آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الوهاب الشرفي
عن الكاتب :
‏‏‏محاسب قانوني معتمد ، رئيس مركز الرصد الديمقراطي (اليمن) ، كاتب ومحلل سياسي .

قطر ليست إلا البداية والفترة القادمة هي مرحلة مختلفة


عبدالوهاب الشرفي

ليست الأزمة الخليجية إلا أول خطوة في مسار تم وضع حجر الأساس له أثناء زيارة ترامب للرياض و كانت البداية من قطر التي فجرت الأزمة معها على خلفية محددة تم التصريح بها في بداية الأزمة لإيصال الرسالة و بعد إيصالها تم التحول إلى الحديث عن  “الإرهاب” و الإخوان “وكل هذا الحديث المتأخر يمثل غطاء للمطلب الأساسي من قطر  فالخلفية الحقيقية لتأزيم معها و الذي تم الحديث عنه في البداية  هو “انقلابها على مخرجات قمة الرياض” أي تسوية موقفها سياساتها الخارجية باتجاه القطيعة و التصنيف كإرهاب فيما يتعلق بإيران و حزب الله وحماس.

مرحلة التطبيع مع الكيان الصهيوني من تحت الطاولة استمرت خلال عقود مضت و جاء ترامب ليعمل على إحداث نقلة في علاقة ” حلفائه ” مع الكيان الصهيوني لتدخل مرحلة التطبيع من فوق الطاولة و هو أمر يراد أن يتم الوصول إليه في العام القادم 2018 م بحسب مخرجات قمة الرياض التي بارك المجتعون فيها إعلان النوايا بإنشاء ” تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في الرياض ” في العام 2018م .

الحديث عن إعادة تشكيل الخارطات في المنطقة حديث كبير و يتم الترويج له عمدا و تقديمه تحت عناوين عدة ك ” الشرق الأوسط الجديد ” و الشرق الأوسط الكبير ” ، لكن هذا الحديث هو جزء من الأحاديث الموجهة عمدا في سبيل ضرب الواقع الاجتماعي و السياسي للدول العربية و دفعه في الاتجاه المراد ، وخصوصا إذا ما راعينا أن الحديث عن منطقة شرق أوسط جديد أو كبير لا يعني ابتداء تغيير خارطات دولها ” فالمنطقة ”  هي خارطة تجمع دول وليست خارطة دول  .

التوجه الجديد في المنطقة العربية المحيطة بالكيان الصهيوني  تحت عنوان ” الشرق الأوسط ” هو باتجاه تهيئة كل الدول العربية المحيطة بالكيان الصهيوني للتطبيع العلني معه ،وهذا الأمر بطبيعته يتطلب أمرين الأول بالنسبة للحكومات  الحليفة للولايات المتحدة و المطبعة من تحت الطاولة التي عليها إنهاء أي علاقة مع إيران و تصنيف المكونات التي تمثل خطرا على الكيان الصهيوني كمكونات إرهابية كحماس وحزب الله ومن ثم يفرض على هذه الدول إعلان الحرب عليهما باعتبارهما قد صنفتا إرهابا  ، و الأمر الأخر هو بحق الحكومات غير منخرطة في التطبيع من تحت الطاولة ولو لم تكن منتمية لمحور المقاومة وهذه الحكومات ستكون أمام خيارين أما أن تنخرط في مشروع التطبيع أو يتم العمل على استبدالها أو-  إكمال العمل على استبدالها –  بحكومات قابلة للسير في مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني .

وفقا لروية الصهيونية العالمية أن حل كثير من الملفات المتعلقة بالكيان الصهيوني تتطلب تغيير الخارطات ، ولكن المرحلة التي نحن بصددها ليست مرحلة تغيير للخارطات لسبب واضح وبسيط هو أن تغيير الخارطات يتطلب أولا تغيير النظام العالمي السائد حاليا و الذي يجعل أي عمل لتغيير الخارطات الآن غير ممكن و لن يكون ممكن قبل تغيير هذا النظام العالمي و تغييره يتطلب أولا  إشعال حرب عالمية ثالثة يتم عقبها إرساء نظام عالمي جديد كما أرسي النظام العالمي الحالي بعد الحرب العالمية الثانية .

تغيير الخارطات هو هدف ولكنه هدف بعيد المدى أي أنه لم يتم الوصول لمرحلة البدء به ، ويجب الانتباه لأننا لسنا في مرحلة نظامية تشبه مرحلة السايس بيكو وتغيير الخارطات بتلك الطريقة هو أمر غير ممكن حاليا ، ومع ذلك يبدو الضخ باتجاه تغيير الخارطات كبيرا وموجها لكن الهدف منه حاليا ليس الوصول لتغييرها وإنما استخدام هذا الإيهام للتأثير على المجتمعات واستخدامها باتجاه هدف المرحلة المتمثل في الانتقال لمرحلة التطبيع مع الكيان الصهيوني من فوق الطاولة ، بمعنى إيهام الشرائح المجتمعية بان التوجه الدولي هو لتغيير الخارطات وبالتالي تندفع هذه الشرائح باتجاه النضال لهذا الهدف بينما الهدف المراد هو أمر أخر يتمثل في إحداث زعزعة ديمغرافية تحت الحكومات الغير منخرطة في مشروع التطبيع لتعديل موقفها أو استبدالها بحكومات تكون مستعدة للمضي في هذا الطريق .

قطر كانت البداية في العمل السياسي المخرج لهدف المرحلة ، وبينما كانت الكويت تتوسط لحل الأزمة الخليجية كان محمد بن زايد يصرح لأحدى صُحفه أن الكويت و سلطنة عمان هما أيضا يتبنيان سياسات لاتنسجم مع سياسات مجلس التعاون الخليجي و المعنى هو ذاته المعنى في حق قطر  بانقلابها على مخرجات قمة الرياض أي المرونة التي تبديها هذه الدول في سياساتها الخارجية تجاه إيران  و / أو تجاه حزب الله و حماس و حتى أنصارالله في اليمن غير مقبولة و يجب أن تنتهي .

إذا نحن أمام مرحلة يباع فيها الوهم بتبديل الخارطات و وهم محاربة الإرهاب لإحداث زعزعة ديمغرافية بينما الهدف الحالي-  أو المرحلي  –  هو صياغة الحكومات و صياغة سياساتها الخارجية وخصوصا في إطار الصراع العربي الصهيوني بالشكل الذي يتقبّل إسرائيل كدولة شرق أوسطية حليفة لدول المنطقة وعلنا.

أسلوب العمل الذي بدء من قطر هو أسلوب خطير للغاية و إثره لن يقف عند قطر و بصورة أعم لن يقف عند الحكومات و سيصل للمكونات داخل كل الدول المحيطة بالكيان الصهيوني بل سيصل مع الزمن إلى كل الأفراد داخل مجتمعات هذه الدول .

هذه المرحلة التي دشنت من قطر هي مرحلة ستكون صعبة على الجميع فحجم الضغط الذي سيصب على الجميع دولا ومكونات بل وسيصل إلى الأفراد كبير و باتجاه تحديد الموقف ” بصرامة ” باتجاه أحد  الاتجاهين أي  مع قبول الكيان الصهيوني كدولة شرق أوسطية كاملة الحضور في المشهد أو مع رفض حضور هذا الكيان في مختلف أوعية وعلاقات المنطقة ، ولابد أن تفرز هذه السياسات القادمة واقعا ديمغرافيا و سياسيا جديد .

سيكون الجميع أمام تحولات و تبدلات دراماتيكية سريعة الديناميكية لن يبقى فيها مكون بصورته الحالية ، جميع المكونات ستكون تحت الفرز و سنشهد تشكل لخارطات مكوناتية جديدة في الواقع الاجتماعي و السياسي في المنطقة  ، فالقضية ليست المكون الفلاني أو المكون العلاني وإنما ستكون من في هذا المكون أو ذاك مع توجه التطبيع ومن فيه مع غير هذا التوجه ، و بناء على ذلك ستولد مكونات واتجاهات مجتمعية و سياسية جديدة  ناتجة عن تصدع المكونات الحالية و لتكون محددة الموقف و التوجه بوضوح و حاملة للولاء باتجاه أي من الاتجاهين في المنطقة  أي مع أو ضد و بجدية وصرامة غير مسبوقين .

عندما تقول الدول المخاصمة لقطر أن قطر انقلبت على مخرجات مؤتمر الرياض ، وعندما يقول محمد بن زايد أن الكويت و سلطنة عمان أيضا لايتبنيان السياسات المنسجمة مع مجلس التعاون الخليجي  فذلك يعني أن الحكومات الحليفة أو المحايدة ستكون  تحت الضغط لتحديد الموقف هنا أو هناك ، و عندما تتحدث الولايات المتحدة أنه لايمكن تصنيف تنظيم الإخوان ككل كمنظمة إرهابية وإنما هناك إجراءات اتخذت وستتخذ تجاه مجموعات أو مكونات داخل هذا التنظيم فذلك يعني أن المكونات السياسية و الاجتماعية ستكون  تحت الضغط لتحديد الموقف هنا أو هناك كذلك ، وعندما تصدر السعودية و الإمارات ومن معهما قائمة بأفراد و بمكونات تتهمها بالإرهاب فذلك يعني أن الأفراد أيضا سيكونوا تحت الضغط كذلك لتحديد الموقف هنا أو هناك .

هذا الأمر قد يبدو غير واضحا تماما أو قد يصعب تصور أن التوجه هو باتجاهه و السبب هو حجم التداخلات و المفارقات الحاصلة بين مختلف الحكومات و المكونات تجاه نقطة الانضمام لأي من الاتجاهين في المنطقة  فالسعودية و الإمارات مثلا و اللتان تضغطان على قطر لتحديد موقفها من إيران وحزب الله وحماس  هما ذاتهما على علاقة بمستوى ما مع إيران و / أو حزب الله و حماس ، كذلك قطر هي من الدول الداخلة في التحالف الأمريكي في المنطقة ومع ذلك تحتفظ بعلاقات مع إيران التي تحاربها في سوريا و تحتضن حماس و لا تبدي موقف متطرفا تجاه حزب الله ،  لكن ما يجب الانتباه له هنا هو أن المستهدف أساسا في هذه المرحلة هي هذه التداخلات و المفارقات في المواقف وانتهائها يتطلب فترة زمنية حتى تصل الأمور إلى التحديد الواضح و الخالص في أي من الاتجاهين .

لسنا بصدد تغيير الخارطات رغم كل الضخ الإعلامي في هذا الاتجاه وما نحن بصدده هو تحديد الموقف تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني ، و الفترة الزمنية التي أمام هذا التوجه ليست مرنه فهي لا تتعدى الأشهر أو لنقل عام و عدة أشهر فلا يجب أن ينتهي العام 2018 م إلا وقد أنجزت السعودية ومن معها  ما أعلن عنه  في قمة الرياض عن نوايا إنشاء تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي ” و المنطقة بانتظار الخطوات التالية بعد التأزيم مع قطر و تداعيات التأزيم معها كذلك .

وتضل مرحلة تغيير الخارطات مرحلة مؤجلة فقط إلى حين وسيتم الدفع عند التوجه لها باتجاه الاصطدام لفرض انهيار النظام العالمي الحالي أولا لتتاح عند ذلك  الفرصة لإعادة تشكيل المنطقة بما ينسجم مع أمن وتفوق الكيان الصهيوني و معالجة مختلف ملفاته العالقة كملف المبعدين الفلسطينيين وغيره ، و الدفع في هذا الاتجاه قد يُنتظر له إلى الانتهاء من مرحلة الفرز و التطبيع العلني الذي دلفنا فيها الآن كما قد يتم التحول إلى الدفع باتجاه الاصطدام الكبير ومن ثم تغيير الخارطات دون انتظار نتائج هذه المرحلة في حال اثبت الواقع أن النتائج المرجوة غير قابلة للتحقق و بالطبع ما سيستخدم  لتقويض العالم هو الإرهاب والذي تديره الصهيونية بدرجة رئيسية .
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن )

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد