آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هاني الفردان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي بحريني

مخاوف حقيقية من هروب رؤوس الأموال

 

هاني الفردان

الجدل الذي دار بين وزير الصناعة والتجارة والسياحة، زايد الزياني، ورجل الأعمال يوسف المشعل، بعد فتح المجال لطرح الأسئلة عقب الكلمة الافتتاحية لمنتدى خليج البحرين «الشرق الأوسط: الأمن الإقليمي وفرص العمل» مساء السبت (28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، كشف عن قلق حقيقي ينتاب رجال الأعمال في البحرين بعد سلسلة إجراءات أثارت مخاوف وقلق التجار.

تلك المخاوف ليست جديدة طرحت علناً من قبل غرفة تجارة وصناعة البحرين في بيان رسمي، إذ ذكرت الغرفة أن الحكومة رفعت الرسوم المفروضة على بعض القطاعات شملت إعادة تخطيط المناطق الصناعية وتطبيق فئات الإيجار، إذ تتراوح نسب الزيادة بين الـ 100 في المئة إلى 650 في المئة ورفع رسوم التسجيل العقاري من 1 في المئة إلى 3 في المئة، ورفع الرسوم الصحية على أصحاب الأعمال لجميع العمال البحرينيين والأجانب المحددة بـ 72 ديناراً سنوياً عن كل عامل غير بحريني 22.5 ديناراً سنوياً كما تم رفع رسوم الخدمات الفندقية بنسبة 100 في المئة.

كما تنوي الحكومة رفع أسعار الخدمات على الكهرباء والوقود كما شكلت لجنة حكومية لرفع رسوم على الخدمات الحكومية المجانية أو شبه المجانية، في ظل هبوط أسعار النفط الذي قلص إيرادات الحكومة نحو 60 في المئة.

كان سؤال المشعل صريحاً وواضحاً لوزير التجارة: ماذا أنتم فاعلون مع الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعصف بالبحرين، والتي اضطر رجال أعمال نقل أموالهم خارج البحرين، في حين أن الحكومة تعتمد على النفط بنسبة تقدر بـ 90 في المئة؟

سؤال منطقي، ففي ظل كل الضغوط التي تحيط بالبحرين من كل جانب، سواء كانت سياسية أو اقتصادية وحتى اجتماعية، فإن رأس المال وكما هو معروف عنه جبان، وسيهرب عندما يشتد الخناق عليه كثيراً ومن كل مكان.

بصراحة، جواب الوزير لم يعجبني كثيراً، عندما قال «(...) لماذا يتخلى رجال الأعمال عن البحرين عبر إخراج رؤوس الأموال خارجها، ومن يخرج أمواله لا يستحق الدعم الحكومي وعليه التخلي عن هويته البحرينية، ولابد من تضافر الجهود في كل القطاعات والابتعاد عن الاختلافات».

 

من وجهة نظري كان من المفترض تهيئة «روح المسئولية» لدى القطاع الخاص أولاً لتقبل «الإصلاحات الجديدة» والتي هي حاجة ملحة وضرورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تغرق السفينة ويهبط سعر برميل النفط أكثر فأكثر وتتوقف الكثير من المشاريع.

شركات كثيرة محلية وأجنبية عاشت على نعيم الطفرات النفطية، غاز مدعوم، لحوم مدعومة، كهرباء مدعومة، حتى أن بعضها لم يدفع مستحقاته المتأخرة، وفي قبال ذلك هناك شركات كانت تأخذ من المال العام، ولم تعطِ شيئاً حتى الآن.

الواقع مر، وهذه حقيقة، فأسعار النفط تتهاوى تدريجياً، ولا يلوح في الأفق بعد أي بارقة أمل نحو تحسن الأسعار، حتى وصل سعر برميل النفط البحريني الخام إلى 36 دولاراً، وهو ما يعني توقف الكثير من المشاريع، حتى تمويل صندوق الأجيال توقف لهبوط السعر دون الـ40 دولاراً للبرميل الواحد.

مع ذلك الواقع المر، فإن أي «إصلاحات» وتغيير في سياسات كانت موجودة لعقود لا يمكن أن تفرض دفعة واحدة، فهي بذلك تخلق صدمة، تكون ردة الفعل فيها مؤلمة عادة، ومن بينها هروب رؤوس الأموال، وعدم التقبل ومواجهتها بشتى الطرق.

أي إصلاح سياسي أو اقتصادي يحتاج لـ «التدرج» في تطبيقه، فلذلك وجهت الغرفة (وهي جهة معروفة بقربها الشديد من الحكومة انتقادات «لاذعة» للقرارات الحكومية المتوالية المتعلقة برفع الرسوم في عدد من قطاعات الأعمال.

الصورة تتغير بسرعة كبيرة، والحديث عن لجوء دول خليجية للصناديق السيادية لسحب مئات المليارات للاستمرار في مستوى الإنفاق نفسه أصبح واقعاً لتغطية عجوزات مالية لحقت بها، كما أن ما هو سائد في المفهوم العام من أن دول الخليج «دول رفاهية» سيكون مختلفاً مع سياسات التقشف ورفع الدعم والتوجه نحو فرض الضرائب فضلاً عن سياسات الاقتراض لتغطية العجوزات، وهو ما يؤكد أننا في البحرين خصوصاً (منذ فترة طويلة) وفي دول الخليج (حديثاً) قد دخلنا فعلياً مرحلة نهاية «المال السهل» التي لن تعود مجدداً، والتي ستفرض وضعاً اقتصادياً مختلفاً، لا يقوم على مفهوم «دول الرفاهية»، ليس فقط على المواطنين والمقيمين بل حتى على الشركات والمؤسسات التي كانت تحظى بمعاملات خاصة واستثناءات ومميزات لا تقدم إلا في بلدنا، ولذلك فإن المخاوف من هروب رؤوس الأموال حقيقية يجب الانتباه لها قبل فوات الأوان.


صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2015/11/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد