آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله المزهر
عن الكاتب :
كاتب سعودي

نحن التمر الذي تصنع منه أصنام الإعلام!


عبدالله المزهر

في العادة لا أنام مبكرا، وآخر مرة نمت فيها في وقت مبكر كان صدام حسين لا يزال حليفا، واستيقظت صباحا لأجده أصبح عدوا مبينا. والحديث هنا لا علاقة له بصدام ولا بالتحولات السياسية ولكنه عن تاريخ السهر ليس إلا.

يوم أمس حين حان موعد نومي بعد صلاة الفجر تذكرت «نزال القرن» في الملاكمة وقررت تمديد فترة السهر إلى ما بعد انتهاء ذلك النزال الكبير.

كنت متحمسا وأنتظر اللقاء بشغف كبير مع أني لا أعرف الملاكمين المتباريين، ولا أحب رياضة الملاكمة، وآخر مباراة شاهدتها في هذه الرياضة كانت لنسيم حميد حين كان رشيقا وقبل أن يتضاعف وزنه ويصبح إنسانا لا يدل مظهره على أنه مارس الرياضة يوما. وأيضا في حينها لم أكن أحب الملاكمة ولا أستسيغها.

ومع هذا الإيمان بأن الملاكمة ليست رياضة وأنه لا معنى لأن أشاهد اثنين يحاول كل منهما إيذاء الآخر، لكني تابعت وتحمست وتفاعلت مع اللكمات الخطافية حتى نهاية اللقاء.

تابعت وتحمست لأمر لا يعنيني ولا يستهويني، ولم يسبق لي أن عرفت المتنافسين من قبل، ولم أشاهد لأي منهما أي نزال قبل هذا، كل ذلك لأن «الإعلام» ألح على إيصال فكرة أن هذا أهم حدث رياضي في القرن العشرين، وشحن العالم من خلال تصريحات الملاكمين قبل اللقاء المليئة بالشتائم المتبادلة. ثم وضع جائزة تقترب من «المليار» لهذا اللقاء ـ والمليار لمن لا يعرفه هو مبلغ أكثر من الثلاثة آلاف ريال بقليل.

يحدث هذا في الرياضة وفي الفن وفي السياسة وفي كل مناحي الحياة، يصنع الإعلام صنما كبيرا لا قيمة له ثم يقنع البشر أنه ثمين جدا حتى يصبح أكثر شيء ثمنا، ثم يأكله على هيئة عوائد وإعلانات. وحين يختفي يبدأ في صناعة أصنام أخرى في عملية لا منتهية وفي أكثر خدعة تتكرر بانتظام.

وعلى أي حال..

فإني أظن ـ ظنا من كيسي ـ أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسهل خداعه أكثر من مرة بذات الطريقة، لأن الكائنات الأخرى ـ الحمير على سبيل المثال ـ لو تم خداعها أكثر من مرة بتكرار الخدعة ذاتها فقد تنطلي في المرة الأولى والثانية، لكنها ربما ستفشل في الثالثة، وحتما لن تنطلي في الرابعة. أما الإنسان فإنه يتعرض للخداع الإعلامي يوميا، حتى أدمن وأصبح يستمتع بتكرار الخديعة وتصديقها والترويج لها.
 
صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2017/08/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد