آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هالة القحطاني
عن الكاتب :
كاتبة سعودية

تحت إشراقة شمس جديدة

 

هالة القحطاني

لا نريد أن يأتي علينا يوم يصنف فيه التعليم بين تعليم خاص للأغنياء، وآخر للطبقة الكادحة والمتوسطة، ويتحول الأمر لتعزيز الطبقية وتصبح التجارة من نوع آخر

يبدأ اليوم جيل جديد بالالتحاق بالصف الأول الابتدائي، وتبدأ معه عودة أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة لمقاعد الدراسة بعد إجازة طويلة. كان يتخللها صوت خافت لإنجازات حققتها وزارة التعليم، فيما يتعلق بالأمن والسلامة، وحركة النقل، وتحسين المناهج، وتوفير بعض الوظائف والجودة وتقنية المعلومات وتطوير المباني وأشياء أخرى متفرقة، لم يرها البعض بوضوح في فترة الإجازة. ولكن من باب الاعتراف بالحق، بدأ يطرأ على خدمات الوزارة تطور ملحوظ، أخذت ملامحه تتضح يوما بعد يوم، منها على سبيل المثال وليس الحصر، ما وفرته الوزارة إلى الآن من 12 منتجا إلكترونيا، سهل إنجاز الكثير من المعاملات واختصر الكثير من الوقت، مثل (برنامج نور ونظام فارس وبرنامج سفير ونظام معادلة الشهادات ونظام مقبول وامتياز وتواصل وعين الأفكار ونظام بلاغات المدارس وغيرها).

وربما يكون توقيت العودة إلى المدارس وقتا مناسبا لنتذكر فيه، بأنه قد مر على مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- لتطوير التعليم، والذي زادت إجمالي تكلفته في السنوات الخمس الأولى على 80 مليار ريال، عشر سنوات بالتمام والكمال.

وكان المشروع قد بدأ في محرم من عام 1428، بقرار من مجلس الوزراء، من أجل بناء وتطوير معايير عالمية لمختلف جوانب العملية التعليمية وعناصرها، وبناء نظام شامل متكامل، لتقويم التعليم وقياس مستوى الجودة، وذلك بالتركيز على أربعة محاور رئيسة، أولها إعادة تأهيل المعلمين والمعلمات، وتطوير المناهج التعليمية، وتحسين البيئة التعليمية، ودعم النشاط غير الصفي، الذي سيبدأ تطبيقه هذا العام، وأثار بإقراره بعض الجدل والرفض. وهذا أمر متوقع، حيث لم تعد الوزارة قبل إعلانه بوقت كاف، حملات وبرامج إعلامية مقروءة ومرئية، تعرف به وبالأهداف والفوائد التي من الممكن أن يجنيها الطلاب من ورائه، فلا يمكن أن تقنع الوزارة الأسر والطلاب بإضافة ساعة مدرسية، دون أن تحدد أولاً البرامج والنشاطات التي ستطبق في تلك الساعة، كي لا تذهب جهود تطوير التعليم أدراج الرياح، عندما تتحول تلك الساعة لساعة فراغ لا يستفاد منها من اليوم الأول لبدء الدراسة.

فهل تستطيع الوزارة إعلان وتحديد، ما إذا كان الطلاب سيتعلمون نشاطات جديدة، تركز على التنمية الذاتية والمهارات الحياتية مثلا، لتخدمهم في مواجهة تحديات الحياة، مثل تعلم إدارة الوقت وتنظيمه، وتعلم الخطابة «التوستماسترز»، أو الإسعافات الأولية، أو الاهتمام بزراعة الشجر وأنواعه وتنميته، أم سيترك الأمر لاجتهادات مديري المدارس!

من جهة أخرى، ندرك جيدا أن أحد أهم الأهداف التي تحققها شركة تطوير التعليم، المملوكة بالكامل للحكومة، هو إعادة هيكلة النظام التعليمي، ليصبح قادرا على مواكبة التطورات العالمية في مجال التعليم. ولا ندري لماذا تأخرت هذه الشركة، من تطبيق تعليم اللغة الإنجليزية إلى الآن في الصف الأول الابتدائي، خاصة والمدارس الخاصة والأهلية تطبق مناهج أميركية وبريطانية، تدرس اللغة الإنجليزية والفرنسية من الصف الأول، وتستطيع الوزارة أن تستعين بنفس المناهج، لتدريس الإنجليزية على الأقل، للصفوف الأولى ريثما يتم الانتهاء من مناهج الوزارة.

فعملية التطوير ينبغي ألا تتجاهل أهمية التعليم المتعدد اللغات أو ثنائي اللغة، فالمهتمون والمراقبون لمراحل تطور ونمو الطفل، يعرفون جيدا أن قدراته على التعلم والاستيعاب في السنوات الأولى من عمره، أكبر بكثير مما كنا نعتقد، فلن تجد طفل تعلم قواعد اللغة الإنجليزية في الروضة، يتعثر فيها في الصف الرابع مثلا.

ولا نريد أن يأتي علينا يوم يُصنف فيه التعليم بين تعليم خاص للأغنياء، وآخر للطبقة الكادحة والمتوسطة، ويتحول الأمر لتعزيز الطبقية وتصبح التجارة من نوع آخر، تتم فيها المتاجرة حتى بالتعليم، ليحصل عليه فقط من يملك المال، ويبقي التعليم المتدني لمن لا يملك. مع أن المادة 30 من نظام الحكم تنص بأن الدولة توفر التعليم المجاني، وكل الأسر في مجتمعنا يطمحون بتعليم ممتاز لأبنائهم، لذا من المهم أن تشمل عملية تطوير التعليم العام انتقاله لمتطلبات العصر. ومتطلبات العصر اليوم تحتاج لتعدد وإجادة اللغات.

وربما آن الأوان لتتوقف وزارة التعليم عن دعم المدارس الأهلية، والتفكير جيدا بشرائها وتحويلها لمدارس حكومية، مستفيدة من تجربة فنلندا في توفيرها تعليما مجانيا ومتطورا للجميع. علنا بذلك نقدم تعليما يناسب العصر، ويعنى بتجهيز الطالب لمواجهة تحديات الحياة الجديدة، تعده في السنوات الأولى من عمره إعدادا حسنا، ليختصر أشواطا طويلة تؤهله لمرحلة الجامعة والعمل.

وقبل النهاية، كيف لشركة تعنى بتطوير التعليم لا يوجد في مجلس إدارتها عضو واحد نسائي، مقتصر بأعضاء من الرجال فقط يرأسهم وزير التعليم، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أهمية وجود عقلية تفكر معهم بشكل مختلف، وترى من زاوية أخرى قبل اتخاذ أي قرار، حتى لا تظل أغلب قراراتهم أحادية التفكير ترى من زاوية واحدة وبعين واحدة.
 
صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/09/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد