آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد أحمد الحساني
عن الكاتب :
كاتب صحفي في جريدة عكاظ

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم!

 

محمد أحمد الحساني ..
قال أحد الفلاسفة وهو يعني ما يقول: «تكلم حتى أراك»! وخاض الناس من بعده في معاني عباراته، فالسطحيون الذين لم يفهموا عبارته أو فهموها على ظاهرها تساءلوا قائلين: كيف لا يُرى الرجل إلا إذا تكلم وهو أمامه، وحتى لو كان القائل أعمى فإنه لن يرى المتكلم بل يسمع صوته فقط لا غير، وقال العارفون بالمعاني، إن العبارة تعني أن الرؤية البصرية المجردة للإنسان لا تجعله مرئياً بوضوح إلا إذا تكلم فيرى من خلال كلامه مستواه الفكري والعلمي فيصبح كمن رآه السامع حقاً على نحو واضح، أما إن ظل صاحبه صامتاً فإنه يرى أمامه كتلة من اللحم والشحم والعظم مغطاة بالثياب ولكنه لا يدرك حقيقة تلك الكتلة إلا إذا تكلم صاحبها، وقد عبر الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى عن المعنى نفسه في قوله: (ومهما ترى من صامتٍ لك معجبٍ زيادته أو نقصه في التكلم.. لسـان الفتى نصف ونصف لسانه فلم يبق إلا صورة اللحم والدم) وعلى المستوى الشعبي في بلادنا يوجد تعبير لطيف يوجه لمن يتكلم فيفاجأ من يستمع إليه بأنه يلقى الكلام على عواهنه، فيقال له ولأمثاله: يا زينك ساكت. وسمعت شيخاً في الحارة يروي طرفة يقول إنها حصلت في حارتهم قبل عقود، وهو أنه كان لأحد سكان الحي ابن وسيم، هادئ الطبع، لا يسمع له صوت في أي مجلس، بل يظل فيه مستمعاً وحتى إذا سئل فإنه يكتفي بالتبسم دون أن يرد على أي سؤال، فقيل لوالده: لماذا لا تسمح لولدك بالمشاركة في الأحاديث مع الجلوس، فرد عليهم قائلاً: من الأفضل لي ولكم أن يظل صامتاً فألحوا عليه بأن يسمح له بالحديث حتى لا يصاب بعقدة نفسية فسمح له بذلك، وعندها نظر الشاب إلى سقف المجلس، وقال: كيف لو يطيح علينا السقف؟ فذعر بعض من في المجلس من قوله، فعلق والده على الموقف بقوله: ألم أقل لكم إن صمته أفضل؟ وفي الحياة الاجتماعية وما تضمه من مجالس ومناسبات تسمع بالمعيدي فتتمنى رؤيته، فإذا اجتمعت به في حفل أو لقاء أو مجلس ودار نقاش حول أمر معين من أمور الحياة والناس، فقد تفاجأ به سفيهاً في رأيه، غير مؤدبٍ في حديثه، عصبياً في مزاجه، يحاول فرض ما يؤمن به بالصياح والصوت العالي، فتهتف عندها بالمثل العربي القديم: سماعك بالمعيدي خير من أن تراه.

وقد تدخل على موظف إداري أو مالي فترى مكتبه الفخم وغرفته الواسعة وطاولة الاجتماعات والأبهة التي هو فيها فتقول في نفسك: هذا هو الرجل الذي تقضى على يده للناس حاجات، ولكنك تفاجأ بعد عرض ما عندك عليه أنه أجوف، بعيد عن جو العمل، مسلوب الصلاحيات، بليد، ليس بينه وبين المكتب والكراسي والأجهزة التي حوله أي فرق، وكل ما يجيده هو الدخول إلى مكتبه «بالمشلح» والخروج منه بالمشلح ومناداة السائق: افتح باب السيارة ولسكرتيره خذ الشنطة!، فيظن من يراه أنه ملأها بالمعاملات للاطلاع عليها وإنهائها في منزله حرصاً على الوقت وقضاءً لحاجات المراجعين ولكن الشنطة لو فتحت لوجد فيها من فتحها العجب العجاب!!

صحيفة عكاظ

أضيف بتاريخ :2017/03/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد