آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إبراهيم الأمين
عن الكاتب :
صحفي لبناني ورئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانية

الغليان ــ 2 أمراء الفوضى


إبراهيم الأمين

الحرب التي تشنّها السعودية ــــ مع مصر والإمارات ــــ ضد قطر، لن تنتهي قريباً. هذا، على الأقل، برنامج عمل الفريق الراغب في تطويع قطر وتحويلها الى بحرين ثانية. وحتى قبل أيام قليلة، قال أولاد زايد لضيوف عرب إنهم أعدّوا عمداً لائحة المطالب الصعبة، حتى لا يكون بالإمكان التوصّل إلى حلّ قريب، وإن أبو ظبي والرياض تضمنان عدم حصول تدخل أميركي كبير خلال الفترة القريبة المقبلة.

السؤال عمّا يريده هؤلاء من قطر لا يحتاج إلى جهد كبير للإجابة عنه. فهم يقولون صراحة «إن المسألة لا تتعلق بتحقيق مطلب من هنا أو مطلب من هناك. المطلوب انصياع قطري كامل، ووضع مقدرات الدوحة المالية والإعلامية والسياسية في خدمة المشروع الذي يقوده المحمدان، ونقطة على السطر». وبحسب زوار أبو ظبي، فإن قيادة قطر تعرف هذا الأمر، وهي تحاول أن تحلّ المشكلة بتقديم تنازلات شكلية. لكن الرياض وأبو ظبي والقاهرة لا تقبل بتسويات كالتي حصلت.

طبعاً، في هذه العواصم من يناقش المدة الزمنية ونوعية الضغوط المطلوبة. وهم يفكرون، بجنون غير مسبوق، في أنه سيصار إلى جعل قطر تنفق أموالها ثمن حليب للأطفال، وأن عملتها الوطنية ستتدهور، ومشاريعها العملاقة ستتجمّد، وأنها ستنقطع عن العالم، وسيدفع المتضامنون معها أثماناً كبيرة، وأن عواصم كثيرة في المنطقة والعالم ستضطر إلى الاختيار بينها وبين كل الخليج.

لكن، على ماذا يعوّل هؤلاء؟

بحسب استنتاج بعض الزوار، فإن ابن زايد وابن سلمان يتحدثان، براحة تامة، عن الموقف الأميركي. بل أكثر من ذلك، يعتقدان بأن واشنطن ستكبح جماح أي محاولة أوروبية للتدخل، وأن الرئيس دونالد ترامب تعهّد بالسير في هذا المشروع، وأن ما ستحصل عليه الولايات المتحدة لاحقاً سيفوق ما حصلت عليه خلال زيارة ترامب الأخيرة للرياض. لكن المفاجئ أن المسؤولين الإماراتيين يتحدثون، باستخفاف، عن معارضة جهات أميركية وأوروبية للخطوة. ويتصرف هؤلاء على أن هذه الأصوات مجرد احتجاجات لن تؤثر في جوهر قرار الإدارة الأميركية الموافق على تطويع قطر في أسرع وقت ممكن.

العاصفة الخليجية هي الإشارة الأقوى إلى اضطرار حكام الجزيرة للبحث عن سبل حماية عروشهم

على أن الكلام عن العقوبات يكاد يكون خيالياً عندما يبدأ السرد: كل عربي أو أجنبي يعمل في دول الخليج سيكون عليه، قريباً، الاختيار بين عمله في السعودية والإمارات وبين عمله في قطر.
وكل شركة أجنبية عليها الاختيار بين عقودها مع أبو ظبي والرياض والدول التي تحت رعايتهما، وبين عقودها مع قطر. وعلى كل فرد عربي أو أجنبي الاختيار بين جواز سفر خال من أيّ أختام قطرية أو عدم دخول بلاد الخليج الأخرى. والأمر نفسه يتعلق بالمجموعات المسلحة الناشطة في سوريا والعراق وليبيا، حيث تعرض أبو ظبي تغطية أي عجز ينتج من قطع هؤلاء علاقاتهم بقطر. ويصل الأمر حدّ تحذير المواطنين الذين تربطهم علاقات قربى وعمل بأن عليهم التعوّد على نسيان قطر، وأن إجراءات منع التضامن مع الدوحة غير قابلة للتراجع. ووصل الأمر في أبو ظبي، مثلاً، إلى حدّ أن المواطنين باتوا يخشون أن تصل إلى هواتفهم رسائل أو فيديوهات أو نصوص تتضامن مع قطر، حتى يخال المرء أن حرباً مقدسة واقعة هناك، وأن القطريين يمثلون تهديداً وجودياً لدول الخليج الأخرى.

أما عن احتمال حصول قطر على دعم إيراني وتركي، فإن أنصار المحمدين يعتبرون ذلك خطوة تصبّ في سياق حملتهما ضد قطر، وسيتم تثبيت اتهام قطر بأنها «عميلة» لأنقرة وطهران. وبالتالي، لن يساعد ذلك قطر في الغرب، بل سيعقّد أمورها أكثر، وستشعر تركيا وإيران، مع الوقت، أن ليس في مصلحتيهما تبنّي المصلحة القطرية على حساب العلاقات مع بقية دول الخليج.

طبعاً، لا يتوقف هؤلاء أمام الوضع الداخلي في قطر، وما يسود الأجواء هناك من حالة استنفار وعصبية وطنية وبروز مظاهر التفاف شعبي حول الأمير الحاكم. هذه كلها أمور تبدو، بالنسبة إلى أبو ظبي والرياض، مجرد «حركات إعلامية» ستزول كلما زاد الضغط على المواطن القطري، وكلما شعر بأن حكومته تأخذه إلى الجحيم.

في قطر، لا تبدو الصورة مريحة تماماً. صحيح أن الاستنفار الدبلوماسي والإعلامي في ذروته، لكن التوتر الكامن ينتشر بقوة لدى مستويات عدة من أبناء الإمارة، سواء ممّن يخشون العيش تحت حصار حقيقي، أو ممّن يشعرون بخطورة الأمر على صعيد حياتهم اليومية وأعمالهم وأسفارهم. ويسأل البعض عمّا إذا كان القطريون سيتعرضون للرذل والإقصاء في العالم إن جرى وسمهم بدعم الإرهاب. لكن ذلك لا يخفي حقيقة أن القطريين عموماً ليسوا متضررين من سياسة حكومتهم خلال العقدين الأخيرين. والفئة التي يمكن أن تحتجّ على توسيع دائرة النشاط السياسي والإعلامي، سبق لها أن عبّرت عن رأيها واقترحت تعديلات، لكن من دون جدوى. وليس في قطر اليوم من يدّعي إمكانية بروز تيار سياسي أو عائلي أو اجتماعي يطالب بتسوية سريعة مع بقية دول الخليج. لكن بالتأكيد هناك أصوات، وإن كانت خجولة، لكنها مسموعة، ترى أنه ليس بمقدور قطر تحمّل عبء كل هذه السياسات. لكن هذه الأصوات ليست بالحجم الذي يعوّل عليه من قبل العاملين على إثارة القلاقل في الإمارة الصغيرة.

حتى اللحظة، يسعى القطريون إلى وضع خطط طوارئ لمواجهة آثار الحصار. وهم يعملون دون توقف ودون تحفّظ مع كل من يساعدهم على معالجة ظواهر الأزمة. لكنهم لا يتجاهلون حقيقة أن مصيرهم رهن الموقف الأميركي. وهم يعملون بقوة لكسر أحادية القرار عند البيت الأبيض، ويأملون أنه، مع الوقت، سيصبح موقف المؤسسات التقليدية الأخرى في الخارجية والدفاع والاستخبارات أكثر نفوذاً، وسيجعلون البيت الأبيض يتراجع عن التفويض الكامل المعطى من قبله لخصوم قطر في المنطقة.

العاصفة الخليجية ليست من النوع المتعارف عليه. وساذج من يتصرف على أساس أنها غيمة وتزول. إنها الإشارة الأقوى إلى اضطرار حكام الجزيرة إلى البحث عن سبل حماية عروشهم، من أعداء الداخل قبل الخارج. ولذلك، فإن مسعى أبو ظبي والرياض لتركيع قطر هدفه ترهيب كل الآخرين، والقائمون على هذه السياسة يعملون بوحي القول الشهير: اضرب الضعيف ضربة ينخلع لها قلب القوي!

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2017/06/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد