آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد النوباني
عن الكاتب :
كاتب سعودي

قراءة مبكرة في أبعاد الانتصار الاستراتيجي في سوريا


محمد النوباني

استطيع القول بان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عاد من زيارته الأخيرة إلى منتجع سوتشي الروسي الخلاب على البحر الأسود ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هناك خالي الوفاض إلا من بعض صفحات التوراة النادرة التي أهداها “القيصر” له لكي يتلهى بأساطير دينية تنسيه الواقع والهزيمة الإستراتيجية التي لحقت به في سوريا .

فقد ذهب نتنياهو إلى بوتين وهو يعتقد واهما بأن روسيا المنتصرة في سوريا والعائدة بقوة إلى الساحة الدولية قطبا عالميا قويا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية من خلال البوابة السورية وتحالفها السياسي والاقتصادي  والعسكري مع الدولة السورية وإيران وحزب الله يمكن أن تتخلى عن كل المكاسب التي حققتها وتتنازل عن مصالحها القومية ، ارضاءا لرجل يمثل دولة تحتل أراضي الغير وتتمرد على قرارات الشرعية الدولية ، رغم أنها أقيمت بقرار ظالم من الأمم المتحدة يحمل الرقم 181 ،  والأهم من كل ذلك أنها كانت من ضمن المهزومين في الحرب الكونية التي شنت على سوريا  منذ عام 2011.

ولا يحتاج المراقب هنا للاستماع إلى ما قاله سياسيون وصحافيون إسرائيليون ومن ضمنهم يائير لبيد وايهود ايعاري من أن زيارة نتنياهو إلى “سوتشي” قد فشلت وبان تهديداته بالذهاب إلى حزب ضد إيران وحزب الله هي تهديدات فارغة لان قوة الردع الإسرائيلية قد تآكلت ، لكون الرد الروسي جاء سريعا بالتأكيد على التحالف الاستراتيجي مع إيران من ناحية وإعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغر عن إقامة نظام دفاع جوي سوري – روسي مشترك ، معلوماتيا وأمنيا على امتداد الجغرافية السورية من ناحية أخرى .

أن ما لا يريد نتنياهو استيعابه بأن المتغيرات الهائلة التي طرأت على الخارطة الدولية جراء هزيمة أمريكا في سوريا ، وصيرورة الروس قطبا منافساً بشدة للأمريكيين في تصحيح لنتائج انهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد أمريكا بقيادة العالم من مركز واحد بعد ذلك الانهيار ، وتبدل خارطة الشرق الأوسط استراتيجيا بتحول مركز صناعة القرار من تل أبيب إلى دمشق وطهران وضاحية بيروت الجنوبية جراء الانتصار المتبلور في سوريا ، قد افقد إسرائيل زمام المبادرة الإستراتيجية ، وأرسى معادلات ردعية جديدة تحد كثيرا من مقدرة إسرائيل على شن الحروب العدوانية كوسيلة للخروج من أزماتها كما كانت معتادة منذ قيامها عام 1948 ، إن لم تجعل من ذلك الخيار مستحيلا نظرا لارتفاع كلفته المادية والبشرية وعدم مقدرة إسرائيل على احتمالها .

ولكي نعيد إلى الأذهان مغزى هذا التحول لا بد من التذكير بأنه عندما شنت إسرائيل الحرب على حزب الله اللبناني 2006 ، ثأرا لهزيمتها المذلة بانسحابها من جنوب لبنان ، باستثناء مرتفعات شبعا وتلال كفار شوبا عام 2000، فإنها لم تشن تلك الحرب لحسابها فقط وإنما لحساب الولايات المتحدة الأمريكية أيضا ، حيث أعلنت كونداليزا رايز وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك أن الهدف من تلك الحرب هو إقامة شرق أوسط جديد ، خال من المقاومة وفكرها لتأبيد السيطرة الأمريكية _ الإسرائيلية على هذه المنطقة المهمة من العالم.

وغني عن القول بان فشل تلك الحرب من تحقيق أهدافها ، دفع الدوائر التي خططت لها ونفذتها إلى التفكير مليا في الأسباب التي أدت إلى ذلك الفشل ، وبالتالي إلى الاستنتاج بأنه وبدون ضرب وإسقاط الدول الداعمة للمقاومة وتحديدا في سوريا فانه يستحيل تصفية واجتثاث حزب الله وبقية قوى المقاومة في المنطقة العربية.

ومن هنا فقد تبلور لدى واشنطن مخطط واضح لإسقاط النظام السوري اعترف به في مقابلته الشهيرة مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية آخر سفير أمريكي لدى دمشق روبرت فورد .

بمعنى آخر فان الحرب التي شنت على سوريا منذ العام 2011 كانت حربا أمريكية إسرائيلية بامتياز ، اشتركت فيها كل نظم الرجعية ، العربية وتركيا ،وكافة دول الاستكبار العالمي في الغرب كان رأس حربتها الرجعية التأسلمة لإسقاط الدولة السورية وإقامة شرق أوسط أمريكي جديد.

ومن هنا فان الانتصار الذي يحققه الجيش السوري وحلفاؤه اليوم هو هزيمة مبرمة ونهائية لمشروع كونداليزا رايس ، ومقدمة لشرق أوسط جديد مقاوم متحرر من الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية وأدوات سيطرتها على المنطقة .

وغني عن القول بأن الشرق الأوسط الجديد بموازين القوى الجديدة التي أفرزها ويفرزها سيعيد تصويب كل المعادلات في المنطقة على أسس جديدة بما في ذلك مفاهيم التسوية السياسية لصراعات المنطقة وتحديدا الصراع العربي – الإسرائيلي وفي  الصلب منه القضية الفلسطينية .

وفي هذا السياق سوف ينظر العالم بعيون جديدة لقضية الانسحاب الإسرائيلي من الجولان وفلسطين على اعتباره  ليس هبه من إسرائيل يتم استجداؤها ، من أمريكا والمجتمع الدولي وإنما بموجب مرتكزات جديدة تقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية وبمرجعيات واضحة و ليس على أساس القاعدة العبثية التي أرستها كل مشاريع التسوية السابقة  وآخرها صفقة القرن الترامبية التي تمخضت فولدت تطبيعا عربيا إسرائيليا وفي أحسن الأحوال استئنافا للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية بلا مرجعيات وبلا أهداف مع بقاء الاحتلال والاستيطان .

بقي القول أن من لا يحسن قراءة المتغيرات الدولية و تبدل عواصم صناعة القرار فيه هبوطا و صعودا وكذلك على مستوى الإقليم لا يمكن له أن يصمد و يبقى بقدر ما سيصبح أثرا بعد عين و أمثلة التاريخ القديم و الحديث و المعاصر لا تعد و لا تحصى في هذا المجال.
– انتهى-
صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/08/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد