آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد القادر غالب
عن الكاتب :
مستشار قانوني و رئيس دائرة الشؤون القانونية لبنك البحرين و الكويت و أستاذ قوانين الأعمال و التجارة بالجامعة الأمريكية بالبحرين

الإجراء خارج الاختصاص

 

عبدالقادر ورسمه غالب

في بعض الحالات، يتم اعتبار الإجراء الذي تقوم به إدارة الشركة «خارج الاختصاص» (ألترا فيرص) وإذا تم هذا الاعتبار فإن هذا الإجراء المعني يفقد الصلاحية القانونية لأنه «خارج الاختصاص» الواجب الاتباع. وفي هذا الخصوص فإن كل الشركات، وحتى تحصل على الترخيص اللازم لممارسة أعمالها، يجب أن توضح أهدافها وأنشطتها بصورة واضحة. ويتم منح الترخيص لهذه الشركات بموجب هذا، أي الترخيص لها بممارسة الأعمال والأهداف المذكورة في أوامر تأسيس الشركة ونظامها الأساسي. وربما تكون الأهداف غير مقبولة، لأي سبب للجهات المختصة ويرفض الترخيص.

 

لذا، ونظرا لأن الترخيص مربوط بتنفيذ الأعمال والأهداف، فإنه يجب على إدارة الشركة الالتزام بتنفيذ تلك الأعمال والأهداف المذكورة التي شملها الترخيص. وتكون إدارة الشركة مسؤولة تماما عن تنفيذ هذه الأعمال والأهداف وفق أفضل الممارسات وباتباع كل السبل الكفيلة بتحقيق أعلى وأفضل النتائج للشركة وملاكها وأصحاب العلاقة بمن فيهم أفراد المجتمع.

 

إن واجب إدارة الشركة الحرص على تحقيق هذا البرنامج المرخص. ولكن، وفي جميع الأحوال، هناك خط فاصل يجب على إدارة الشركة عدم تجاوزه بأي حال من الأحوال. وإذا تم تجاوزت هذا الخط الفاصل، ووفقا لنظرية «الإجراء خارج الاختصاص» فإن عمل إدارة الشركة يصبح غير صحيح بل يكون مخالفا للقانون ومرفوضا تماما لأنه يصبح إجراء «خارج الاختصاص»، وهذا «الخروج من الاختصاص» أي تجاوز الصلاحيات لا يجوز قانونا. وإن كان لا بد، وطرأت الحاجة للقيام بأعمال وأهداف جديدة، فعلى إدارة الشركة، وبكل بساطة، إضافة الجديد ليصبح من ضمن أهداف الشركة إذا كان ذلك ممكنا ولا يخالف القانون.

 

لتحقيق الأهداف، مثلا، يتم الترخيص للبنوك لممارسة الأعمال المصرفية ويتم الترخيص لشركات الطيران للنقل الجوي، فهل تتفرغ إدارة هذه الشركات لشراء الأراضي والعقارات وتشييد العمارات والمجمعات لأنها في زعمهم تحقق أرباحا أكثر وأسهل وفي فترة وجيزة مقارنة بالبنوك وشركات الطيران. قطعا، إذا تم هذا، فإن الإجراء يعد خارج الاختصاص (ألترا فيرص) وغير قانوني ويرتد على من قام به لأنه تجاوز حدوده وتجاوز صلاحياته واختصاصه. وبالطبع، فإن الأمر نفسه ينعكس على الشركات العقارية وشركات التطوير والتشييد إذا مارست أعمال البنوك والطيران. لأن كلا من هذه الشركات تم الترخيص له لمباشرة مهام ولتنفيذ أعمال وأهداف معينة، ولا يجوز ترك هذه الأعمال والأهداف لممارسة غيرها، حتى لا يختلط «الحابل بالنابل» وتتداخل الأمور مما يسبب ربكة في قطاع الأعمال والخدمات والتجارة وغيرها.

 

إن الفلسفة من وراء عدم السماح بعمل أي «إجراء خارج الاختصاص» ورفضه قانونا تهدف في الأساس لحماية المساهمين والمستثمرين وأيضا أصحاب المصلحة، وهم جميعا لديهم أسهم في هذه الشركات أو استثمروا فيها أو يتطلعون لدورها المحدد، استنادا على معرفتهم المسبقة للأعمال والأهداف التي تم منح الترخيص للشركة للالتزام بتنفيذها. والإجراء خارج الاختصاص وتجاوز إدارة الشركة لحدود الأعمال والأهداف المرخصة يسببان مخاطر جمة للمساهمين والمستثمرين وأصحاب العلاقة. وهذا أمر قانوني وحتمي يجب التقيد التام به طيلة عمر الشركة، وإلا سيحدث ما لا تحمد عقباه على الاقتصاد والتجارة وكل العمل المؤسسي. أيضا، عند منح الترخيص يتم أخذ أمور قانونية عدة في الاعتبار وعليه فإن السماح بالتجاوز قد يؤدي إلى السماح بتجاوز القانون والالتفاف عليه.

 

ولذا فإن قفل الباب لا يفتح الفرصة للالتفاف على القانون.

 

في قضية شهيرة أمام المحاكم الإنجليزية، تم وضع المبادئ القانونية الخاصة بالإجراء «خارج الاختصاص». ومن وقائع هذه القضية، يجوز للشركة القابضة للقطارات شراء القطارات وعربات وخطوط السكة الحديدية والمحطات المرتبطة بها، ولكن إدارة الشركة وبحثا عن الأرباح السريعة والسهلة دخلت في مجال شراء وبيع الأسهم والمضاربة فيها. هذا الإجراء، وعلى الرغم مما حققه من أرباح سريعة للشركة، إلا أن المحكمة العليا في إنجلترا اعتبرته إجراء «خارج الاختصاص» أي إن إدارة الشركة قامت بإجراء غير قانوني وعليها تحمل النتائج المترتبة على ذلك الإجراء ومهما «حسنت» النية و»صفت» الضمائر و»زادت» الأرباح.

 

الإجراء «خارج الاختصاص» يربطه كثيرون بأعمال الشركات والمؤسسات التجارية، ولكنه لا يقف في هذا المكان فقط بل يتعداه ليشمل الأعمال في كل المجالات الإدارية والتنظيمية والمالية وغيرها. وهو ينطبق كلما كان هناك تجاوز للحدود والخطوط والصلاحيات والسلطات.

 

ولخدمة المجتمع وتقنين العمل، فإن لكل فرد أو منشأة هدفا محددا يجب تنفيذه وعدم الخروج عنه، وعليهم السعي في شتى المجالات والأعمال، ولهذا وجهنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله «اعملوا فكل ميسر لما خلق له». وفوق هذا، قال الله تعالى (إن سعيكم لشتى..)، وهذه منظومة متداخلة يكمل فيها البعض بعضه الآخر في إطار سليم لا يجوز تجاوزه حتى لا يكون الإجراء «خارج الاختصاص» ويحدث التضارب وتعم الفوضى، ولنحرص دائما على العمل داخل نطاق الاختصاص حتى يؤتي عملنا ثمره.

 

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2017/06/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد