آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
جيمس زغبي
عن الكاتب :
أكاديمي أمريكي من أصل لبناني و مؤسس و مدير المعهد العربي الأمريكي. كان يقدم البرنامج الأسبوعي فيوبوينت الذي بثه تلفزيون أبوظبي.

حوادث القتل والكراهية

 

جيمس زغبي

مثلما يبقى كثير من الأسئلة من دون إجابة بشأن سيد فاروق وزوجته تشفين مالك، اللذين قتلا 14 شخصاً في حفلة عمل بسان بيرناردينو في ولاية كاليفورنيا، هناك أيضاً أسئلة كثيرة تبدو إجاباتها واضحة وضوح الشمس بصورة مفجعة.

ففي المقام الأول، قتل 14 بريئاً، وأصيب 17 آخرون، وقد أصابت الصدمة القاسية حياة مئات من أفراد الأسر والأصدقاء بسبب هذه الجريمة النكراء. وبالطبع، سيظل حجم الرعب يؤرق أولئك الذين حُرموا من أحبائهم ورفقة آبائهم وأمهاتهم وشقيقاتهم وأشقائهم وأزواجهم وزوجاتهم، أو حتى أصدقائهم الأعزاء الذين سلبوا منهم بقية حياتهم.

بيد أن صدمة أعمال القتل هذه ترددت أصداؤها إلى خارج «جنوب كاليفورنيا»، حيث تابعت أميركا بأسرها هذا الكابوس وقت حدوثه، وعلى رغم أن كثيرين ممن تسمّروا أمام أجهزة التلفزيون ربما لم يكن لهم أي سابق معرفة بالضحايا، ولكنهم شعروا بمرارة الألم والتجربة والفقدان وانعدام الأمن الذي صاحب عشوائية الجريمة المقترفة.

وقد أصاب الرئيس باراك أوباما كبد الحقيقة عندما علق على تكرار اضطرارنا لتحمل أعباء هذه الأعمال المروعة، وحقيقة أننا لا يمكننا السماح ببساطة أن تصبح حوادث القتل الجماعي «شيئاً معتاداً» تتسم به حياتنا اليومية. ومثلما أشرت في بداية مقالي السابق بعد حادث «شارلستون»، يقع في اليوم الواحد أكثر من حادث إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة، وفي كثير من الأحيان يرتكب هذه الأعمال المروعة أفراد مضطربون عقلياً يمكنهم الحصول على أسلحة قاتلة دون تمييز. وتكون بعض الجرائم بدافع الغضب وبعضها بقصد سياسي. وفي الحالة الأخيرة، سواء أكان في كنيسة بجنوب كاليفورنيا، أو في عيادة بكولواردو، أو في حفلة عمل بكاليفورنيا، سُجل كثير جداً من المواقف التي تصرّف فيها أشخاص مخبولون، مدججون بأسلحة متطورة، بناء على خيالاتهم الأيديولوجية لينهوا حياة أشخاص عاديين قُدّر لهم أن يكونوا في الزمان والمكان الخاطئين.

وسواء أكان الدافع أوهام «سمو البيض»، أو تكمن في محتوى تسجيل فيديو يشجع على بيع أعضاء الأجنّة، أو تحريفات لتعاليم الدين، فإن هذه الجرائم متماثلة، والضحايا متشابهون، ونعاني جميعاً من الصدمة وفقدان الأمن كما في كل مرة.

وثمة اختلاف واحد مهم، وهو أنه عندما يكون الجاني مسلماً، تنتشر أخبار الجريمة لتحدث أضراراً في أنحاء البلاد بأسرها. وبعد حادث «شارلستون»، كانت هناك جهود لإزالة علم الكونفدرالية من مبنى مجلس شيوخ في الولاية، ولكن الجنوبيين البيض، الذين زعموا أن العلم هو ميراثهم لم يتم اتهامهم بارتكاب جرائم كراهية. وبعد الهجوم على عيادة تنظيم الأسرة، لم يواجه النشطاء المناهضون للإجهاض ومنظماتهم موجة من التهديدات بالقتل، ولم تتعرض مقراتهم للتخريب.

ولكن بعد حادث «سان بيرنانردينو»، اضطر مسلمون أميركيون أبرياء مرة أخرى إلى تحمل المضايقة والكراهية. وتعرضت المساجد مجدداً للتخريب، لأن فاروق ومالك ارتكبا أعمالاً مروعة، ومن ثم واجه مسلمون أبرياء كثيراً من جرائم الكراهية المفزعة.

وقد أصابت تداعيات ذلك مقر عملي بشكل خاص، فواحدة من الشابات، تعمل في مكتبي جاءت إلى العمل معتمرة «قلنسوة» لأن والدتها خشيت عليها من أن تغادر المنزل بحجابها. وتلقت شقيقة امرأة أخرى في مكتبي تهديدات بالقتل بعد أن خرجت من مدرستها الثانوية. وأبدى الزملاء في العمل تضامناً معهن، ولكن أصابتهم الحيرة والصدمة من ذلك التعصب.


وتهديدات القتل والكراهية ليست غريبة عليَّ، ولذا أتفهم ما يتعرضن له. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هدد ثلاثة أشخاص حياتي، وبلغ بأحدهم الحد إلى التهديد بقتل أبنائي. وتلقت ابنتي، التي كانت قد التحقت لتوها بالجامعة، تهديداً بالقتل في اتصال هاتفي أثناء تواجدها بالجامعة. وأتذكر أن أكثر ما ضايقني أثناء تلك الفترة المخيفة أنني كنت مثل بقية المواطنين الأميركيين، غاضباً من أولئك القتلة الذين استغلوا ضيافة بلدي لقتل المواطنين. ولكن ما فعلته جرائم الكراهية بي هو أنها منعتني وأسرتي من المواساة ومشاركة الشعور بالأسى مثل الأميركيين، لأننا كنا مجبرين على الحذر خشية أن يصيبنا أولئك الذين يسيئون توجيه الكراهية، وأن يتم استهدافنا.

ولكن من حسن الحظ، أن القصة لم تنته عند ذلك، إذ قدمت لنا الشرطة الحماية، وقبض مكتب التحقيقات الفيدرالي على الجناة ووجهوا لهم الاتهامات وأدانوهم. وكانت هناك حالات لا تحصى من التعاطف أظهرها أفراد نعرفهم وآخرون لا نعرفهم، ممن اتصلوا أو كتبوا أو عرضوا تقديم المساندة.



رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
 الاتحاد الإمارتية

أضيف بتاريخ :2015/12/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد