آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

اتهاماتهم لبعضهم البعض بالإرهاب صحيحة واسألوا سورية..

 

إسماعيل القاسمي الحسني

يخطئ التقدير من يتصوّر أننا نستعرض أماني الخراب لأي دولة عربية، و أقول بصراحة أكثر و وضوح أبلغ، حتى الأنظمة الخليجية التي أسهمت كمطية للغرب في دمار دول عربية مهمة، و إسقاط أنظمتها و تشريد شعوبها و تمزيق جغرافيتها، لا أتمنى لها أن تذوق من ذات كأس السم التي جرعتها لغيرها؛ ليس حبا في تلكم الأنظمة البائسة و لا خوفا منها طبعا، و إنما لعلمي القاطع بأن الذي يدفع الثمن أولا و أكثر هي الشعوب التي لا حيلة لها، هم المواطنون العاديون البسطاء مثلي، الذين خانتهم نخبهم و غدرت بهم، و تسلطت عليهم طينة من الحكام عدمت العقل و الحكمة، و استعبدتها غرائزُها المتفلتة العقال؛ و يشهد هذا المنبر المستقل على دعوات متكررة وجهناها لهم لمراجعة سياساتهم و خياراتهم التي في النهاية ستأتي عليهم هم أنفسهم، و تلتهم نيران الفتن التي أضرموها عروش القصب المتهالكة طبيعة، التي يتعالون بها.

و يعلم الله أننا تحاشينا قدر الجهد و على مضض شديد، عرض وثائق و حقائق لمكائدهم و دسائسهم، بحجة ألا نزيد تلكم النيران سعيرا، و رجاء أن يستيقظ ضمير هناك من ضمائر الموميات المحنطة على خشبة الاستراتيجية الأمريكية، المعلبة في صناديق خدمة اسرائيل الكبرى؛ فضلا عن ذلك لو عرضناها في حينها (2011-2014) كمستندات يرتكز عليها موقفنا، لرجمنا بتهمة الفبركة و الاحتيال و النصب على تلكم الأنظمة؛ هي ذات الوثائق التي يرفعها الآن القوم في وجوه بعضهم البعض، و يشهرونها عبر فضائياتهم وصحفهم و كل وسائل الإعلام لديهم؛ ما يكشفونه اليوم لإثبات تهمة دعم الإرهاب على بعضهم البعض، كان بين أيدينا يوم تسطيره، لكن ساعتها كان القوم ينكرونه و يجاهرون باتهامنا نحن؛ اليوم يمكنني القول بأن أغلب ما تعرضه الفضائيات الرسمية للطرفين صحيح بحق كل من الجانبين مع الأسف الشديد؛ اليوم ليس الكاتب هو الشاهد، بل شهد شاهد من أهلهم هم أنفسهم و بمحض إرادتهم و من تلقاء أنفسهم؛ نقول و في الحلق غصة، و قد تقيّحت قلوب الأمة من عفن الأشقاء الأعداء: ما تعرضه السلطة السعودية و الإماراتية بحق السلطة القطرية صحيح و واقعي، و أعني الجرائم في ليبيا و تونس و سوريا، و ما تعرضه السلطة القطرية بحق السلطتين السعودية و الإماراتية كذلكم صحيح مائة بالمائة تقريبا. و خلاصة هذا المشهد المأساوي أن الطرفان اللذان طالما تبجحا دون حياء بخدمة الشعوب العربية و الأمة و الإسلام، قد أثبتا بأنهم كانوا شركاء في الجرائم البشعة، التي ارتكبت و ترتكب إلى الآن في ليبيا و سوريا و اليمن و حتى تونس وفق التقرير الاستراتيجي لدولة الإمارات الذي طالعته مؤخرا؛ و أنهم كانوا يخفون على الأمة في صناديقهم السوداء القذرة هذا الكم الهائل من الوثائق التي تدين الشركاء، نعم هذه الحقيقة المرة التي يخلص إليها أي عاقل و من أفواه مسؤوليهم و من وثائقهم هم و مواقعهم.

و اليوم، يبدو أننا أمام فصل جديد من مسرحية استغلال العقل السياسي الأمريكو-صهيوني للعقل الغرائزي للحاكم العربي كما يصفه الدكتور وليد عبد الحي، لاصطناع حرب جديدة لكن هذه المرة بين أنظمة الخليج ذاتها، و يبدو أن العقل الغرائزي هذا لم يرتو بعد من الدماء التي سالت و مآسي الشعوب العربية التي تمزقت و تشردت، و لا يزال نهما حد الشراهة للمزيد و إن على حساب شعبه و وطنه هو.

أن تستفيق و فجأة في منتصف الليل السلطة السعودية و الإماراتية، على ما ساقتاه من اتهامات مثبتة للعائلة الحاكمة في قطر، هذا أمر لا يمر و لا يهضمه صغار العقول فكيف بالعقلاء؛ بل هي مجرد غريزة الاستقواء و الاستعلاء و إبادة الأخر أو استعباده، كامنة في نفوس مريضة، أفلت الرئيس الأمريكي عقالها حين لمسها عند القوم ساعة “زيارته المباركة”، و تأكد بأنها قد أينعت و حان قطاف رؤوسها الهوجاء، و ما كان ليفعل لو لم يجد فيها فائدة لبلده و لحليفة الأول و الوحيد في المنطقة الكيان الصهيوني.

و من السخف إلى درجة البلاهة اعتماد قول دونالد ترامب بأن قطر داعم تاريخي للإرهاب و على أعلى مستوى، على أنه اكتشاف جديد صُدِمت به الولايات المتحدة، و من علامات التخلف الذهني تصوّر حدوث ذلك من وراء ظهر القيادة الأمريكية و دون علمها و إذنها و تخطيطها بل و أمرها واجب التنفيذ.

إن القرار “الهبنقي” الذي اتخذته القيادة التركية باستباق المصادقة على إرسال جنود إلى قطر، مع وجود عشرة آلاف عسكري أمريكي و (معاهدة الدفاع عن قطر)، لدليل شبه قاطع بأن الوضع ماض بالفعل إلى التأزيم نحو المواجهة، و ما فعلته تركيا ليس و لن يكون دفاعا عن نظام الحكم في الدوحة، ببساطة لأنها أعجز من أن تفعل، و إنما كما نفهم هي خطوة استعراضية لابتزاز الطرفين ليس أكثر، و متى دقّت الساعة الأمريكية فلا بد لعقاب تركيا أن تتوقف. و الخلاصة هنا أن خطوة تركيا ما كانت لتكون لولا استشعارها لجدية تدهور الأوضاع.

ما يمكنني أن أختم به هذا المقال ثلاثة نقاط:

أولا- على دول المغرب أن تحتاط جديا لما هو قادم عليها، و أن تضع النخب نصب عينيها نتيجة عمالة نظيرتها في المشرق، و لتتحسّس من الآن مصير شعوب المنطقة و مستقبلها.

ثانيا- ما لم تتدارك نخب العقلاء في دول الخليج جميعها، و تعمل بقوة و جد للجم العقل الغرائزي المتبدون لدى طبقة حكامها، فعليها من الآن أن تجتهد في ضمان دول اللجوء، و ضمان حصص الأونروا قبل أن ينسفها نتياهو.

ثالثا- إذا مضى حكام دول الخليج بهذه السياسة ذات العقل القبلي المتحجر، و صممت على المكابرة على جري عادتها، فلتسجل أن مصير ملوكها و أمرائها لن يختلف في شيء عن مصير من خربت أنظمتهم و دمرت دولهم.

و ساعتئذ حتى بليد العقل لن يجد صعوبة في الجواب على سؤال: في مصلحة من هذه الحروب؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد