آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

ماذا بعد سقوط قطر؟.. وقد مللنا من النصح


إسماعيل القاسمي الحسني

أكتب هذا المقال والأخبار تتداعى حول الهجوم على البرلمان في طهران، و ذاكرة الحوت لم تستحضر تغريدة ترامب البارحة فقط، خلاصتها سروره بنتائج زيارته للرياض، التي بدأت بالتجسد في تفكّك دول الخليج العربي، طبعا ذاكرتي لا يسعها مراجعة التاريخ السحيق الذي يرجع لأسبوع فضلا عن يوم زيارة ترامب “البيغ بانغ” الاستراتيجي، عنوانه المدوي لا عدو  للعالم و الإنسان و الحياة على وجه البسيطة إلا إيران. وبعض العناوين الفرعية الرئيسية مفادها، أن حزب الله عدو الإنسانية والحمد لله أن ربطت به حماس، لم تفهم حتى يومها قطر، ماذا قال جلالة السلطان المعظم دونالد ترامب، و أي أمر كان يعنيه بذكر حماس باسمها و اعتبارها منظمة إرهابية، و اعتبار غطائها (الإخوان) كذلك،  ها نحن نصحوا اليوم على خبر طهران و كلام مكرر حتى القرف، من أكثر من مسؤول خليجي رفيع، حول ضرورة ضرب إيران من الداخل، لم يكن أولهم بندر بن سلطان، و لا آخرهم محمد بن سلمان. لقد فعل العرب ببعضهم ما يفكروا بفعل مثقال ذرة منه في فلسطين المحتلة، و كادوا لبعضهم و أنفقوا و تجسسوا ومكروا، ما لو صرفوا جهده لخلقوا به كونا آخر؛ ليس هذا مهما.

أعود إلى عنوان المقال: ماذا بعد سقوط قطر؟

نعم أيا تكن نتيجة العدوان الجديد على دولة عربية أخرى، هذه المرة أقول سقطت قطر، خلاف الدول التي استهدفت مثل سوريا و اليمن، لن تعود قطر إلى سابق عهدها، فهي بين واحدة من اثنتين لا ثالث لهما، إما العودة إلى حجمها الطبيعي ما قبل 1995 و تجردها من كل أوراق القوة المتوهمة، مع بقاء عائلة آل ثاني، و إما تدخل عسكري خليجي مباشر لقلب النظام و تحت نفس الذريعة اليمنية الدفاع عن الحاكم الشرعي. لقد قلنا و قالت الجزائر للقيادة القطرية 2012 إن الشعارات التي ترفعها  للتدخل الإجرامي في ليبيا و من ثم في سوريا، و الضرب عرض الحائط بميثاق جامعة الدول العربية و كل الأعراف و القوانين الدولية، سينتهي بكارثة على جميع الدول و الأنظمة العربية، و منها السلطة القطرية ذاتها؛ طبعا حينها ضحك القوم المعنيون سخرية منا و حتى قوم تبّع الذين يسيرون في ركابهم تربطهم سلاسل الدولار و تهشهم عصي اليورو. بل ذكرنا هنا مرارا الصدام الحاد في الجلسة المغلقة بين وزيري خارجية الجزائر و قطر، و تهديد الأخير بصريح العبارة بأن الدور (دور التخريب الداخلي) القادم على الجزائر، و لعل بعض القراء يذكر المقال التفصيلي في هذه الصحيفة حول عملية تيغونتورين 2013، و دور قطر الخطير في أهم تفاصيله.

ما لم تفهمه السلطة القطرية و يبدو أن شقيقاتها الكبرى و المتوسطة و غيرها لم و لن يفهموه، أن حجم قوة الدولة لا يقاس بالمال و لا بالإعلام، و لا حتى بعديد الأغنام التي تتبع دقات ناقوسها، على الإطلاق ليست هذه ركائز القوة، و لا حتى الاستقواء بالعسكر الأجنبي يحسب من عوامل القوة التي يعول عليها؛ و قطر هذه كما السعودية كليهما يدعي لنفسه تمثيل “دين الإسلام” و “أمة الإسلام”، غاب عنهما أن نبي الإسلام (ص) لخّص قوة أمة ما في ركيزتين اثنتين “أن تأكل مما تزرع و أن تلبس مما تخيط أو تصنع″؛ طبعا قطر لا تشكل أمة و كذلكم السعودية، و الحال أن الأولى تفتقر بشكل كلي و مطلق لهاتين الركيزتين، فضلا عن ركيزة الصناعة العسكرية وعن ركيزة جيش قوي عددا و عدة يحمي تلكم الركائز.دون هذه الأركان الأربعة توهم القوة لا يعني إلا سفاهة عقل و تورّم غير حميد ينتهي بصاحبه إلى الهلاك لا محالة.

دونالد ترامب صرح أثناء حملته الانتخابية و بعدها، بأنه سيعمل على شفط أموال دول الخليج و أولها السعودية، بذريعة أن وجود تلكم العروش يعود الفضل في حمايتها و بقائها للقوات الأمريكية، و على ذلك أصبح من حق الدولة الأمريكية أن تتقاضى أجرها، لم يكن الأمر شعارا انتخابيا و لا هرطقة و مزايدة كاوبوي يستعرض عضلاته، بل ها هي تتجسد فعليا و يسحب من السعودية قرابة 500 مليار دولار. لكن قبل مغادرته للرياض أوعز للأشقاء الأعداء بإعلان الحرب على قطر، و لماذا؟ هل اكتشفت الولايات المتحدة وجود حماس في قطر فجأة أول أمس؟ قطعا لا، أذهب بعيدا و أقول: ما كان لقادة حماس أن يدخلوا الدوحة هيهات لولا الضوء الأخضر الأمريكي لقطر، و ذلك إعدادا لهذا اليوم تحديدا و ما بعده. لقد تعذّر على الولايات المتحدة و كيان إسرائيل الوصول و طرد قيادة حماس من سوريا منذ اللقاء الشهير بين كولن باول و الرئيس الأسد 2003؛ و استطاعت أن تسحبها إلى الدوحة بخيارها و من تلقاء ذاتها لتلقى مصيرا مجهولا بحق.

استيقظ العالم العربي فجأة على حرب شعواء سعودية على قطر، و المصيبة و بكل صفاقة وجه، حملت ذات الاتهامات التي كانت توجه لسوريا أيام قيادة قطر لجوقة الحروب الداخلية و زرع الفتن و إسقاط الأنظمة، و كشفت هذه الحملة بين بلدان الخليج كثيرا من الدسائس و العفن المتقيح على مستوى خلايا العقل المتبدون؛ لكن الأهم هو إقرار الأطراف باستغلال الإعلام في فبركة القصص لضرب الطرف الخصم، هذا الاتهام الذي وجه إليهم من قبل و أنكروه، اليوم يؤكد و بالأدلة كل طرف صحة الجريمة لدى الطرف الآخر.

و ماذا بعد أن أعطى ترامب الأمر بالهجوم على قطر؟ بكل بساطة لا تملك هذه الدولة الخليجية من ملجأ غير الولايات المتحدة، هي القوى الوحيدة التي يمكنها لجم التهديد السعودي، و هذا لابد له من مقابل قد لا يقل على 500مليار دولار أخرى؛ و لا خيار للأسرة الحاكمة في قطر إلا أن تدفع و هي صاغرة، ماذا بعد ذلك؟ سيأتي الدور مباشرة على دولة الإمارات ذاتها، فيمكن اختلاق نفس الذرائع و حال عجزها التام لا يختلف عن حال قطر، و بعد زوابع فناجين الأشقاء الأعداء، ستحمي الولايات المتحدة الإمارات بمبلغ لا يقل عن سابقيه، و في النهاية ستذبح البقرة الحلوب كما توعد راعي البقر الأمريكي.

هنيئا لنا و للأمة العربية و الإسلامية بمثل هذه العقول الخلاقة، و إنما نختم بالقول و قد مللنا من نصيحة شيوخ القبائل: من يتوهم بأن الجرّار سيتوقف عند قطر فهو مغيّب العقل لا محالة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد