آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمود بوناب
عن الكاتب :
كاتب تونسي

تحليل مختلف من شخص اكتوى بنار الدوحة: هذه هي الأسباب “المكبوتة” للازمة القطرية


محمود بوناب

لستُ مؤرخا ولا أدعي أنني بصدد الشروع في كتابة تاريخ الأزمة الخليجية الراهنة بين قطر و”شقيقاتها” في مجلس التعاون. كما أرجو ألا أثقل على قراء هذا المنبر القومي الحر بسرد لبعض الأحداث التي وقعت بين يوم الخميس 27 أبريل ويوم الإثنين 5 يونيو 2017 وقلبت في ظرف أقل من 5 أسابيع المشهد الخليجي رأسا على عقب.

إن استعراض هذه الأحداث يُبين أن الأمور كانت، على الأقل في ظاهرها، تسير على ما يرام ولم تكن هناك في الأفق أي سحب تلبد العلاقات الخليجية. فما الذي حدث خلف الكواليس وفي أروقة القصور الخليجية العامرة كي تنتقل العلاقات بين الأشقاء من “التودد والمصير المشترك” إلى القطيعة الكاملة والحصار الشامل والتهديد بقلب نظام الحكم…وإلى حرب إعلامية ضارية لم تُراعَ فيها أُخوة أو حرمات.

فبين عشية وضحاها، تحولت دولة قطر، التي لا تزيد مساحتها (11.400 كلم2) على 0،05% من مساحة المملكة العربية السعودية (2.500،000 كلم2)، ولا يزيد عدد مواطنيها (250.000) على 1% من مواطني المملكة (بين 25 و30 مليون نسمة)، ولا يمثل إجمالي إنتاجها الداخلي (350 مليار دولار، أغنى دولة في العالم مقارنة بعدد السكان) سوي أقل من 20% من إجمالي إنتاج المملكة (1800 مليار دولار، المرتبة 14 عالميا)، إلى خطر على “الأمن الوطني السعودي نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها.”

لا بد أن شيئا ما خطيرا جدا قد حصل خلال الأيام وربما الساعات القليلة التي سبقت القرار الذي اتخذته الرياض وأبو ظبي والمنامة فجر العاشر من شهر رمضان بقطع العلاقات مع الدوحة ومحاصرتها برا وبحرا وجوا، ثم فرض شروط تعجيزية مستحيلة على الحكومة القطرية وإعطاءها 10 أيام للإذعان لها…

فما الذي حدث يا تُرى؟ لعلّها تلك الزيارة الودية التي قام بها أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى بلدة “أُشيقَر” قرب الرياض، وهي موطن عدة عائلات تنتمي إلى قبيلة “بني تميم” التي تنحدر منها أسرة آل ثاني، قد تكون أثارت حفيظة الجناح المتشدد في الأسرة الحاكمة السعودية رغم أن الملك سلمان، زعيم ذلك الجناح ومُلهمه، قد استقبل الشيخ حمد؟ أم أن زيارة الأمير السابق، الموجود على الدوام في لُب الخلافات السعودية القطرية، لا علاقة لها بمسببات الأزمة الحالية وأن “طبخة” عزل قطر وتحجيم دورها الإقليمي وشيطنتها أمام العالم قد تمت خلال لقاءات الملك سلمان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمناسبة زيارته الأخيرة للمملكة؟

 فقد عاد ترامب من الرياض إلى واشنطن وفي حقيبته أكثر من 450 مليار دولار من الصفقات والعقود والوعود، ولا أحد يعلم ما هو المقابل لهذا السخاء السعودي غير المسبوق في تاريخ المنطقة، وما هي الخطوات المقبلة التي سيتخذها حكام المملكة بعد عزل ولي العهد السابق محمد بن نايف، الذي ما كان ليتم دون مباركة أمريكية، وتعيين الأمير محمد، الابن الأصغر للملك سلمان وليا للعهد، مما يجعله الأول في سلم خلافة والده الذي يجمع الخبراء على أنه قد يتنحى فريبا عن السلطة لأسباب صحية لفائدة نجله الشاب!

لعل قراء “رأي اليوم” سيجدون بين ثنايا هذا التسلسل لبعض الأحداث التي طرأت خلال الأيام القليلة التي سبقت اندلاع الأزمة الخليجية المسببات المنطقية للنزاع بين قطر و”شقيقاتها”:

1-” أمير قطر السابق يزور مسقط رأس “آل ثاني” بأشيقر: زار أمير دولة قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بلدة أشيقر بمدينة الرياض، والْتقى فيها أهالي البلدة الذين قدِموا للسلام عليه. وتَجَوّل الشيخ حمد آل ثاني في الحي التراثي بالبلدة التي كانت من أشهر بلدات نجد، ومحطة تجارية ونقطة توقف على طريق الحجاج، ومسقط رأس أسرة “آل ثاني”. كما زار الشيخ حمد آل ثاني منزل الدكتور عبد المحسن آل الشيخ، الذي أقام مأدبة غداء تكريماً له.” صحيفة “سبق” الإلكترونية السعودية بتاريخ 28أبريل 2017، المقال مرفق بعدة صور.

2-” تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا لاستقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لأمير دولة قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بمدينة الرياض. واستقبل خادم الحرمين الشريفين أمير قطر السابق عقب انتهاء الأخير من زيارة بلدة أشيقر والتجول في الحي التراثي.” صحيفة “صدى” الإلكترونية السعودية بتاريخ 28 ابريل 2017، المقال مرفق بعدة صور.

3-” تداول نشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بيانًا منسوبًا لأهالي “أشيقر” يعلنون فيه رفضهم زيارة أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لمنطقتهم السعودية. ولم يتسن لـ”إرم نيوز” التأكد من صحة البيان الذي يتحدث عن غضب أهالي المنطقة الذين رأوا في الزيارة محاولة لزرع الفتنة والشقاق على حد وصفهم. وأكد الموقعون على البيان المزعوم أن “ولاءهم ثابت لـ آل سعود وأن محاولة اللعب على الوتر المناطقي والقبلي لن تنطلي عليهم بأي حال”. موقع” إرم نيوز” الإماراتي بتاريخ 1مايو 2017، المقال مرفق بنسخة من البيان المزعوم.

4-” استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في قصر السلام بجدة اليوم، أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. ورحب خادم الحرمين الشريفين بأمير قطر، فيما أبدى الشيخ تميم سعادته بزيارة المملكة ولقائه الملك. وجرى خلال الاستقبال استعراض العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين والشعبين الشقيقين. وأقام خادم الحرمين الشريفين مأدبة غداء تكريما لأمير قطر والوفد المرافق له.”. صحيفة “عكاظ” السعودية بتاريخ 1 ماي 2017.

5-” وصل صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر والوفد المرافق إلى الرياض للمشاركة بالقمة العربية الإسلامية الأمريكية. وكان في استقباله في مطار قاعدة الملك سلمان الجوية، صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز نائب أمير منطقة الرياض…ومندوب عن المراسم الملكية.” صحيفة “المدينة” السعودية بتاريخ 20 مايو 2017

6-” اختتمت أعمال القمة الخليجية الأميركية بعد جلسة مغلقة استمرت ساعة ونصف الساعة بمركز الملك عبد العزيز للمؤتمرات في الرياض. وناقشت هذه القمة التي عقدت بحضور ترمب وممثلي دول مجلس التعاون الخليجي، السياسات المشتركة والتعاون بشأن مسائل إقليمية. كما بحثت القمة التي ترأسها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأميركي، التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة لا سيما الوضع في اليمن وسوريا، فضلا عن السياسة الإيرانية في المنطقة، حيث يتفق الطرفان على أن نشاطات إيران في المنطقة تتسبب في عدم الاستقرار.” موقع شبكة “الجزيرة” القطرية بتاريخ 21 ماي 2017

7-أصدرت أسرة آل الشيخ بياناً وقع عليه مجموعة من أبنائها في المملكة العربية السعودية، أوضحت فيه أن دعوة انتماء أمير قطر لذرية الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي دعوة باطلة ومختلقة. كما أكدت الأسرة في بيانها أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن محمد من آل مشرف من وهبة من بني تميم. له 4 أولاد أنجبوا فقط، ومنهم امتدت أسرة آل الشيخ، وهم حسين بن محمد بن عبدالوهاب، وتسمى ذريته (آل حسين)، وحسن بن محمد بن عبدالوهاب، وتسمى ذريته (آل حسن)، وعلي بن محمد بن عبدالوهاب وتسمى ذريته (آل علي)، وعبدالله بن محمد بن عبدالوهاب وتسمى ذريته (آل عبدالله). ومن هؤلاء الأبناء الأربعة فقط وأبنائهم وأحفادهم تنحصر ذرية الشيخ. أما من يدّعي أنه يعود بنسبه إلى الشيخ من غير هؤلاء الأبناء الأربعة داخل المملكة أو خارجها، فهي دعوى باطلة كاذبة ومختلقة، ولا تمت للحقيقة بأية صلة، كأمير إحدى الدول الخليجية الذي قام ببناء مسجد باسم الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بلده، مدعياً أنه جده رغم أن من يتولون الإمامة والخطابة في هذا المسجد لا يمتون بصلة لنهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب. كما طالبت الأسرة بتغيير اسم المسجد لكونه لا يحمل منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لعدم التزام من يتولى الإمامة والخطابة فيه بمنهجه السلفي الوسطي. ومن أبرز الموقعين على البيان: مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، ووزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ورئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله بن محمد آل الشيخ، وأكثر من 200 من كبار أسرة آل الشيخ من علماء وقضاة. موقع قناة “العربية” الأحد 28 مايو 2017.

8- ” صرح مصدر مسؤول أن حكومة المملكة العربية السعودية انطلاقاً من ممارسة حقوقها السيادية التي كفلها القانون الدولي، وحماية لأمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرف، فإنها قررت قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر، كما قررت إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية، والبدء بالإجراءات القانونية الفورية للتفاهم مع الدول الشقيقة والصديقة والشركات الدولية لتطبيق ذات الإجراء بأسرع وقت ممكن لكافة وسائل النقل من وإلى دولة قطر، وذلك لأسباب تتعلق بالأمن الوطني السعودي. لقد اتخذت المملكة العربية السعودية قرارها الحاسم هذا نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة (الإخوان المسلمين) و (داعش) و(القاعدة)، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم…وإنه منذ عام 1995م بذلت المملكة العربية السعودية وأشقاؤها جهوداً مضنية ومتواصلة لحث السلطات في الدوحة على الالتزام بتعهداتها، والتقيد بالاتفاقيات، إلا أن هذه السلطات دأبت على نكث التزاماتها الدولية، وخرق الاتفاقات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض… وستظل المملكة سنداً للشعب القطري الشقيق وداعمة لأمنه واستقراره” “وكالة الأنباء السعودية” بتاريخ 5 يونيو 2017، الساعة 5 و33 دقيقة فجرا.

هكذا إذن وجدت قطر نفسها في ظلمة ليلة رمضانية في موقع “حمّالة الحطب”!
       دعم الإرهاب الدولي وتمويله: قطر.
       احتضان منظمات داعش والقاعدة.. والإخوان المسلمين: قطر.
       التواطؤ مع إيران ضد الأشقاء: قطر.
       الوقوف وراء الفتنة الطائفية في البحرين: قطر.
       استخدام وسائل الإعلام لتأجيج الفتنة الطائفية في دول الجوار والدول الشقيقة: قطر.
       النكث بالعهود: قطر
       رشوة الفيفا لاستضافة كأس العالم: قطر

لم يبق سوى تحميل قطر مسؤولية هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في مانهاتن والاعتداءات التي تلتها في لندن ومدريد وباريس والرياض وتونس والدار البيضاء…وإعداد ملف محبوك ومدعوم بالحجج والقرائن لتقديمه إلى القضاء الأمريكي وإلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة حكام قطر بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية!

لا بل قد يكون الأفضل من ذلك تشكيل تحالف إقليمي ودولي على غرار التحالف الذي تم تشكيله “لمواجهة النفوذ الإيراني” في اليمن، وشن غارات جوية لتدمير الدوحة على بكرة أبيها وتجويع الشعب القطري والقضاء عليه بوباء الكوليرا!

لا، الأفضل من كل ذلك هو غزو بري لقطر لضمان عدم المساس بالقاعدة الأمريكية، وتوفير القوات الضرورية لاجتياح الديوان الأميري وقصر الوجبة والقضاء على حمد وتميم بعد رفضهم لائحة الشروط ال 13، ونسف قنوات الجزيرة واعتقال كل الإرهابيين والعملاء والمتآمرين الذين وجدوا ملاذا آمنا في الدوحة، وتنصيب حكومة قطرية موالية ومطيعة “لشقيقاتها”!

لم أزعم يوما أن قطر هي المدينة الفاضلة خصوصا وأنني اكتويت فيها بنار الظلم والافتراء لأكثر من ثلاث سنوات، وكان من المفترض أن أجد نفسي حسب بعض التقاليد المقيتة في صف الشامتين في قطر والمتشفين بها.  كما لم أدّع يوما أن الدوحة بريئة من الأخطاء والخيارات غير السوية المنسوبة إليها. نعم، من المكابرة والرياء القول إن قطر لم تُخطئ، أو أنها لم تنتهج مسالك وعرة ما كانت في حاجة إلى إتّباعِها في سوريا، في مصر، في ليبيا، في تونس، في اليمن، لكنني سأقتدي اليوم بالمسيح عيسى بن مريم عندما قال لقومه عن صاحبة الخطيئة: «من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر».

لا، لم تكن المملكة العربية السعودية في حاجة لافتعال هذه الأزمة مع قطر من أجل التغطية على فشل سياساتها في اليمن واللعب على وتر الحساسيات القبلية والعقائدية وضمان انتقال الحكم في المملكة إلى الأمير محمد بن سلمان وسلالته وتطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل وانضمام الدولة العبرية “للتحالف السني” المنشود، واسألوا في هذا الأمير تركي الفيصل واللواء أنور عشقي!

لا وألف لا. إن كانت قطر على خطأ، فهذا لا يعني حتما أن السعودية وشركاءها على صواب. لأن لا السعودية ولا حلفائها جديرون بفرض شروطهم التعجيزية ووصايتهم على قطر لمجرد أنهم في الخليج يمثلون الأغلبية السكانية والثقل الاقتصادي والعسكري، كما أن لا الرياض ولا حلفاءها يتحلون بالخصال السياسية والأخلاقية التي تخولهم إدانة قطر وتبرئة ذمتهم لمجرد أنهم قرروا رمي كل رجسهم ودنسهم وأخطائهم في سلّة قطر.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد