آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله الكبير
عن الكاتب :
كاتب ومحلل سياسي

ليبيا بين الوصاية والدكتاتورية.. مخاض الاستقلال الثالث

 

عبدالله الكبير

“يا أبناء ليبيا الأبرار الشرفاء شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. كونوا على يقظة لما يدبر لليبيا العزيزة من مكائد في دهاليز السياسة الدولية واتحدوا وتكتلوا، تنتظرون أياما عصيبة ولا وقت للمهاترات”.. الزعيم بشير السعداوي

 

 لم تخف الحكومة الإيطالية انزعاجها من دخول الرئيس الفرنسي بشكل مباشر على خط الأزمة الليبية ورعايته لقاء جمع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والقائد العسكري خليفة حفتر، رغم محاولة باريس طمأنة الجانب الإيطالي باطلاعهم على ما تم التوصل إليه في لقاء السراج وحفتر.

 

 الاحتجاج الإيطالي المعلن، لأول مرة ، يعكس حجم الخلافات الأوربية حول ليبيا، فبالنسبة لإيطاليا يعد ما أقدمت عليه الحكومة الفرنسية تعديا على مناطق نفوذها ومحاولة للاستحواذ على ملف أزمة مستعمرتها السابقة، والمؤكد بالطبع أن فرنسا تدرك هذه الحقيقة ، ومن ثم فإن تجاهل إيطاليا لا يعني غير مسعى فرنسا إلى التوغل أكثر خلف مصالحها في ليبيا.

 

 الجزائر أيضا كان لها نفس الموقف الايطالي تقريبا، وقد تم استبعادها هي الآخرى، على عكس مصر التي كان قريبة جدا من مفاوضات قصر سيل سان كلو، وهو ما يؤكد استمرار ميل فرنسا لخط الدول الداعمة لحفتر وهي الإمارات ومصر، بينما تذهب المقاربة الجزائرية للأزمة في ليبيا بعدم دعم أي طرف وتشجيع الجميع على التفاوض من دون إقصاء لأي طرف ماعدا التنظيمات المتطرفة كما حددتها الأمم المتحدة.

 

  السلطات الفرنسية ترى في حفتر نظيرا موازيا للسراج وتتجاهل كافة القوى الأخرى، ومن ثم فالسلطة في ليبيا ينبغي أن تكون مناصفة بينهما، يتولى السراج الشؤون السياسية والمالية في الدولة وتذهب السلطة على المؤسستين العسكرية والأمنية لحفتر. لكن الطريق لوضع هذه المقاربة موضوع التنفيذ دونه عقبات عديدة، وتهديدات ماكرون بالتصدي بحزم للمعرقلين لن تكون مجدية، فالفصائل القوية في الغرب الليبي لا يمكن أن تقبل بهيمنة حفتر المطلقة على المؤسستين العسكرية والأمنية وقد أظهر جموحا غير عادي في تولي حكم ليبيا على نفس نهج القذافي، لذلك سيكون من أهم شروط نجاح مبادرة باريس هو القبول بمشاركة كل الأطراف في إدارة مؤسسات السلطة في ليبيا سواء السياسية أو العسكرية أو الأمنية، وبالتالي فأقصى ما يمكن أن توافق عليه الأطراف الليبية المغيبة عن لقاء باريس هو تولي حفتر وزارة الدفاع مقابل توزيع المسؤوليات الأخرى كرئاسة أركان الجيش ووزارة الداخلية والأجهزة الأمنية والمخابرات على الأطراف الأخرى، التي لا ينبغي لمن يرغب في ضمان نجاح خطته أو مبادرته لإنهاء الحرب وإعادة الصراع إلي المستوى السياسي إقصاؤها، وحصر الصراع أو الخلاف فقط بين المجلس الرئاسي وخليفة حفتر، وهذا ما يفترض التفاوض بشأنه أثناء إجراء التعديلات المطلوبة على اتفاق الصخيرات.

 

 أهم ما ورد في بيان باريس هو وقف القتال وتهيئة البلاد لانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، ولا أظن أن ثمة طريق أخر يمكن عبوره لتجاوز حالة الانسداد السائدة الآن، وإفشال كل المشاريع الإقليمية والدولية التي تعمل عبر أدواتها المحلية للهيمنة على ليبيا ومقدراتها وثرواتها، إذ يبدو المشهد اليوم مشابها لمرحلة الاستقلال الأول في نهاية أربعينات القرن الماضي حين ابرم وزير خارجية بريطانيا أرنست بيفن ووزير خارجية إيطاليا كارلو سفورزا اتفاقية سرية عرفت باتفاقية بيفن سفورزا تقضي بمنح ليبيا استقلالها بعد عشر سنوات توضع فيها البلاد تحت الوصاية، فتتولى إيطاليا إدارة طرابلس وبريطانيا تدير أقليم برقة وفرنسا تدير أقليم فزان، ولكن قادة النضال الوطني الليبي بدعم شعبي واسع أسقطوا المشروع وانتزعوا استقلال البلاد بعد استمالة مندوب هايتي في الجمعية العامة بالأمم المتحدة إيميل سان لو الذي رجح صوته استقلال ليبيا.

 

 وكان إسقاط الحكم الدكتاتوري للقذافي بمثابة الاستقلال الثاني، فالدكتاتورية هي الوجه الأخر للإستعمار والهيمنة والفساد والاستبداد والتخريب، وتقف ليبيا اليوم أمام عتبة الاستقلال الثالث من هيمنة نفس القوى الغربية والإقليمية التي تزداد شراستها، فليبيا ليست بلادا فقيرة كما كانت عليه في الأربعينات الماضية، بل صارت غنية بكل الثروات وما تعد به من فرص اقتصادية كبيرة.

 

بين الوصاية والهيمنة الخارجية أو عودة الدكتاتورية ثمة طريق ثالث سيقودنا إلى الاستقلال الثالث وهو إنهاء حالة الانقسام السائدة، والنظر لكل الأطراف المتصارعة على السلطة من نفس الزاوية، فباستثناء قلة من الوطنيين ترتبط غالبية الشخصيات والكيانات بالخارج وتستقوي به لتتمكن من مقاليد الحكم، ومن هنا يتوجب إسقاطهم والدفع بهم بعيدا بالإصرار على إصدار الدستور والاحتكام لصناديق الانتخابات والعودة إلى المسار الديمقراطي السلمي، ومن المؤكد أن قسوة تجربة السنوات الماضية و مرارتها ستدفع الليبيين إلى عدم الخضوع للعواطف وتغليب المصلحة الوطنية العليا أثناء المفاضلة بين الشخصيات والكيانات المرشحة، وأذكر هنا بدعوة أحد قادة مرحلة الاستقلال الأول وهوالزعيم بشير السعداوي لليبيين :” الوضع يحتاج إلى جهد كل فرد من الأفراد مهما كان متواضعا، علينا أن ننسى الضغائن

وأن نتسامح وأن نثق في أنفسنا وفي بَعضنا وأن ننظر إلى المستقبل فلا وقت للحفر في الماضي والبحث عما يفرق”

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد