آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
يوسف القبلان
عن الكاتب :
كاتب سعودي

معنى الخدمة الفريدة


يوسف القبلان

الخدمة الفريدة أو المتميزة التي تسعى إليها الشركات يمكن أن تتعرض للتشويه بسبب خطأ فردي، أو سياسة خاطئة. الشركات تتنافس على كسب ثقة العملاء والاحتفاظ بهم، والحفاظ على صورة ذهنية ممتازة ترسخ في الأذهان وتصمد مهما كانت قوة المنافسين. ومع ذلك تحصل أحيانا أخطاء غير مبرره تعرضها لخسائر مادية وخسارة صورتها التاريخية المتميزة.

الخدمة المتميزة مطلوبة أيضاً في الأداء الحكومي.. وهناك جهود وإنجازات في كثير من الدول ومنها المملكة نحو تطوير هذا الأداء وتطبيق مفهوم خدمة العملاء على القطاع الحكومي..

ومن المعروف أن أحد العوامل المهمة في النجاح واستمرار النجاح عامل الجودة في المنتجات، لكن العامل الأهم هو الجودة في الخدمات وخاصة في التعامل مع الناس. السلوك الإنساني في بيئة العمل قد يؤدي إلى أخطاء كارثية، وقد يكون هو الوقاية منها ويمنع وقوعها.

من الحالات في هذا المجال خطأ ارتكبته إحدى شركات الطيران حين سحبت أحد الركاب بطريقة مهينة بسبب زيادة عدد الركاب عن الحد المطلوب. الخطأ أساسا من الشركة ثم عالجته بخطأ أكبر عرضها لخسارة مادية وخسارة سمعتها.

اضطر الرئيس التنفيذي للشركة للاعتذار بعد حملة نقد عنيفة.

يبدو من هذه الحالة أن الخيارات المتاحة في بعض شركات الطيران للتعامل مع زيادة عدد الركاب هي خيارات محدودة تتلخص في تقديم عرض مغر للراكب الذي يتنازل عن مقعده، فإذا لم يوافق أي راكب على العرض يكون الخيار الثاني اختيار أحد الركاب بطريقة عشوائية أو غير عشوائية لمغادرة الطائرة بطريقة ودية أو بالقوة.

العلاقة بين مقدم الخدمة والعميل علاقة قد تكون إيجابية أو سلبية، وهذا يتوقف بداية على الموظف الذي يمثل الشركة وعلى الأنظمة والسياسات. وإذا كان ليس من حق العميل تكسير الأنظمة، فإن الموظف إذا تصرف مع العميل بطريقة تعكس تدني مستوى الرضا الوظيفي لديه، فهذا سلوك تتحمل الشركة ما يقود إليه من نتائج.

تلك الشركة التي أخرجت الراكب بقوة من الطائرة كانت تقدم خدمة فريدة ولكنها خدمة سلبية انفردت بها عن غيرها من الشركات.

في الجانب الآخر من الخدمة الفريدة أو المتميزة قصة أعرضها للقراء الكرام لإثراء هذا الموضوع كما وردت في مقال بعنوان (لم تنته القصة بعد) بقلم الدكتور محمد علي عثمان، ونشر في مجلة التنمية الإدارية التي يصدرها معهد الإدارة العامة.

القصة سمعها الكاتب حين كان يشارك في ورشة عمل عن الخدمة المتميزة ورواها مدير هيئة الطيران المدني في دبي، وبطل القصة إحدى شركات الطيران. فلنسمع ما يقول الراوي: كنت أنا وزوجتي وطفلنا الرضيع في رحلة حول العالم وعندما وصلنا المحطة الأولى (فرانكفورت) اتجهنا لاستلام حقائبنا من خط سير الحقائب، فوجدنا أن الحقيبة التي تحتوي على مستلزمات الطفل من حليب وغيره لم تصل، وتملكتنا الدهشة، وعندما لاحظ المسؤول عن السير دهشتنا أسرع وأبلغ مندوبة شركة الطيران التي أتت مسرعة مستفسرة عن محتويات الحقيبة. أبلغناها بالمحتويات المهمة، فطلبت منا رقم الطبيب الذي نعالج طفلنا لديه في دبي. أعطيناها الرقم وكلنا دهشة من هذا الطلب. وبعد عشر دقائق رجعت إلينا ومعها مدير خدمات العملاء. وبعد أن اعتذروا عن التأخير قالوا: لم نجد هنا نوع الحليب الذي يستخدمه طفلكم، ولكن هذا بديل اعتمده طبيبكم في دبي، فدفعوا لنا بحليب وحفائظ، وقال المدير: سوف نشتري لكم حقيبة جديدة بدلا من حقيبة الطفل. القصة لم تنته بعد حيث استمرت الشركة بإرسال الحليب والحفائظ طوال الرحلة في كل محطة يصلون إليها. القصة لم تنته بعد، يقول الراوي: أتى إلينا مدير خدمات العملاء بعد أن قدم اعتذاره وأسفه على ضياع حقيبة طفلنا وقال: عالجنا المسألة، لكننا لم نقل متأسفين بعد.. لقد قررنا أن يأخذ طفلكم هذا خصما على التذاكر بقيمة 75% مدى الحياة.

هذا الفرق بين شركة وأخرى هو ما يقصد به التميز عن الآخرين. وحين تكون الخدمة متميزة فهذا يعني تقديم خدمات تتجاوز توقعات العملاء. ويتضح الفرق أيضا بين شركة وأخرى في التعامل مع المشكلات وطرق حلها.

وإذا كانت التقنية هي إحدى الوسائل التي ساهمت في تطوير خدمة العملاء كونها تسهل الحصول على الخدمات دون عناء وتختصر الوقت، وتوفر للعملاء الخدمة الذاتية، فإن هذا التقدم التقني أصبح ممارسة تشترك فيها معظم الشركات، وبالتالي فإن المحك في التفرد والتميز هو في السلوك الإنساني وليس في أي شيء آخر.

هذا السلوك الإنساني هو جوهر عمل فريق خدمة العملاء وهو يتطلب توفر مهارات معينة من أهمها مهارة الاتصال والإنصات، والتعامل مع النقد والشكاوى بموضوعية وأريحية بحثا عن الحلول وليس لتقديم الأعذار عن الأخطاء التي ليس للعميل ذنب فيها.

تطرقنا إلى حالات من الواقع ذات علاقة بشركات الطيران. لو انتقلنا إلى مواقع عمل أخرى سنجد حالات إيجابية وسلبية لا تتسع لها المجلدات. ومع ارتفاع مستوى الوعي بحقوق العميل ارتفع مستوى الاهتمام بحماية المستهلك الأمر الذي يفترض أن يؤدي إلى ارتفاع جودة الخدمات والمنتجات.

الخدمة المتميزة مطلوبة أيضا في الأداء الحكومي. وهناك جهود وإنجازات في كثير من الدول ومنها المملكة نحو تطوير هذا الأداء وتطبيق مفهوم خدمة العملاء على القطاع الحكومي. كانت آخر هذه الجهود بالنسبة للمملكة مؤتمر ثقافة خدمة العملاء في القطاع الحكومي بتنظيم وزارة الخدمة المدنية ومعهد الإدارة العامة عام 1437.

ولعل وزير الخدمة المدنية يراجع أطروحات ذلك المؤتمر وتوصياته وآلية التنفيذ المقترحة، ويقارن ذلك بالواقع من أجل مستقبل أفضل في تقديم الخدمات، مع أهمية التركيز على المهارات الإنسانية مهما تطورت التقنيات الإدارية.

صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2017/06/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد