آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

الثعلب أردوغان وخنجر الناتو ضدّ روسيا وإيران...!


محمد صادق الحسيني ..

مخطئ من ظنّ يوماً أنّ للثعلب ديناً…!

إنّ تزامن تصريحات المسؤولين الأتراك، حول انتهاء ما يطلقون عليه عملية «درع الفرات»، أو بالأحرى عملية احتلال جزء من الأرض السورية، في مثلث جرابلس / الباب / اعزاز / مع انعقاد وانفضاض قمة الأموات في البحر الميت لا يدع مجالاً للشك أنّ هناك ترابطاً وثيقاً بين هذين الحدثين اللذين سيكون لهما ما يترتب على حدوثهما لاحقاً. خاصة أنهما جاءا بِنَاء على أمر عمليات صادر من سيد البيت الأبيض إلى جميع أذنابه في «الشرق الأوسط» بمن فيهم «دولة» الغارات الجوية الفاشلة، أي الكيان الصهيوني…

أما ما يدفعنا إلى إجراء هذا الربط وهذه المقاربة فهي الأسباب التالية:

أولاً: زيارة مدير المخابرات المركزية الأميركية، «سي أي آي» إلى أنقرة والتي أبلغ خلالها المسؤولين الأتراك بالتوجهات الأميركية الجديدة والمتعلقة بأزمات المنطقة وعلى رأسها الأزمتين السورية والعراقية. تلك الزيارة التي حصلت في 8/2/2017، والتي كانت أول زيارة خارجية لمايك بومبيو الذي كان قد عيّن في منصبه الجديد للتوّ، أيّ انه وضع القيادة التركية كاملة، السياسية والأمنية والعسكرية، في أجواء ضرورة الاستعداد لتولي مهمات جديدة سيكلفهم بها سيد البيت الأبيض قريباً.

ثانياً: إنّ أمر العمليات الأميركي التنفيذي، المتعلق برسم الدور التركي الجديد في الشمال السوري وشمال غرب العراق، قد قام بتسليمه الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس الأركان العامة المشتركة للجيوش الأميركية، وذلك خلال زيارته لأنقرة في 17/2/2017.

وقد نص هذا الأمر على إجراء تعديل جوهري على الدور التركي في الشمال السوري وبشكل يجعله الدور التركي جزءاً من الخطة الأميركية الرامية إلى إطالة أمد الحرب في كلّ من سورية والعراق بهدف إضعاف الدولتين، وبالتالي إضعاف حلف المقاومة واستنزاف طاقات وقدرات الحليف الإيراني من خلال ذلك.

ثالثاً: أيّ أنّ ما أعلن عنه، من قبل المسؤولين الأتراك، عن انتهاء عملية درع الفرات ليس سوى إعلان عن الدور الجديد الذي أنيط بتركيا وبجيشها، جيش الناتو كما هو معروف. بحيث يتمثل هذا الدور في تولي عملية فرض الحصار من الجهة الغربية، أيّ من جهة ريف إدلب الشرقي، على مدينة حلب في المرحلة المقبلة من الحرب، وذلك إلى جانب الحصار الذي تخطط الولايات المتحدة الأميركية لفرضه على مدينة حلب من الجبهة الشرقية للمدينة، من جهة أرياف الرقة والطبقة.

رابعاً: وهذا يعني من الناحية المنطقية أنّ تركيا قد كلفت بإعادة تنظيم فصائل المسلحين الإرهابيين في شمال غرب سورية بطريقة تؤدي إلى إقامة قوة عسكرية مسلحة في مواجهة الجيش السوري يصل تعدادها إلى ثمانين ألف مسلح تجري إدارتهم وتشغيلهم بواسطة غرفة عمليات تركية خاصة بتشغيلهم يكون مركزها مدينة عنتاب السورية المحتلة، وذلك إلى جانب التشكيلات العسكرية الكردية التي يقوم بتشغيلها السيد الأميركي مباشرة في شمال وشمال شرق سورية والتي يصل تعدادها حالياً إلى ما يقارب الستين ألف مسلح والذين يواصل الطرف الأميركي ضخّ السلاح الثقيل لهم حالياً من أجل تأهيلهم لمواجهة الجيش السوري في المستقبل، أيّ بعد الانتهاء من موضوع الرقة.

خامساً: وبذلك يكون السيد الأميركي قد أسند الى عبده الثعلب التركي أردوغان، مهمة المشاركة في تشكيل الجناح الشمالي لحلف الناتو الشرق أوسطي الجديد، بحيث يكون الدور الذي أعطي لأردوغان أكبر بكثير من دور المشاركة بعملية الرقة. إذ أنّ «الخليفة» الأميركي، دونالد ترامب قد عيّنه والياً على منطقة أرياف حلب الشمالية والشمالية الغربية، بالإضافة إلى أرياف إدلب الشرقية وإلى جانب الدور الذي سيسند لقواته في بعشيقة بعد إنجاز معركة الموصل، بحيث تقوم هذه القوات ومعها مرتزقة «الدفاع الوطني» التابعة لأسامة النجيفي بالاشتباك مع قوات الحشد الشعبي لمنعها من استكمال مهماتها العسكرية الرامية إلى السيطرة على الحدود العراقية السورية من تلعفر وحتى القائم.

إذن نحن الآن بصدد تشكل الجناح الشمالي للحلف العسكري الأميركي المعادي لشعوب المنطقة، والذي يضمّ كلاً من تركيا والتنظيمات المسلحة في أرياف حلب وإدلب بالإضافة إلى التشكيلات الكردية في شمال شرق سورية وكيان السيد مسعود برزاني الانفصالي في شمال العراق. هذا الجناح الذي يعتبر ليس تهديداً لسورية والعراق وإيران فقط، وإنما لروسيا أيضاً، وذلك من خلال إقامة هذا الشريط الكردي الممتدّ من غرب الفرات وحتى شمال غرب إيران القريب من الحدود الروسية.

بمعنى أنّ تلك الرقعة الجغرافية ستصبح واقعة تحت السيطرة الأمنية والسياسية الأميركية بحيث تكون واقعياً جزءاً من عمليات التطويق الأميركي الاستراتيجي لروسيا. وهذا ما دفع روسيا بإقامة رأس جسر لوجستي في عفرين الكردية، تمهيداً لتعزيز نفوذها هناك ومنعاً للأكراد ومن ورائهم مشغّلهم الأميركي من الوصول إلى شاطئ البحر المتوسط في شمال غرب سورية.

سادساً: علماً أنّ مخططات تشكيل هذا الحلف قد بدأت قبل صدور أمر العمليات الأميركي إلى المستخدم التركي في تشكيل الجناح الشمالي للحلف العسكري الأميركي الجديد في الشرق الأوسط وبحجة مواجهة التوسع الإيراني.

إذ أنّ الخطوات العملية لذلك قد بدأت بزيارة الملك الأردني إلى واشنطن ومقابلته السريعة لدونالد ترامب، كأول مسؤول أجنبي يقابله الرئيس الجديد. تلك الزيارة التي وضعت خلالها الخطوط العريضة لما يجب على «الدول العربية السنية، ومن بينها إسرائيل طبعاً» حسب التصنيف الأميركي القيام به من أجل تشكيل الجناح الجنوبي لهذا الحلف بما يضمن تطويق القلب السوري المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة الوطنية السورية من الغرب والجنوب إلى الجنوب الشرقي محافظة السويداء مروراً بالبادية السورية وصولاً إلى منطقة التنف، وامتداداً إلى منطقة اليعربية والبوكمال من خلال ما يسمّى جيش سورية الجديد ، مضافاً إلى ذلك زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن وتركيز مباحثاته حول «ضرورة بذل الجهود المشتركة لمنع تمدّد إيران في الدول العربية السنية».

سابعاً: وقد شكلت مخرجات القمة الأخيرة في البحر الميت في الأردن بمثابة صافرة الانطلاق للبدء في إجراءات تنفيذ أمر العمليات الأميركي المشار إليه أعلاه.

وقد كانت أولى بشائر الإجراءات التنفيذية لمقررات القمة، «في مواجهة التمدّد الإيراني»، الاجتماع الذي عقده ملك الأردن يوم الخميس 30/3/2017 مع الجنرال ريموند توماس قائد العمليات الخاصة في القيادة المركزية للجيوش الأميركية والذي تبعه اجتماع الجنرال الأميركي مع رئيس أركان الجيش الأردني، الفريق الركن محمود فريحات.

هذه الاجتماعات التي تمّ خلالها استعراض آليات التنفيذ التي سيتمّ عرضها على الرئيس الأميركي خلال لقاء ملك الأردن معه يوم الخامس من الشهر الحالي في واشنطن. خاصة أنّ الجنرال الأميركي لم يناقش مع الطرف الأردني القيام بعمليات خاصة لإنقاذ كنيسة المهد أو كنيسة القيامة والمسجد الأقصى وحماية المواطنين الفلسطينيين من بطش قوات الاحتلال وجرائمه اليومية مثلاً، بل العمل على منع جبهة المقاومة من الاستمرار في بناء ومراكمة القدرات القتالية سواء في جنوب لبنان، من خلال مواصلة التسلّح، او في تخوم الجولان السوري المحتلّ.

ولكن حسابات الحقل ليست كحسابات البيدر، إذ أنّ حسابات البيدر هي الحسابات الحقيقية، والتي هي دائماً حصيلة تراكم جهود الفاعلين والذين هم في هذه الحالة جنود الجيش السوري ومقاتلو جبهة المقاومة بالإضافة إلى الجهد العسكري الروسي الرديف، والذي كان له بالغ الأثر في تحقيق الانتصارات المتلاحقة وذات التأثير العميق في مجريات العدوان الحاصل ضدّ الدولة السورية والذي لا شك سينتهي بهزيمة مدوية للمشاريع الصهيو ـ أميركية في إنشاء حلف «ناتو أعرابي» في مواجهة إيران، تماماً كما هزمت المشاريع نفسها في إقامة حلف بغداد في أواسط خمسينيات القرن الماضي والذي كان، في حينه، معادياً للدول المقاومة للاستعمار وعلى رأسها مصر عبد الناصر وسورية قلب العروبة النابض.

لكن من حق جماهير أمتنا المقاومة علينا أن تعرف بعد كلّ الذي تقدّم، بأنّ من سيحدّد مستقبل سورية ومستقبل هذه الأمة الشامخة هم رجال الله في الميدان وإنّ غداً لناظره لقريب…!

ومن نافل القول أن نؤكد على أننا ورغم كلّ تحشداتهم وتآمرهم لازلنا نحن أسياد هذا الميدان منذ أن جعلناهم يتجرّعون كؤوس السمّ على بوابات الشام وتخوم بغداد وأسوار غزة وسواحل هرمز وباب المندب في أكثر من جولة…!

وإنهم من شدة غيظهم قرّروا الاجتماع في البحر الميت ليشربوا منه ليزدادوا هلاكاً على هلاك…!

فيما نحن لا زلنا نقولها وبملء الفم:

بعدنا طيّبين قولوا الله…

جريدة البناء

أضيف بتاريخ :2017/04/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد