آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الستار توفيق قاسم
عن الكاتب :
كاتب ومفكر ومحلل سياسي وأكاديمي فلسطيني، ولد في دير الغصون بطولكرم الفلسطينية، وأستاذ العلوم السياسية و الدراسات الفلسطينية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس.

الخليج ورفاهية الأزمات والحروب

 

عبد الستار قاسم

العالم مشغول الآن بتطور الأوضاع بين دول عربية أغلبها خليجية ودولة قطر، والكل يعرض خدماته لإصلاح ذات البين والخروج من الأزمة الديبلوماسية التي يمكن أن تتطور إلى ما هو أسوأ. وبالنظر إلى هذه الأزمة المستجدة، بالكاد نستطيع رؤية سبب قوي لها ولصناعتها. ما هي المشكلة حقيقة التي صنعتها قطر لأخواتها الخليجيات لكي تتطور الأمور بسرعة هائلة نحو قطع العلاقات وفرض حصار ومعاقبة المواطنين العرب المتواجدين في الدول الشقيقة؟ وفق علمي، هناك تنافس على قيادة الخليج بين السعودية وقطر، وقطر حاولت أن تلعب دورا أو أدوارا أكبر من حجمها بكثير عسى أن تكون الرائدة في الوطن العربي. لقد نجحت قطر في بعض الأحيان في لعب دور رئيسي على الساحتين العربية والأفريقية، لكنها حقيقة غير قادرة على انتزاع القيادة. عملت قطر على التوفيق بين اللبنانيين والسودانيين والفلسطينيين، وكان لجهودها بعض الإنجازات، لكنها أيضا لم تقفز إلى ما تتوق إليه.

 

السعودية تعتبر نفسها هي رائدة الخليج، وتعمل دائما على احتكار القرار الخليجي تحت مسميات التشاور. حتى أنها لم تقم بالتشاور الضروري قبل شن الحرب على اليمن. وتستغل السعودية قدراتها المالية للسيطرة على القرار العربي عموما وليس الخليجي فقط. إنها تؤثر بصورة فعالة على سياسات السودان ومصر والأردن والمغرب، وتحاول التأمّر عليهم. وليس من السهل على السعودية أن تقبل بطرف خليجي منافس، ومن المتوقع قمعه أو تحجيمه. السعودية أقوى بكثير من قطر وتمتلك إمكانات لا تملكها قطر، وكان من الأجدى لقطر ألا تمد رجليها لأكثر من فراشها.

 

لكن المهم يبدو أن دول الخليج تملك من المال ما يكفيها انشغالها بالشؤون الداخلية. هي لا تعاني أزمات التسهيلات الحياتية، وشعوبها مرفهة، والضغوط الداخلية على الحكومات تقريبا غائبة إلا في الآونة الأخيرة التي بدأت بعض النشاطات الإرهابية تظهر في السعودية، وبعض النشاطات الهادفة لإقامة الديمقراطية كما يحصل في البحرين وشرق السعودية. أي أن الأوضاع الداخلية لا تشغل أنظمة الحكم كثيرا، ولدى هذه الأنظمة الوقت الكافي والمال لتسترخي وتنشغل بشؤون الآخرين. وكما يقول المثل العربي: “قلة الشغل تعلم التطريز.” وفي الخليج “قلة الشغل تعلم صناعة الحروب”.

 

بالتعاون مع الولايات المتحدة والدول الغربية الاستعمارية حرضت دول الخليج على شن حرب على إيران في بداية ثمانينات القرن الماضي. هي التي شجعت العراق على شن الحرب على اعتبار أن إيران تريد تصدير ثورتها إلى البلدان العربية. دول الخليج مولت الحرب وأفلست ماليا، والدول الغربية ضخت كميات هائلة من الأسلحة للعراق من أجل الاستمرار في الحرب، والملك حسين لعب دور المحرض والمشجع على حراسة ما كان يسميه البوابة الشرقية. لقد قتلنا أبناءنا وقتلنا أبناء إيران، واستنزفنا موارد العراق والخليج وإيران بلا هدف. لم يكن هناك أي هدف سوى خدمة الدول الغربية التي كانت تخشى الثورة الإيرانية، وخدمة الأنظمة العربية التي كانت تخشى قيام ثورة إسلامية عربية تطيح بالأنظمة. الشعوب دفعت الثمن، وبقيت الأنظمة هي الأنظمة، وبقي الاستبداد والإرهاب والدمار والاستعباد وتبديد الثروات.

 

لم تكتف دول الخليج وعلى رأسها السعودية بتلك الحرب المدمرة، وما زالت جهود إشعال الحرب ضد إيران مركزة حتى الآن وبالتعاون مع الكيان الصهيوني. يقول العرب إن إيران إرهابية، ولا يقولون إن الأنظمة العربية هي رأس الإرهاب. هذه أنظمة استبدادية استعبادية قمعية همجية تعطي دروسا في الإرهاب. ومن الذين تدعمهم إيران؟ هي تدعم حركتي المقاومة في فلسطين ولبنان، حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، وهاتان حركتان تقاومان إسرائيل ولا ترضى عنهما أمريكا، وبالتالي هما إرهابيتان. الإرهاب لدى دول الخليج وبعض الدول العربية ليس مرتبطا بتشريد الشعوب وتهجيرها وقتل الأطفال والنساء وتهديم البيوت وإنما مرتبط بالموقف من إسرائيل والهيمنة الأمريكية على المنطقة.

 

دول الخليج وعلى رأسها السعودية هي التي دعمت قيام القاعدة في أفغانستان، وهي التي قدمت الدعم المالي، وساهمت في شراء الأسلحة لها. ومن هو الذي قدم كل الدعم لداعش والنصرة وأخواتهما في سوريا والعراق؟ أليست دول الخليج بالتعاون مع تركيا ودول أخرى على رأسها الولايات المتحدة؟ لقد دمرت دول الخليج العراق وسوريا، وحاولت تدمير لبنان لتحقيق هدف واحد فقط وهو التخلص من حزب الله. لكن حزب الله كان واعيا ويقظا وأفشل لهم خططهم. ودول الخليج بخاصة السعودية هي التي دفعت بقوة منذ عام 1979 باتجاه الفتنة السنية الشيعية. تذكر العرب أن إيران شيعية بعد انتصار الثورة، أما زمن الشاه فكانت حارسا أمريكيا في الخليج. لقد بثوا الفتنة، وأعادوا العرب والإيرانيين إلى زمن صفين وكربلاء. وهناك الكثير من الأغبياء في الساحة العربية الذين يريدون إحياء الحروب التي أساءت للتاريخ الإسلامي والمسلمين.

 

والسعودية هي التي تشن الحرب على اليمن، ولم تملك دول الخليج سوى الإنصياع والمشاركة في هذه الحرب القذرة. لماذا الحرب على اليمن؟ السعودية هي التي واجهت جمال عبدالناصر في حرب دفاعا عن الحوثيين في ستينيات القرن الماضي، وهي تتذرع الآن بالحوثيين لاستمرار الحرب على اليمن وتجويع الناس وإفقارهم. والسعودية هي التي تمنع التحول الديمقراطي في البحرين وتقدم كل الدعم لحكومة بحرينية قبلية تقيم نظاما سياسا بدائيا متخلفا.

 

باختصار، دول الخليج تتسلى بدماء الناس وخراب بيوتهم ودمار مزارعهم ومصانعهم و منشآتهم ومصادر رزقهم. إنها تملك من المال ما يكفي للفساد والإفساد وقتل الناس عبر حروب لا مبرر لها. دول الخليج تحكمها قبائل وبدائية الرؤى السياسية ولا تملك استراتيجيات للاندفاع نحو عزة العرب والمحافظة على كرامتهم وتحرير أراضيهم من الاحتلال وتحرير رقابهم من الأقدام الأمريكية. دول الخليج تصنع أزمات وحروب ومشاكل للتسالي، ولا يبدو أن رفاهية الحياة تكفيها، بل تريد أن تتلذذ على آلام الآخرين ونزيف دمائهم. لقد قدمت دول الخليج مساعدات مالية للعديد من الأطراف العربية، وشكرا لها، لكن يجب ألا تبقى هذه المسألة للتمنن على العرب والفلسطينيين. وفي الحسابات، ما قدمته دول الخليج من مساعدات مالية لا يرتقي أبدا إلى التكاليف التي ترتبت على الفساد والإفساد اللذين صنعتهما بعضها

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد