آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

سورية في ذكرى سقوط العراق


قاسم حسين ..

يتغير الرؤساء، ويتناوب الديمقراطيون والجمهوريون على الحكم، لكن يبقى كل منهم يمثل بسياساته خطراً محدقاً على دول وشعوب هذه المنطقة.

وتزداد الخطورة حين يتخذ قرار الحرب ضد بلد عربي أو إسلامي كالعراق أو سورية أو ليبيا، أو استخدام الطائرات بلا طيار كما فعلها أوباما لسنواتٍ في اليمن وأفغانستان فأوقعت آلاف القتلى، غالبية منهم من الأبرياء أطفالاً ونساءً، أو توجيه ضربات صاروخية كما فعلها بيل كلنتون في السودان وفعلها مؤخراً ترامب في سورية.

الأميركيون لديهم حساباتهم ومخططاتهم الإستراتيجية ومطامعهم في «ما تبقى» من ثروات بالمنطقة، وهم لا يكترثون بمذاهبنا ولا يهتمون بأشكال وجوهنا، فكلنا في عيونهم مجرد شعوب متخلفة، وأغنامٍ سائبة لا تمثل غير مشروعٍ للاستغلال والذبح الحلال.

جيلنا عاصر تجارب لأكثر من أربعين عاماً، مع عشرة رؤساء، منذ ليندون جونسون، كلهم تصرّف معنا بالطريقة ذاتها: سوق وحقل لتجارب الأسلحة، واستمرار تدفق النفط، وضمان الأمن المطلق لـ»إسرائيل».

الأميركيون لا يبرّرون سياساتهم الميكافيلية، ويعتبرونها شطارةً أن يبتزوا دول العالم، ويفرضوا عليها إرادتهم بالقوة، فأنت «إما معنا أو ضدنا»، حتى لو كان من أقرب حلفائهم الغربيين، أما الحلفاء والأصدقاء في الأقاليم الأخرى فيبقون مجرد مشاريع استثمار وابتزاز.

قبل 14 عاماً، احتلت الولايات المتحدة العراق، ودخلت القوات الغازية بغداد في مثل هذا اليوم من أبريل 2003. ووعد جورج بوش الابن العراقيين بتوفير الحرية والديمقراطية والأمن والرفاهية، وإذا كان العراقيون اليوم يتمتعون بحرية انتقاد وشتم كل زعاماتهم السياسية دون أن يتعرّضوا إلى تصفية أو اعتقال، إلا أن الأمن والرفاه ظلا بعيدين عن العراق، حيث حوّله الأميركيون خلال العقد الماضي إلى ثقبٍ أسود لاستدراج الحركات «الجهادية» من جبالها المحصنة في أفغانستان، إلى أرض العراق المنبسطة، وفق رؤية أميركية واضحة، أعلنها وزير الدفاع السابق الجنرال كولن باول بعد الغزو مباشرة.

هذه السياسة الأميركية في العراق، فتحت الباب للحركات التكفيرية لتنفيذ عمليات القتل والتفجيرات اليومية لعدة سنوات، وإزهاق أرواح عشرات الآلاف من العراقيين، وتوالد مختلف أنواع الحركات المتطرفة، من الزرقاوي الذي أعلن عن مشروع حرق العراق بفتنة طائفية بين السنة والشيعة، إلى البغدادي الذي أعلن دولة الخلافة حيث جرى استباحة دم الشعب العراقي وكرامته وحرماته، حتى تمدّد إلى سورية، ومدّ أذرعه إلى سيناء ودول شمال إفريقيا، وهدّد بغزو دول الخليج في صيف 2014.

التعامل مع الأخطار التي تحيق بالجميع بحسابات فئوية تدل على قصر نظر، وهو مرضٌ يلازم تاريخنا نحن العرب منذ قرون، وهو الذي أدى إلى سقوط الأندلس بعدما تحوّلت إلى دول متناحرة تحكمها الطوائف، ولا يجمعها دينٌ ولا لغةٌ ولا عقلٌ ولا تاريخ مشترك.

في الحالة الراهنة، الدول العربية ممزقة شر ممزق، والأميركيون الذين ورثوا النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط، يلعبون اليوم على تناقضات المنطقة، بعد أن فهموا أسرارها. لقد أمسكوا بمفاتيح اللعبة، بينما نحن لم نستوعب الدرس بعد، ومانزال نراهن على «نخوتهم» و»شهامتهم»، ودفاعهم عن أطفال خان شيخون الأبرياء، وننتظر أن يحلوا مشاكلنا وينصروا بعضنا على بعض!

الرئيس الجديد ترامب شخصيةٌ أثارت الكثير من الجدل في بلاده، وهو شخص مندفع ومتناقض، يتقلب من رأي لآخر خلال 24 ساعة، ففي مساء الأربعاء يغازل النظام السوري ويغرّد ببقائه، وفي فجر الجمعة يهاجمه بالصواريخ ويهدّد بإسقاطه، مستغلاً هذه الفوضى العارمة التي يغرق فيها الشرق الأوسط. ومن هنا لا يُستبعد أن تتحوّل هذه الغارات من خطوة مؤقتة إلى صدام دائم، يفتح فيه النيران في كل الاتجاهات. وفي هذه الحالة من الذي سيدفع الثمن؟

غزو العراق أدّى إلى سقوط نظام الأمن العربي، أما سقوط سورية فستكون آثاره أشد مأساويةً على العرب، دولاً وشعوباً وحكومات، وخصوصاً أن من سيملأ الفراغ «داعش» وأخواتها حيث ستتحوّل إلى أفغانستان عربية، تضخ من صحرائها المفتوحة قوافل «الجهاديين» في كل الاتجاهات. والعتبى على من لا يريد أن يستوعب الدرس بعد الدرس!

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/04/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد