادرت المملكة العربية السعودية لاستباق الأمور بمحاولات مد الجسور مع إدارته منذ أن اتضح أنه سيفوز بالمنصب. مع ذلك فليس معلوما ما إذا كانت سياساته تجاهها ستتغير عما كانت عليه في العقود الأخيرة. ومن الأرجح أن تستمر سياسات واشنطن تجاه دول مجلس التعاون محكومة بالمصالح والاعتبارات الإستراتيجية لأسباب عديدة:

أولها أن المؤسسة الحاكمة في أمريكا لها ثقلها في توجيه السياسات الخارجية على وجه الخصوص، وكذلك الصداقات والتحالفات. وما تزال هذه المؤسسة تعتبر منطقة الخليج دائرة نفوذ طالما منعت الاتحاد السوفياتي من الوصول إليها خلال الحرب الباردة. ثانيا: أن بريطانيا ستضغط على واشنطن لعدم تغيير سياساتها تجاه السعودية، خصوصا أن بريطانيا تستعد للعودة إلى المنطقة بعد تقلص الحضور الأمريكي واتجاه واشنطن نحو بحر الصين والمحيط الهادئ. كما أن الأوضاع الاقتصادية الأمريكية والبريطانية تفرض عوامل إضافية لإعادة تقويم علاقات واشنطن ولندن مع دول مجلس التعاون خصوصا السعودية. فالديون الأمريكية تبلغ حوالي 20 تريليون دولار، بينما تجاوزت الديون البريطانية 1200 مليار جنيه إسترليني. وهذه الديون تتصاعد تدريجيا.

 

وفي المستوى المنظور ستبقى دول مجلس التعاون مصدرا للمال الذي تحتاجه أمريكا وبريطانيا. ثالثا: أن قانون «جاستا» أصبح سوطا مسلطا على المملكة العربية السعودية، ومن المتوقع أن تستخدمه إدارة ترامب للابتزاز أو للحصول على أموال تفوق التصور.

فإذا أصرت واشنطن على تفعيله فستطالب السعودية ليس بتعويض القتلى الـ 3000 فحسب بل لدفع كافة التكاليف التي نجمت عن ذلك بما فيها الحرب على العراق. وفي الوقت الذي يسعى ترامب فيه لبلورة أجندة سياسية كبرى مقلقة للكثيرين، فأن إعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة خصوصا في ظل التطبيع مع «إسرائيل» أصبح عاملا ضاغطا على التحالف الجديد الروسي الإيراني السوري. وثمة عامل آخر يخفف هذا الضغط يتمثل بما يبدو من علاقة جيدة بين ترامب وبوتين، وانعكاسات ذلك على السياسة الخارجية الأمريكية.

 

 السعودية تسعى لتحقيق أمور ثلاثة على صعيد تلك السياسة: أولها ضمان استمرار الالتزام الأمريكي بأمن النظام السعودي، وثانيها: إعادة الاهتمام الأمريكي بالقضية السورية وتوجيهها لتشمل إسقاط نظام بشار الأسد، والثالثة وقف أي تقارب بين أمريكا وإيران. ولذلك ما أن صرح وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، منتقدا السياسة الاستيطانية للإسرائيليين حتى تصدت له رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بالنقد.

 

ثمة أبعاد مترابطة لاستشراف السياسة الأمريكية تجاه السعودية والشرق الأوسط. أولها القرار الأمريكي في السنوات الأخيرة بنقل ثقلها العسكري إلى جنوب شرق آسيا لمواجهة النفوذ الصيني الذي يزداد توسعا. ثانيها: عودة بريطانيا إلى المنطقة وزيادة دعمها لدول مجلس التعاون، وتعميق هذا الحضور من خلال بناء قواعد عسكرية بالإضافة للقاعدة البحرية التي افتتحت قبل شهرين في البحرين.

 

ثالثها: هذا الدور البريطاني الذي صرح به وزير الخارجية البريطاني السابق، فيليب هاموند، قبل عامين، يحتاج لتوافق مع أمريكا ودعم سياسي مؤسس على صداقات مع دول مجلس التعاون. وكان هاموند قد قال في العام 2014: نظرا لقرار نقل الاهتمام الأمريكي بمنطقة جنوب آسيا والمحيط الهادئ يتعين على بريطانيا وحلفائها القيام بدور اكبر في الشرق الأوسط والخليج». ثالثها: إن السياسات السعودية في السنوات الأخيرة أصبحت أكثر نشاطا، خصوصا بعد أن أصبح عادل الجبير وزيرا للخارجية بعد وفاة الأمير سعود الفيصل.

 من الدول التي تساير السعودية في سياساتها. كما استطاعت السعودية توسيع دائرة التحالف المشارك في الحرب على اليمن. بل أن السعودية حظيت بدعم الولايات المتحدة وبريطانيا في تلك الحرب وترفضان وقف إمدادها بالأسلحة المستخدمة برغم تعالي الأصوات المطالبة بذلك.

 

 رابعها: أن دخول الروس على خط الاستقطاب السياسي في المنطقة أضفى على قضايا المنطقة وتوازناتها السياسية والعسكرية بعدا دوليا. وهذا التدويل يمنع أمريكا من الانفكاك تماما عن المنطقة. خامسها: إن من العوامل التي تزيد الوضع تعقيدا من وجهة نظر الإدارة الأمريكية الوضع السوري.

 

ماذا يعني ذلك في الإطار السعودي؟ بعد بضع سنوات من التغير الذي طرأ على الوضع السعودي الداخلي بصعود الملك سلمان ونجله محمد (ولي ولي العهد) أصبحت السياسة السعودية أكثر جرأة على الصعيدين الداخلي والخارجي. ووصل الاضطراب إلى أوساط العائلة المالكة التي شهدت في العقود السابقة انتقالا سهلا للسلطة من الملك إلى ولي عهده.

 

 هذه المرة تشير المعلومات لاحتمال تنصيب محمد بن سلمان ملكا بدلا من ولي العهد الرسمي، محمد بن نايف. وبموازاة ذلك تضغط قضايا المرأة وحقوقها على نظام الحكم بسبب الدعاية الخارجية واهتمام المنظمات الحقوقية الدولية بهذا القضية. وتكرر اعتقال النساء اللاتي تمردن على قرارات منع السياقة وقوانين الولاية والسفر بدون محرم وسواها. وبرغم التفاعل الغربي مع هذه القضايا إلا أنها لم تصل مستوى الضغط الحقيقي على نظام الحكم ليتفاعل معها عمليا. مع ذلك وفي غياب أي مشروع للإصلاح السياسي فمن الأرجح تفاقم المصاعب التي تواجهها المملكة.

 

وعلى صعيد المحيط تبرز العلاقات السعودية المصرية إلى الواجهة نظرا لتعقيداتها وتباين وجوهها. ويسعى الطرفان لتجاوز الأزمة التي تتفاقم على مستويات عدة. فعلى الصعيد السياسي يبدو موقف مصر إزاء الأزمة السورية أقرب إلى الموقف الإيراني الذي يصر على بقاء الأسد مع استهداف المجموعات المسلحة. وكان للموقف السعودي بوقف إمداد مصر بالحصة النفطية المتفق عليها ليتحول إلى موقف شعبي سلبي تجاه المملكة. ثم جاءت قضية جزيرتي صنافير وتيران، لتعمق الشرخ في العلاقات. وبعد أن قضت المحكمة العليا المصرية بأن الجزيرتين أرض مصرية، أصبح تنازل السيسي عنهما صعبا جدا. وهنا لا يمكن التقليل من شأن الرأي العام المصري وأثره على السياسات الخارجية للدولة.

 

 وتبقى الحرب على اليمن جرحا نازفا فشلت كافة الجهود في السيطرة عليه. وفي الأسابيع الأخيرة اتخذت الرياض مبادرة عسكرية متميزة، وذلك بالسعي لمحاصرة قوات التحالف اليمني (أنصار الله والمؤتمر الشعبي) ففتحت جبهات جديدة على المدن والسواحل الغربية وفي الشرق بالقرب من حضرموت وفي الشمال لتكثيف الضغط على مدينة صعدة. أمام ذلك الإصرار السعودي على حسم الحرب في اليمن ثمة تلكؤ في المبادرات السياسية التي يقودها المبعوث الأممي، ابن الشيخ، للتوصل إلى مخرج سياسي من الأزمة التي تعسف بالمنطقة.

 

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/01/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد