آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

قمة الرياض بين طموح المضيفين وحذر الضيوف


د. سعيد الشهابي

في العصر الأمريكي لا مكان لمن يرغب في الحياد، أو الحرية أو الاستقلال. وفي الحقبة الأمريكية ليس هناك مجال لمنظمات مثل «عدم الانحياز» أو «التضامن الافرو – آسيوي» أو حتى «الاتحاد الأوروبي». وعندما طرح الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش (الأب) مقولة «النظام العالمي الجديد» هرع الكثيرون إلى التنظير لهذا العالم، وقيل يومها أنه سيكون مفعما بالحرية وحاميا لحقوق الإنسان في ظل انتشار «الليبرالية الديمقراطية» التي اعتقد البعض أنها تمثل ذروة ما بلغه العقل البشري في مجال التطور السياسي. كانت تلك المقولة يتيمة وقصيرة العمر، ظهرت متزامنة مع تفكك الاتحاد السوفياتي والحرب الأنجلو – أمريكية في الكويت ليصبح العالم أحادي القطبية. وفي غضون عقد واحد طرح الرئيس جورج بوش (الابن) مقولته المثيرة للغط «من ليس معنا فهو مع الإرهاب» ليشير إلى وجود قطب آخر هو الإرهاب. وازدادت أوضاع العالم تدهورا في العقد اللاحق، حتى بلغت أوجها الآن.

 ويوما بعد آخر بدأت أمريكا مسيرتها نحو الضعف. كانت تخوض حربا ضد التحدي الشيوعي الذي كان الاتحاد السوفياتي يعبر عنه، وبعد سقوطه اعتقدت أن الموقف قد حسم لصالحها، ولكن صراعها التالي في إطار ما اسمته «الحرب على الإرهاب» لم يكتب له النجاح. وربما السبب الأهم في ذلك أن الغرب لم يمارس مفاصلة تامة مع تلك الظاهرة، برغم المقولة المذكورة، بل سعى للاستفادة منها معتقدا بإمكان ذلك. أمريكا لم تتعلم كثيرا من تجربتها في أفغانستان، عندما تحالفت مع المجموعات المسلحة وساهمت في تأسيس تنظيم «القاعدة» لمواجهة السوفيات، وسرعان ما أصبحت هي الأخرى مستهدفة من ذلك التنظيم. فلو كانت ظاهرة الإرهاب مرفوضة تماما من قبل الغربيين لما ترعرعت وانتشرت بالمستوى الذي وصلته الآن. مشكلة الغربيين أنهم بدلا من مواجهة الظاهرة سعوا لاستغلالها لتحقيق أهداف سياسية وأمنية. ومن ذلك أولا: أنهم حاولوا توجيهها (ممثلة بتنظيم القاعدة يوم ذاك) بعيدا عن مرماهم، باتجاه الداخل الإسلامي، ثانيا: أنهم أرادوها سلاحا ضد مشروع «الإسلام السياسي» الذي تمثله الحركات الإسلامية العريقة خصوصا «الأخوان المسلمين»، ثالثا: أنهم، حاولوا عبر سياسة احتضان ظاهرة «الإرهاب» وإعادة توجيه أيديولوجيتها واتجاه بنادقها، خلق توازن مع إيران التي كانت لهم معها صولات وجولات على مدى أكثر من ثلاثة عقود. فكانت النتيجة ازدياد الأوضاع تعقيدا، وتوسعت دائرة العنف حتى أصبحت تهدد العالم كله، وانتشر في أغلب أرجائه.

ماذا تريد أمريكا من العالمين العربي والإسلامي، بل من العالم؟ الأمر الملاحظ أن اللعب السياسي والأيديولوجي الذي مارسه التحالف الأنكلو – أمريكي لم يساهم في تقوية ذلك التحالف، خصوصا في المجال الاقتصادي. وبينما تصاعدت القوة الاقتصادية للصين والهند وكذلك اليابان وألمانيا، أصبحت بريطانيا وأمريكا بشكل خاص مثقلتين بالدين العام الذي يقترب من ألفي مليار دولار لبريطانيا وعشرة أضعاف ذلك لأمريكا. هذا الوضع المقلق كانت له تبعاته، فدارت الدوائر، وإذا بالتحالف الأنكلو – أمريكي يبتعد تدريجيا عن الحلفاء التقليديين في أوروبا ويسعى للتقارب مع الدول النفطية ذات الوفرة المالية. وفي هذا المجال يمكن استيعاب دوافع الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، لحضور ما يسمى «القمة الإسلامية الأمريكية» التي تعقد هذا الأسبوع بالعاصمة السعودية. ومع أن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، حضر قمة مماثلة في القاهرة قبل ثمانية أعوام إلا أن ظروف القمتين مختلفة تماما. فالأولى جاءت في ظل أوضاع عربية أكثر استقرارا، بينما تعقد القمة الحالية بعد كارثة الربيع العربي وما ترتب عليها من تطورات سياسية وأمنية ليس في العالم العربي فحسب بل على صعيد العالم. خطاب أوباما يختلف كثيرا عن ترامب، فهو أقل تشددا وإثارة وأشد رغبة في كسب أصدقاء لأمريكا ذات الصيت السيئ. القمة الحالية لها أهداف لا تستقيم مع الوجدان العربي الذي تعرض للخذلان من قبل «العالم الحر» عندما كان يبحث عن الحرية والديمقراطية. القمة السابقة عقدت في القاهرة، لترمز إلى مركزية مصر في العالم العربي، بينما تعقد القمة الحالية في الرياض لتوحي بتغير مراكز الثقل في عالم السياسة العربي. فمصر التي تشهد احتقانا داخليا بعد انقضاض العسكر على تجربتها الديمقراطية قبل أربعة أعوام، أصبحت مهمشة وغير ذات شأن نتيجة تلك التطورات. بينما أصبحت دولة كالإمارات مثلا، وهي من أصغر الدول العربية سكانا واقصرها تاريخا (تأسست في 1971) ذات نفوذ يتوسع تدريجيا من خلال التدخل في شؤون الدول الأخرى. فقد دعمت المعارضة في أوكرانيا ضد التدخل الروسي، وشاركت في التدخل العسكري لضرب ثورة البحرين في 2011 مع القوات السعودية. وقبل ثلاثة أعوام شارك طيرانها في قصف مواقع ليبية لدعم خليفة حفتر، والآن تسيطر على ميناء عدن وتشكل جيشا «يمنيا» قوامه 30 ألفا. قمة الرياض التي تعقد هذا الأسبوع لها معالم عديدة. أولها أنها تعبر عن النفوذ السعودي المتنامي في المنطقة. ثانيها: أنها تعقد برعاية الرئيس الأمريكي نفسه الذي جعل الرياض من أولى المحطات في زياراته الخارجية. ثالثها: أنها استطاعت تغيير مواقف دولية صعبة، ومنها رفع الحظر المفروض على الرئيس السوداني عمر البشير بعد صدور قرار ضده من المحكمة الجنائية الدولية بدعوى ارتكاب جرائم إبادة في دارفور. والواضح هنا أن الرياض استطاعت لي ذراع النظام الدولي ليس باستقبالها الرئيس البشير فحسب، بل بحضوره مؤتمرا بجانب الرئيس الأمريكي. رابعها: أنها تمثل مبادرة سعودية مهمة لتأسيس ما أطلق عليه بعض الإعلاميين الغربيين «ناتو عربي» لمواجهة إيران. وفيما دعي زعماء عرب ومسلمون كثيرون، إلا أن إيران لم تدع للمؤتمر. كما لم يدع رؤساء الدول غير الصديقة كالرئيسين السوري واللبناني. خامسها: أن جهودا بذلت للتوصل إلى مواقف وسط: فالمؤتمر لن يتصدى لـ «إسرائيل» في مقابل أن لا يعلن الرئيس الأمريكي قرارا بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وذلك لمنع حدوث زوبعة عربية ضد القمة. ومن المؤكد أن ترامب سيناقش مع الإسرائيليين نتائج قمة مؤتمر الرياض والدور الإسرائيلي في أية منظومة إقليمية سياسية أم عسكرية أم أمنية. فلا شك أن العدو الإسرائيلي سعيد بإبعاد الأنظار عن سياساته التوسعية وتوجيهها نحو إيران. سادسها: أن الإدارة الأمريكية الحالية تختلف عن سابقتها. ولكنها تدرك تدريجيا أنها محكومة بسياسات «المؤسسة». فمن حقها توقيع اتفاقات سلاح عملاقة مع الدول الغنية كالسعودية، ولكن لم يسمح لها بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران برغم التصعيد الإعلامي في الأسابيع الأخيرة ضد ذلك الاتفاق. سابعها: أن القمة تعقد في منطقة محاطة بالأزمات التي استعصت على الحلول حتى الآن. فمن العراق إلى سوريا وفلسطين وصولا إلى البحرين واليمن، هناك خيوط جامعة لهذه الأزمات، تسعى الحكومة السعودية للامساك بها لمنع خروجها عن الحدود المسموح بها. ثامنها: أنها تعقد بعد إعلان نتائج الانتخابات الإيرانية وفوز الرئيس روحاني بدورة رئاسية ثانية، الأمر الذي سيخفف من حماس الغربيين لاستهداف إيران بعقوبات جديدة.

قمة الرياض هذا الأسبوع ليست حدثا عاديا، ولكنه لن يكون كذلك خارقا للعادة. فالكثير من المشاركين فيها يعانون من أوضاع صعبة سواء على مستوياتهم الشخصية أم بلدانهم. فالرئيس الأمريكي يواجه العديد من التحديات الداخلية، حتى أصبح الحديث عن إمكان استجوابه تمهيدا لعزله عن الرئاسة يتصاعد مع استمرار اللغط حول النمط الفردي لإدارته. فأجهزة الاستخبارات الأمريكية مستاءة من كشفه معلومات حول تنظيم داعش لوزير الخارجية الروسي، لافروف، وتعتبر ذلك اختراقا أمنيا غير مسبوق لأنه يأتي من رأس السلطة. كما أن عزله جيمس كومي عن رئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب عزمه على التحقيق في ذلك الاختراق وضع الرئيس في مواجهة مع أهم دعامات المؤسسة الأمريكية. يضاف إلى ذلك أنه يحضر مؤتمرا بحضور بعض الدول التي وضعت على قائمة الدول التي يحظر مواطنوها من دخول أمريكا.
وسيكون ذلك مادة للتسخين الإعلامي ضده بعد عودته.
كما أن الإسرائيليين ليسوا مرتاحين من القمة إلا إذا خرجت بقرارات من شأنها أن تؤدي إلى عمل ملموس ضد إيران، الأمر الذي لا يتوقع حدوثه. وكان ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد تعهد مؤخرا بنقل الحرب مع إيران إلى داخل حدودها، الأمر الذي أدى إلى تصاعد الاتهامات الإعلامية بين البلدين.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/05/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد