آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

ليت حماس لم تتسرع بإعلان طلبها بنقل قيادتها من الدوحة إلى الجزائر


إسماعيل القاسمي الحسني

بداية نسجل أنه لا مكان للمزايدة على الجزائر في دعم القضية الفلسطينية على المستويين الشعبي و الرسمي، و نعتذر لمن لديه التباس بهذا الشأن، بعدم اتساع مساحة كتاب و ليس مقال للأدلة التي تؤكد على صحة ما نقول.

ثم نسجل بأن الجزائر شعبا و دولة يساندون الشعب الفلسطيني، و هذا لا يعني مساندة فصيل بعينه كما لا يعني اعتبارهما لتيار ما هو صاحب التمثيل الشرعي منفردا للشعب الفلسطيني.

فوجئنا الأسبوع الماضي و لأول مرة في تاريخ العلاقة بين الجزائر و حركة حماس، بخروج سامي أبو زهرى على الإعلام الجزائري، ليتكلم عن طلب قدمته الحركة منذ شهور للرئاسة الجزائرية، يعني استضافة قيادات من هذه الحركة على أرض الجزائر، و القيادات المقصودة ليس تلكم التي تقاوم على الميدان في غزة، و إنما تلكم التي كانت مكرمة معززة في دمشق، ثم قلبت ظهر المجن عليها و انتقلت إلى الدوحة بجوار أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، لتقود من هناك المقاومة ضد الحليف الأول لأمريكا، في حياة بضخ الأمراء و الملوك.

أقول في سابقة لا نظير لها من قبل، لأن من قواعد الدبلوماسية الجزائرية ألا تطرح  ملفات حساسة مازالت قيد النظر و الدراسة، على وسائل الإعلام؛ و هذا المبدأ يعرفه القاصي و الداني و أزعم بأن حماس يفترض على علم بذلك؛ و استعراض سامي أبو زهرى الملف بالطريقة التي اختارها دون إذن من القيادة الجزائرية و لا تنسيق معها، لا يعني إلا محاولة غير بريئة للاستقواء بالتعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية، الذي لا يميّز بينها و بين أي أمر يحمل عنوان فلسطين؛ و لا نجد من تفسير لاستباق ممثل حماس لهذه الخطوة، إلا توهما بإمكانية ليّ الذراع و إحراج القيادة الجزائرية، بما يحدثه من تنازع بين تيارات جزائرية حول هذا الموضوع، قد يؤدي لفتنة أطلت فعلا بعض قرونها مع  الأسف الشديد؛ ما كنت شخصيا أنتظر من حماس أن تتسبب فيها بالجزائر. و إن كنت أعلم بأن القيادة الجزائرية في مثل هذه الملفات “الأمنية” لا تخضع للضغوط أكانت داخلية أم خارجية، و إنما تسطّر مواقفها و قراراتها على ضوء المصالح العليا للوطن. و لمن يعترض على هذه القراءة أن يقدم لنا –مشكورا- تصريحا واحدا لممثل حماس تناول فيه شأنا أمنيا يخص حركة حماس و الجزائر، و الحال أن هناك ملفات عالية الأهمية تتجاوز بمراحل فلكية قصة لجوء شخصيات تهشها عصى الولايات المتحدة.

لو جاء طلب حماس هذا عام 2012 بالانتقال من دمشق إلى الجزائر، و لو كان حينها هدفه تجنيب الشعب الفلسطيني بسوريا الهزيع العربي الذي تمّ تصنيعه لضرب أهم الدول العربية، لكان الوضع مختلفا تماما، و لكانت هناك إمكانية عالية لقبول الطلب خدمة لفلسطين و سوريا، أما و أنه جاء بعد أن اختارت حماس محور الأنظمة التي أسهمت بشكل مباشر في ضرب سوريا و قبلها ليبيا و بعدها اليمن، فإني أجزم بأن الطلب مرفوض جملة و تفصيلا، و شكلا و موضوعا، إلا في حالة واحدة لا أظن بأن حماس على استعداد لها، أو أنها بلغت من الوعي السياسي ما يؤهلها للقيام بها، و هي الإعلان الصريح بخروجها من ذلكم المحور، و اعترافها بخطيئتها في حق الشعب السوري و حق الشعب الفلسطيني.

إن المعادلة في منطق الأخوة مقلوب، حيث تعتبر موقف الجزائر من القيادة “السياسية” الحمساوية دليل على موقف الجزائر مع ثوابتها، و الحال أن العكس هو الأصح، بمعنى أن المعادلة المرجعية هي وقوف حماس مع مبادئ الجزائر هو الميزان؛ غير أن لسان حالها يفيد بغير ذلك تماما. ليست الجزائر تاريخا و خبرة و دولة و حجما من تبحث عن مكانتها داخل سراديب الفصائل الفلسطينية، و لا هي التي تفتقر كبعض الأنظمة لنياشين و شهادات تجتهد لتعلقها أوسمة دالة على وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني؛ هذه قطعا ليست الجزائر من تفعل ذلك. و لا أتحدث عمن جعل من القضية كشكا للتربح المالي. أفهم أن القيادة “السياسية” الحمساوية قد التبس عليها الأمر لكثرة الأنظمة العربية التي جعلت منها و من غيرها أداة؛ لكن علينا أن نذكر تلكم القيادة بأن عشب الليل ليس كله أخضر.

لقد جاء على قلم السيدة حدة حزام مديرة صحيفة “الفجر” في مقالها: حماس غير مرحب بها في الجزائر، ردا على الحركة الإعلامية لسامي ابو زهرى، بأن الجزائر رفضت طلب حماس؛ و لا أستبعد صحة هذا الخبر، نظرا لما تقدم و غيره كثير مما لا أريد الحديث عنه في هذه المرحلة الحرجة من صراع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.

و نسجل للمتعاطفين مع حماس من الفلسطينيين و الجزائريين و غيرهما، بأن الجزائر لا تدعم فصيلا بل تدعم شعبا و قضية عادلة، و رفضها لطلب حماس أساسه خطايا قياداتها السياسية فقط و لا شيء غير ذلك كما يتوهم البعض، بل أزيد في الختام ردا على ذلكم الوهم، بأن قطر و الولايات المتحدة ما تركتا من سبيل ضغط على الجزائر لقبول الطلب إلا و استغلتاه؛ و إلى غاية كتابة هذه السطور تلتزم الجزائر الصمت دون أي رد، معأن الموضوع يعود لشهور خلت.

ختاما نقول: إن الناطق باسم حماس ارتكب خطيئة بحق الجزائر دولة و شعبا، ليس سهلا غفرانها، و أبانت على مضي القيادة السياسية لهذه الحركة للعبث غير المسؤول، نتيجة عدم تقديرها لتداعيات تصريحاتها على الرأي العام، هذا إذا أحسنّا الظن. كان حريا به ألا يتعرض للموضوع حتى تتعرض له القيادة الجزائرية، لكونها هي المعنية الأولى و هي الأولى به من حماس، إن قبلت الطلب فهي من تعلنه و ليست حماس، و إن رفضته كان من حق الجزائر على حماس بما قدمته لها أن تلتزم الأخيرة الصمت، تجنبا لإحداث فتنة بين العوام.

على كل حال هذه خطوة تسجّل على القيادة السياسية الحمساوية تكشف مزيدا مما يعزّز موقفنا منها.

ختاما، أشد على أيادي القيادة الجزائرية إن رفضت فعلا استضافة القيادات السياسية الحمساوية التي كانت في قطر، و أشد على أياديها مرتين بدعمها للمقاومة الفلسطينية الميدانية على أرض فلسطين.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد