آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الوهاب الشرفي
عن الكاتب :
‏‏‏محاسب قانوني معتمد ، رئيس مركز الرصد الديمقراطي (اليمن) ، كاتب ومحلل سياسي .

ألمانيا تقلب الطاولة وأمريكا تتبنى موقفها وقطر انتهكت “خط احمر” وخصومها مرتبكون؟


عبدالوهاب الشرفي

منذ بداية الأزمة الخليجية لم تبدي بريطانيا اهتماما عاليا بما يحدث واستمرت في دعوات التفاهم و الحوار من بعيد و فجاءة يطير وزير خارجية بريطانيا إلى دول الخليج في محاولة لإيجاد حل للازمة الخليجية بشكل مباشر و من دخل عواصمها وليس بتصريحات واتصالات من عاصمته .
لم يكد وزير خارجية بريطانيا ينتهي حتى طار وزير خارجية أمريكا إلى الكويت في ذات المهمة ، وبدء بعاصمة الوساطة  لإحيائها والتشارك معها في حل الأزمة الخليجية و يعلن أنه باق لأسبوع في الخليج لحل الأزمة .

حضور وزير خارجية أمريكا هذه المرة مختلف  فرغم عدم تطرف الإدارة الأمريكية تجاه قطر مقارنة بتطرف ترامب إلا أن الإدارة الأمريكية دأبت على توجيه خطابها باتجاه قطر منفردة وأن عليها أن تتعاون و تتجاوب مع مطالب خصومها الساعية لوقف تمويل الإرهاب ، لكن هذه المرة تغير خطاب الإدارة الأمريكية تماما إلى مطالبة ” جميع أطراف الأزمة بالعمل على وقف دعم الإرهاب ” وكأن وزير خارجية ألمانيا هو الذي يتحدث وليس وزير خارجية أمريكا ، بل يمكن القول أنه مال باتجاه قطر من خلال التصريح أن المطالب ال13 تعتبر لاغية و ” لاتستحق ” العودة إليها .

خصوم قطر كانوا ماضون في طريقهم فبعد الرد القطري حددوا موقفهم بعدم قبول الرد و اعتبروه تعنتا قطريا و أعلنوا في بيان أول لهم إثر اجتماع وزراء خارجيتهم في القاهرة أنهم ماضون في المواجهة مع قطر ولم يمضي يوم حتى أصدروا بيانا ثان كان من الملفت صدوره بعد وقت قصير من البيان الأول وكان الهدف من هذه الأخير – بحسب مضامينه – هو ”  إطلاق رصاصة الرحمة على الوساطة ” و تأكيد المضي في طريق المواجهة مع قطر دون أي اعتبار للوساطة و دون ترك الباب مفتوحا لأي وساطات باعتبار ” المطالب لاغية ” .

لم يكد وزير خارجية أمريكا يحط في عاصمة الوساطة حتى بادر خصوم قطر بتسريب اتفاق سابق مع قطر في خطوة ملفته لم يكلفوا أنفسهم فعلها من قبل رغم كل الانتقادات التي وجهت لمطالبهم ال 13 التي كانوا تقدموا بها لقطر من قبل و فعلها  بعد ” اغتيال الوساطة ” هو أمر يواجه ضعفا أو يمهد لتراجع .

كان وزير خارجية ألمانيا في جولة خليجية الأسبوع الماضي في محاولة للتغيير في مواقف خصوم قطر و الدفع بهم للتقارب مع قطر و حل الأزمة وفقا لمبداء ” وقف تمويل الإرهاب من الجميع ” لكن تلك الجولة فشلت و عاد وزير خارجية ألمانيا خائبا بل وكان من الملفت أن خصوم قطر لم يتعاطوا مع الوزير الألماني بالجدية المفترضة ووصل بهم الأمر إلى العمل على الالتفاف على الموقف الألماني على الهواء مباشرة أثناء المؤتمرات الصحفية التي عقدت في بنهاية الاجتماعات في جدة وأبو ظبي .

كان خصوم قطر في بيان ” اغتيال الوساطة  ” قد أعلنوا سحب المطالب ال 13 واعتبروها لاغية وهي خطوة تعني غاية التشدد تجاه قطر لدرجة إعلان المضي في المواجهة دون ترك مطالبهم قائمة كتغطية لخطواتهم القادمة على الأقل وهي صورة يمكن وصفها ” بالعنجهية” ، وكانت الإدارة الأمريكية تلعب لعبة تبادل الأدوار مع ترامب لمحاولة ” حلب قطر ” كما ” حلبت السعودية ” من قبل ، كما الإدارة الأمريكية كانت تميل جهة خصوم قطر لاعتبار أن التأزيم مع قطر يمكنه أن يمثل مدخل لتنفيذ مقررات ” قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية ” و بأقصى النتائج المتاحة ،  وكان الموقف البريطاني لا يبدو مهتما أو على الأقل لا يلمح تهديدا من وراء الأزمة الخليجية تدعوه للتدخل المحوري و المباشر فيها .

كان الجميع ينتظر الخطوات الإضافية التي سيعلن عنها خصوم قطر لكنهم أعلنوا اتفاقا سابقا لدعم  موقفهم ولإظهار عدم تعنت مطالبهم بحق قطر وأنها ليست وليدة اللحظة و أن معهم الحق في مطالبة قطر و التأزيم معها ، ووجدت بريطانيا نفسها بحاجة لأن يطير وزير خارجيتها للخليج و يقوم بدور محوري مباشر لمعالجة الأزمة ، ووجدت الولايات المتحدة نفسها بحاجة للحضور المركّز في الأزمة و لتعدل موقفها و مطالبة الجميع وليس لقطر منفردة بل وأن تعتبر أن المطالب ال 13 لا تستحق الرجوع إليها وأن ” مواقف قطر كانت واضحة ومحقة ” و توقع معها اتفاق لمكافحة الإرهاب  ، فما الذي حدث و كيف انقلبت الطاولة على خصوم قطر وعلى أمريكا وبريطانيا كذلك  ؟ .

عاد وزير خارجية ألمانيا خائب من الخليج لكنه عاد كذلك عازما على حد وضع ” لمهزلة خصوم قطر ” تجاه الأزمة ككل و تجاه الدور الألماني و تجاه دعم الإرهاب بدرجة أولى ، وما أن وصل الوزير الألماني لبلده حتى أعلن ” أن قطر أبلغت ألمانيا استعدادها لفتح ملفات استخباراتها كاملة للألمان ” .

كانت ألمانيا على علم بأن قطر وارطة في تمويل الإرهاب وكانت تعلم أن قطر ليست وحدها وإنما طرفي الأزمة الخليجية وارطون كذلك وهذا الأمر هو ما يقوله موقفها ” بأن على الجميع أن يتوقف عن تمويل الإرهاب ، وليس قطر فقط ” .  وكانت قطر واضحة مع ألمانيا و مع الجميع أيضا بقول وزير خارجيتها ” أن قطر تأتي في أسفل القائمة ” و تصريحاتها التي تحمل معنى أن قطر كانت تفعل ما تطلبه منها الولايات المتحدة ، و بالتالي فألمانيا لم يكن ينقصها مؤيدات لتحديد موقفها و لم تكن قطر تحتاج لتوضيح وضعها لألمانيا ، لكن كان التصريح بالاستعداد القطري لفتح الملفات للألمان رسالة –  ألمانية بالدرجة الأولى – تسعى لفرض تعديل مواقف الجميع تجاه الأزمة الخليجية وفرض منطق مواجهة دعم الإرهاب وليس استخدامه وقبل ذلك الرد على اللامبالاة الخليجية تجاه الدور الألماني .

وجهت الولايات المتحدة في أخر عهد إدارة الرئيس السابق أوباما ضربة جوية لقوة من الجيش السوري وهو ما رأته روسيا انتهاكا للقانون الدولي و كسرا لقواعد اللعب في سوريا وكان لابد لها من التصرف تجاه ذلك لإيقاف الولايات المتحدة عند حدها و منعها من مواصلة الانتهاكات و إلزامها من جديد بقواعد اللعب هناك ، وخرجت الخارجية الروسية حينها بتصريح ” أن لدى روسيا أدلة مذهلة عن أداء الولايات المتحدة مع الإرهاب في سوريا ” و أثار هذا التصريح جلبة عالية و صلت ” لصراخ ” ممثلة الولايات المتحدة في مجلس الأمن عاليا و أن بلدها يرفض توجيه التهم له بدعم الإرهاب لكن كل ذلك لم يجدي وفي اليوم التالي وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة لأن تطئطئ رأسها و أن تعتذر رسميا عن توجيهها ضربة للقوة السورية .

أن تفتح قطر ملفات استخباراتها أمام الألمان هو أمر سيمثل كارثة للإدارات المتورطة باستخدام الإرهاب وفي مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا كذلك و دول الأزمة الخليجية معها بالطبع ، فإطلاع الألمان على كامل تفاصيل اللعبة التي تتم في الشرق الأوسط باستخدام الإرهاب ووقوع يدها على الأدلة المثبتة لذلك هو أمر له تبعاته الخطيرة على الإدارات المعنية وأجهزة استخباراتها و أدوارها الدبلوماسية و سياساتها المتبعة و هو أمر سيغير الكثير و سيحدث زلزالا أوروبيا و أمريكيا سيطيح بحكومات و سيضع إدارات الدول المعنية في ورطة حقيقية أن حدث  .

كان ذلك التصريح الألماني القطري خطوة غير عادية نسقتها ألمانيا مع قطر حتما و خرجا بتصريح صغير –  قطر وافقت على فتح ملفاتها للألمان – تمكّن من أن يقلب المعادلة و أن يدفع بلندن لأن تدخل محوريا باتجاه حل الأزمة الخليجية  وأن يدفع بواشنطن لأن تتدخل لإحياء الوساطة التي اغتالها خصوم قطر وأن يتحول موقف الإدارة الأمريكية لصالح قطر بشكل ملحوظ .

خصوم قطر الذي استبقوا جدولهم الذي كان ينتظر اجتماعمهم في المنامة بإعلان الاجتماع غدا في جدة لتدارس التحول في المواقف وبحضور الوزير الأمريكي ،  وكانت أول ردود أفعالهم على الضغوط التي مورست عليهم بريطانيا و أمريكيا و جعلتهم يستشعروا تراجعا في مواقف الدولتين و بالتبعية الشعور بضعف موقفهم  هو ذهابهم لتسريب اتفاق الرياض بين دول الخليج ” السري للغاية ” الذي وقع في العام 2013 م  رغم ما يحمله ذلك من سلبيات على موقفهم هم قبل قطر ، وهذا الأمر يعني أحد احتمالين أما أن خصوم قطر لم يستوعبوا بعد سر الانقلابة في موقف بريطانيا و الولايات المتحدة وقرائوا التراجع البريطاني و الأمريكي قراءة خاطئة وذهبوا ” لفكرة تقديم دليل إضافي  ” قد تكون بريطانيا و أمريكا بحاجة إليه للعودة لموقفهما السابق تجاه الأزمة الخليجية ، أو أنهم قد استوعبوا خطورة الأمر و ما يمكن أن يترتب على ” الرسالة الألمانية القطرية ” وأن بريطانيا و أمريكا وهم بالتبعية في موقف لا يحسدون عليه إذا ما استمروا في التصعيد و فتحت قطر ملفاتها للألمان بالفعل و بالتالي ذهبوا لتأمين خط الرجعة بتسريب اتفاق الرياض وصولا لموقف معدل جوهريا سيخرجون به من اجتماعهم  في جدة  و يحفظ لهم ماء الوجه .

الخطوة الألمانية القطرية كانت بارعة و ستضمن تعديل جوهري لصالح قطر في الأزمة الخليجية لا شك – تماما كما ضمن التهديد الروسي بفتح الملفات في سوريا اعتذار الولايات المتحدة بعد ضربها للجيش السوري  – لكنه يمثل خطوة لا يجب أن تأمن قطر الولايات المتحدة و بريطانيا بعدها مطلقا وعليها أن تكون في غاية الحذر تجاه تعاملها معهما بشكل دائم لأنهما دون شك أيضا ستعملان على سحب أو إبطال هذا السلاح القطري الذي أشهرته قطر للدفاع عن نفسها و يريانه مجاوزة  ” للخطوط الحمراء ”  و يمثل تهديدا خطيرا لهما وسيعملان الكثير تجاهه ولا أقل من قرار أن الإدارة القطرية يجب أن تتغير طالما ظهر أن لديها استعداد لاستخدام أرشيف استخباراتها للدفاع عن نفسها  وهذا الأمر سيكون كمسار مستقبلي ، لكن حاليا إذا أخطاءت قطر و سُلبت سلاحها أو ضمن البريطانيون و الأمريكيون تعطيل هذا السلاح بشكل أو بأخر فسينقلب موقفهما مجددا و سيعودا لصف خصوم قطر وهذه المرة ستكون بحدة أشد من ذي قبل بكثير .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد