آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمود بوناب
عن الكاتب :
كاتب تونسي

أزمة الخليج: “اكذب.. اكذب وسوف يصدقك الناس″!

 

محمود بوناب

المعروف عن بلدان الخليج العربية أن المسؤولين فيها والنخب وحتى عامة الناس عادة ما لا يتقبلون برحابة صدر خوض أي إنسان غير خليجي في شؤون منطقتهم ويعتبرون ذلك من باب التطاول إن كان الأمر يتعلق بانتقاد الأوضاع أو حتى تحليلها بتجرد، أو من باب التطفل على ما ليس لنا علم به، لأن الخليجيين على قناعة راسخة أن لمنطقتهم خصوصياتها التي تميزها عن بقية العالم العربي ولا يعرفها ويفهمها سوى أهلها.

 

وإذا ما نشب أي نزاع بين طرفين خليجيين، فإنهم يتعاملون مع الآخر وفق مبدأ “إن لم تكن معي، فأنت ضدي”. وفي هذا لا تقبل أنظمة الحكم والنخب الخليجية أي قسمة لأن المطلوب من الجميع الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك بكل حمية، وتعصب إن لزم الأمر، بقطع النظر عما إذا كان ذلك الطرف في موقع “الظالم” أو في موقع “الضحية”!

 

غير أن المتابع للترسانة الإعلامية الضخمة التي تملكها أو تمولها دول الخليج، والتي أنفقت عليها مليارات الدولات في إطار المنافسة المحمومة فيما بينها لخدمة أهدافها وأجنداتها الداخلية والخارجية، لا يحتاج إلى وقت طويل ليتبين أن ما تقدمه القنوات الخليجية في تغطيتها مستجدات الأزمة الحالية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، يفتقر إلى الحد الأدنى من التوازن والمهنية، وينم عن استخفاف كبير بالإنسان الخليجي والعربي وعن جهل تام بالتطورات التي طرأت على المشهد الإعلامي العربي والدولي.

 

ف”الإسهال الكلامي” المتدفق من تلك القنوات مثير للسخرية والإشمئزاز، ولا علاقة له بالإعلام، بل هو “بروباغندا” مبتذلة ومقتبسة بشكل سيئ عن النظرية المنسوبة للزعيم النازي جوزيف غوبلز الذي قال “إكذب وتمادى في الكذب وسوف يصدقك الناس″!

 

إن من يشاهد الفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعي التابعة للجانب السعودي الإماراتي مثل “العربية” و”الحدث” و”سكاي عربية”، يخرج بانطباع مفاده أن قطر لم تعد كما وصفها السفير السعودي السابق في واشنطن بندر بن سلطان عام 2013 بأنها “ليست سوى 300 شخص.. وقناة تلفزيونية، وهذا لا يشكل بلدا”، وتحولت بقدرة قادر إلى دولة عظمى تمارس أبشع أصناف الهيمنة والطغيان على جيرانها الطيبين المسالمين، وتملك ترسانة مخيفة من الأسلحة والمعدات ومخزونا هائلا من الأموال تقوم القيادة القطرية بتوزيعها على شتى الحركات الإرهابية لترويع الخليجيين وزعزعة أمنهم ونشر التخريب والفوضى بينهم.

 

أما على الجانب الآخر، فإن المتابع للقنوات والصحف القطرية، سواء شبكة الجزيرة أو الفضائية القطرية أو منصات التواصل الإجتماعي الموالية للدوحة، سيتبين أن لا صوت يعلو فوق الصوت القطري الذي يصور لنا بلاده على أنها المدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون.

 

وعلى الرغم من أن قطر تضم كفاءات إعلامية وأكاديمية قادرة على تحليل الموقف بتوازن ومصداقية، إلا أن المحللين القطريين المسموح لهم بالتحدث والظهور أمام الرأي العام في الداخل والخارج، يجعلونك تتمنى لو كنت فاقدا للذاكرة لتصدقهم، إذ يعطونك انطباعا بأنك لا تعيش في بلد “قناة الرأي والرأي الآخر”، بل في “كوريا كيم ايل سونغ” أو في “ألبانيا أنفر خوجة”، لما يتسم به الخطاب الإعلامي القطري من جمود في التحليل وارتباك في الطرح وضعف فادح في الحجة والإقناع!

 

الملفت للإنتباه أن هناك إجماعا بين القنوات القطرية والسعودية الإماراتية وتسابقا محموما بينها في التهافت على التغطية الفورية لكل ما يأتي من واشنطن من مستجدات حول الأزمة الخليجية، وما يصدر بشأنها من تصريحات من البيت الأبيض أو من أي سكرتير في الخارجية. لكن الغريب في الأمر أن كل طرف يقوم بتأويل تلك الأحداث والتصريحات على هواه، لا بل إنهم في بعض الأحيان لا يجدون حرجا في تحريفها او مجرد الإكتفاء بعرض ما يتناسب مع مواقفهم ويؤيدها وقطع ما تبقى.

 

وأمام انعدام الموضوعية في الطرح والتوازن في تغطية مستجدات الأزمة في وسائل الإعلام الخليجية، لا عجب في أن بعض الكتاب والمحللين العرب يعتمدون مواقف عدمية إذ لا يُخفِون “شماتتهم” تجاه البلدان الخليجية ويعتبرون أن النزاع بين السعودية والإمارات وقطر ليس سوى مصير محتوم ونتيجة طبيعية للخيارات والحسابات الخاطئة لحكام تلك البلدان وسوء تقديرهم للمجريات الإقليمية والدولية وخنوعهم المطلق للإرادة الأمريكية وتبذير مواردهم المالية الطائلة في التآمر ضد مصالح الشعوب العربية وشراء الذمم والولاءات وخدمة أجندات قذرة.

 

ويذهب بعض المحللين دونما حرج أو حتى إحساس بالذنب إلى حد التشفي من “الأشقاء”، فيزعمون أن التناحر بين البلدان الخليجية هو أفضل وسيلة للتخلص من هيمنة تلك البلدان على المشهد العربي لا سيما بالنظر إلى ما اقترفته حكوماتها وأجهزتها المختصة من جرائم في حق السوريين والليبيين واليمنيين…

 

وإذا ما سلمنا بأن الأزمات تمثل اختبارا حقيقيا لوسائل الإعلام ومدى تأثيرها في الرأي العام، فإننا لا نحتاج إلى جهد كبير ليتبين لنا أن وسائل الإعلام في دول الخليج العربية خاضعة تماما ماليا وتحريريا لأنظمة الحكم التي تملكها وتمولها وتتحكم في رقاب العاملين بها وتوجهها حسب أهواءها وغرائزها، وأن ما يزعمونه من حرية وتنوع في الآراء ومهنية في الأداء ليست سوى مغالطات وضحك على الذقون، وأن بعض الإعلام العربي كنظيره الخليجي ما زال يفتقر إلى النضج والتوازن للتعامل مع التحديات بما تقتضيه المسؤولية القومية تجاه الشعوب العربية في هذه الأوقات العصيبة من احترام واتزان ومصداقية.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد