قصة وحدث

قصة وحدث: الهوية لا تسلبها جرة قلم #الشيخ_عيسى_قاسم


رحمة عبدالله ..

خرج مكبراً، هاتفاً “هيهات منّا الذلة” فور قيام السلطة البحرينية بتجريده من جنسيته في محاولة منها لطمس هويته ناصعة البياض وتاريخه المشرف الضارب في عمق تاريخ تراب وطنه وفي قعر بحرها كلؤلؤها الفريد نوعه ..

أصدرت السلطة البحرينية جملة أحكام مسيسة ضد المواطنين على خلفية حراكهم الشعبي المطالب بإصلاحات سياسية جذرية في البلاد وفي تمادٍ منها عمدت في 20 يونيو عام 2016 م إلى إسقاط الجنسية البحرينية عن الشيخ عيسى أحمد قاسم، الأب الروحي للثورة والشعب.

 

من هو الشيخ قاسم؟

الشيخ عيسى أحمد قاسم من مواليد عام 1941 ميلادي الموافق 1361 هجري- تصادف الأيام الأولى لبداية الحرب العالمية الثانية- في قرية الدراز القريبة من العاصمة المنامة، هو عالم دين شيعي  وناشط سياسي واجتماعي، حائز على إجازة في العلوم الإسلامية والشرعية، وكان عضوا في كل من المجلس التأسيسي والمجلس الوطني البحريني، وهو عضو في الهيئة العليا للمجمع العالمي لأهل البيت والمرشد لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية. كما أنه تولى منصب رئيس المجلس الإسلامي العلمائي سابقاً، ويقيم صلاة الجمعة في جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز ، ويمتلك أكبر قاعدة شعبية في البلاد، وله العديد من المواقف الوطنية.

 كان والده الحاج أحمد بن الحجي قاسم، والذي يعود نسبه إلى الحاج عبد الاثني عشر، يمتهن الصيد (بحّار) منذ صباه، حيث كان الصيد هو الحرفة الغالبة التي  يحترفها أهل المنطقة عموماً، إلاّ أن هذا المولود سرعان ما خطف الموت أباه عنه، فلم يكمل سننه الأربع حتى أصبح يتيم الأب، فأخذت والدته ابنة الحاج يوسف بن الحجي محمد المرزوق دور الأمومة والأبوة.

اشتهر الشيخ قاسم بحدة ذكائه بين أقرانه أثناء دراسته في المدارس النظامية، وحرصه الشديد في الالتزام بحكم الشرع في تحركاته واهتمامه ببث الوعي الديني منذ ذلك الحين. فتعلم القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، وفي نفس الوقت الذي كان يدرس الثانوية كان يذهب في الليل لتلقي الدروس الدينية على يد الشيخ عبد الحسين حلي، و العلامة العلوي الغريفي في منطقة النعيم، وبعد تخرج من الثانوية في المنامة انتقل مباشرة إلى كلية المعلمين حتى نال شهادة التدريس سنة 1959م، والتحق بمهنة التدريس عام 1960.

 

الهجرة لاكتساب العلوم الدينية

وبهدف التحصيل العلوم الدينية، قرر في عام 1962 م الذهاب إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الدينية وقد تتلمذ على يد السيد محمد باقر الصدر،كما وانضم إلى كلية الفقه وحصل على البكالوريوس في فرع الفقه والشريعة.

وفي عام 1968 عاد إلى البحرين ومارس مهنة التدريس في مدرسة الخميس الإعدادية وبعد سنتين هاجر مرة أخرى إلى النجف والتحق بالدراسة الحوزوية عام 1970 ودرس على يد كبار الفقهاء هناك.

وفي عام 1992م هاجر إلى مدينة قم المقدسة في إيران لتحصيل المزيد من المراتب العلمية، وواصل دراسته على يد أساتذتها أمثال السيد محمود الهاشمي و السيد كاظم الحائري و فاضل اللنكراني.  وفي عام 1999م بدأ بإلقاء دروس (البحث الخارج) في مسجد أمير المؤمنين (دورشهر) ثم في الحسينية البحرانية (قرب حرم السيدة المعصومة)،  ثم عاد إلى البحرين في 8 مارس 2001 بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني.

 

صوت ضمير الأمة..

حين اختارت السلطة تصعيد انتهاكاتها ضد المعارضين والنشطاء بمختلف الأساليب من اعتقالات تعسفية وأحكام مشددة وسحب الجنسية البحرينية عنهم ومنحها للأجانب، ومارست شتىء أنواع  القمع الميداني ضد المتظاهرين المدنيين مستخدمة الرصاص الحي والغازات السامة، وصولاً إلى إصدارها أحكام إعدامات والتي نفذت بعضها.. كان للشيخ قاسم مواقفه الوطنية مما يجري من حوله.. تجده يصدح بالحق من على منبره رافضاً للاستبداد والظلم.. فكان لا يخشى في الحق لومة لائم .

وحول قضية إسقاط الجنسية عن المواطنين، أكد سماحته أن ذلك يأتي في ظل غياب الرادع، قائلاً: “يستمر إسقاط الجنسية ويتهدد كل مواطن لا ترضاه السلطة، والبحرين بلحاظ ما يجري على الأرض، وإجراءات أمنية من السلطات هو وضع لا ينتسب لخلفية من أحكام الدين ولا دستور عادل ولا مصلحة وطنية، إنه وضع خارج تماماً عن الحقوق، وضع من أوضاع الغاب ومتخلف كل التخلف”.

 

الجنسية ليست أوراق تسحب ..

لم تضع السلطة البحرينية نصب عينيها الأمور بموازاة العقل ولا التروي في اتخاذ هكذا قرار قد يصل بها إلى ما لا يحمد عقباه، فأعلنت وزارة الداخلية في الـ 20 من يونيو 2016 المصادف ليلة النصف من شهر رمضان المبارك سحب الجنسية عن الشيخ قاسم زاعمة بقولها: "لما  كان الشيخ قد اكتسب الجنسية البحرينية ولم يحفظ حقوقها وتسبب في الإضرار بالمصالح العليا للبلاد و... وبناء على أحكام قانون الجنسية البحرينية ..المادة العاشرة فقرة (ج) منه ...، أصدر مجلس الوزراء قراراً بالموافقة على إسقاط الجنسية البحرينية عن عيسى أحمد قاسم" ، متهمة إياه بخلق "بيئة طائفية متطرفة والعمل على تقسيم المجتمع"!!.

وفور الإعلان البائس والمفضوح أسبابه وأهدافه، أعلنت غالبية المناطق البحرينية إلغاء الاحتفالات بليلة النصف من شهر رمضان (ذكرى ميلاد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام) حيث توجهوا رجالا ونساءا وأطفالا إلى الدراز..  أمام منزله دفاعاً عما يمثله الشيخ من رمزية وطنية.. واحتجاجاً على هذا القرار لبسوا أكفانهم في إشارة إلى التضحية بكل نفيس وغالي من أجل سماحته والمبادئ العادلة التي تتمثل فيه.. بينما الشيخ الجليل استقبل القرار بشموخ وتحدي..  خرج من منزله مكبّراً وهاتفاً “هيهات منّا الذلة” أمام المحتجين فالجنسية ليست مجرد صدور أوراق وتزول بسحبها.. فالهوية تاريخ وجذور لا تمحى..

 

ستقلب المعادلات..

 “خطوة جنونية حمقاء تهدف للانتقام من سماحته على سجلّه النّاصع في الوقوف مع أبناء شعبه المظلومين” ، هكذا رأى تيار الوفاء الإسلامي  القرار .. وفي ذات السياق اعتبرت حركة حق أنه “سيقلب المعادلات”، وأن الشعب البحريني لن يقف مكتوف الأيدي أمام تعرض رموزه للاستهداف. وأكدت الحركة على وقوفها التام مع كبار العلماء وفي مقدمتهم الشيخ قاسم  مشددة على “ضرورة الدفاع المستميت عن هؤلاء الرموز الكبار’’.

انتهاك صارخ لحقوق المسلمين الشيعة..

وعلى مستوى الدولي.. قوبل القرار بانتقادات واسعة.. اعتبرت الأمم المتحدة أن القرار "غير مبرر" وفق القانون الدولي، كما أبدأت الولايات المتحدة قلقا بشأن الإجراء. فيما اعتبرته منظمة هيومن رايتس ووتش انتهاكا صارخا لحقوق المسلمين الشيعة في البحرين، وقالت في بيان أصدرته إنه يشكل "تعديا خطيرا يهدف إلى تركيع الأغلبية الشعبية في البلاد عبر التهديد والتنكيل والاستبداد المستمر من قبل السلطة الفاشية هناك".

بدورها، حذرت إيران بأن "التعرض للشيخ عيسى قاسم هو خط أحمر لدى الشعب البحريني يشعل تجاوزه النار في البحرين والمنطقة بأسرها". كما دان حزب الله  القرار، واصفه بالخطوة بـ"غير المسبوقة وبالغة الخطورة، لما يمثله سماحته من مقام ديني رفيع وموقع كبير على مستوى الوطن والأمة، وضمان حقيقية لحاضر البحرين ومستقبله" ، ومن باكستان أكد مجلس وحدة المسلمين في البلاد أن الحكومة البحرينية الظالمة تجاوزت كل الحدود وأغلقت أبواب الحلول السلمية.

 

السلطة في تخبط ..

كانت السلطة البحرينية متخبطة في قراراتها ، كانت كمن تورط بقرار بحجم إعلانها الحرب على رمز كالشيخ قاسم ..وبتهمة "فريضة الخمس" أخذتها ذريعة مكشوفة فلم تستطعٍ أن تصدر حكمها إلا بعد 11 شهراً تأجيل يتلو آخر  خوفاً من ثورة الشعب الذي كان حاضراً في الساحات لمواجهة أي حكم جائر بحقه.. ورغم التحذيرات والمناشدات لم  تسمع السلطة لصوت العقل وفي محاولة للتمويه منها أصدرت في 21 مايو 2017 م حكمها بالسجن عليه سنة واحدة مع وقف التنفيذ ثلاث سنوات، إضافة إلى مصادرة أموال الخمس في حسابات الشيخ قاسم البنكية، وغرامة مالية تبلغ ١٠٠ ألف دينار.

وبعد صدور الحكم الجائر جرت دعوات لتكثيف الحضور في محيط منزل الشيخ قاسم في الدراز وتجمعت الحشود عند محيط منزله كالجدار والسور المنيع حوله.. كما انتشرت آليات مدرعة ومركبات عسكرية للنظام البحريني..

 

ترامب يصادق على قتل حقوق الإنسان

وبعد يومين من صدور الحكم في حق الشيخ قاسم، أطلقت السلطة قواتها لتمد يد بطشها نحو منزله زاعمة تنفيذها عملية أمنية ضد المعتصمين لتطوق البلدة بالمدرعات والآليات العسكرية وتقتل وتجرح دونما رادع بضوء أمريكي أخضر حيث أشعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قمة العربية الإسلامية الأمريكي في الرياض المدفوعة الثمن من أموال الشعوب لإعطاء حلفائه صك بيع دماء الأبرياء من بلدة العوامية إلى حيث الدراز إلى اليمن البلد الجريح والقائمة تطول..

بينما لازال مصير الشيخ قاسم المحاصر في منزله مجهولاً.. وعشاقه يتلون سورة النصر من قرآن قلبه الحاني على الصغير والكبير.

أضيف بتاريخ :2017/06/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد