آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سامي كليب
عن الكاتب :
إعلامي لبناني يحمل الجنسية الفرنسية، مدير الأخبار في قناة الميادين الفضائية

يا أهلنا في الخليج أحفظوا مالكم وكرامتكم...

 

سامي كليب

وقعت قطر اتفاقا مع ضيفها وزير الدفاع البريطاني أمس صفقة سلاح لشراء ٢٤ طائرة مقاتلة من نوع " يوروفايتر تيافون". هذه الصفقة التي تصل قيمها إلى مليارات الدولارات، كانت سبقتها قبل ٣ أشهر أخرى مماثلة مع أميركا لشراء مقاتلات " أف ١٥ " بأكثر من ١٢ مليار دولار..

لا نعتقد أن هذا السلاح مخصص ضد إسرائيل، ولا هو ضد إيران التي تقاربت معها قطر منذ خلافها مع عدد من دول الخليج ومصر حتى التحالف. ولا نعتقد كذلك أننا سنرى بعد حين طائرات قطرية تقصف السعودية أو الإمارات، لأن الصرع محكوم بسقف دولي معروف....

كل ما في الأمر، أن قطر التي اعتقدت مع بداية تلك الكذبة المسماة " الربيع العربي" أنها ستقود الجزء الأكبر من الوطن العربي من على صهوة الأخوان المسلمين، والتي صدّقت تنظيرات السيد عزمي بشارة هنتغنتون حول صناعة تاريخ جديد، تحاول حماية نفسها من جوارها الخليجي بشراء السلاح وصفقات المال.....

قبل قطر كانت السعودية المقبلة على تسليم العرش إلى الأمير محمد بن سلمان، قد استقبلت الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يترك كلمة مخجلة إلا وقالها ضد الخليج في حملته الانتخابية، وعقدت معه صفقة القرن التي قاربت ٦٠٠ مليار دولار، سيخصص جزء منها للمساهمة في نقل السعودية من مرحلة الاعتماد على النفط إلى مرحلة أخرى قد تكون بالغة الصعوبة.

قد يتنطح بعض القراء لكيل الشتائم كالمعتاد ضد هذه الدول التي يتهمونها بالتورط في حروب تدميرية مجانية من اليمن إلى سوريا إلى ليبيا فالعراق وغيرها. لا نستطيع أن نلوم مواطنا عربيا قتل أهله ودمر بيته أن يلعن من يعتقد أنه سبب ذلك. لكن دعونا نفكر بشيء من العقلانية حرصا على ما بقي من وطن عربي، ونقول التالي :

• قلما وجد بيت عربي لم يستفد من الخليج. كانت السعودية لوحدها مثلا تستقطب٧١ بالمئة من العمالة المصرية المهاجرة في العالم. كان فيها أيضا مليون و٧٠٠ ألف يمني، وكان في الخليج ما قارب ٧٠٠ ألف أردني وفلسطيني قبل اجتياح صدام حسين للكويت. وكان نحو ٧٠ بالمئة من التحويلات اللبنانية من الخارج تأتي من العمل اللبنانيين في الخليج. كذلك الأمر بالنسبة لتحويلات العمالة السورية التي كانت تصل قبل الحرب إلى نحو مليار دولار معظمها من الخليج.

• بعد حرب الخليج والأزمات والحروب والفتن العربية العربية، تضاءل عدد العمال العرب في الخليج أمام العمالة الأجنبية الأخرى ودفع عمال كثيرون ثمنا سياسيا لا علاقة لهم به.

• أكثر من ٦٠ بالمئة من الدعم الخارجي لغزة منذ اجتاحتها إسرائيل كان من دول الخليج. هل ننسى أن أبو عمار انطلق من الكويت حيث كان مهندسا صوب تأسيس فتح؟

• تقدمت بعض دول الخليج بالتنمية الداخلية على كل ما عداها. صارت دبي مثلا إحدى أهم مدن العالم تقدما وتنمية وجمالا ونظافة. وأبو ظبي تشهد نموا سريعا لافتا.

يمكن للباحث أن يجد أمثلة مضادة لكل هذا، ويقول أن عددا من دول الخليج ساهم في ضرب المشروع القومي العربي، وحارب الزعيم جمال عبد الناصر، ووقف ضد المقاومات المسلحة، وأنه الآن ينفتح على إسرائيل بدون أي مقابل ويدفع إلى صلح لا منفعة عربية منه. لكن هذا لا ينفي ذاك.

اليوم تضع الدول الخليجية الرئيسة إيران في طليعة أعدائها. هي قلقة من تعاظم الدور الإيراني في محيطها من العراق إلى سوريا فاليمن ولبنان. لكنها ضائعة في كيفية المواجهة. فالحرب على اليمن التي كان من بين أهدافها " تقليم أظافر إيران" كما قالت السعودية مرارا، وتعزيز حظوظ الأمير محمد بن سلمان بالوصول إلى العرش، بدأت تتحول إلى كارثة إنسانية عالمية، وكارثة على السعودية نفسها. أما إيران فهي تزداد حضورا وقوة في المحيط وتفرض نفسها لاعبا إقليميا ودوليا في عدد من الملفات منها العراق وسوريا ولبنان وربما قريبا اليمن.

ثم أن العلاقات الخليجية الإيرانية كبيرة حتى مع الخصوم. الأمارات التي تتهم إيران باحتلال ٣ جزر ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) فيها نصف مليون إيراني تصل استثماراتهم إلى نحو ٣٠٠ مليار دولار وبين البلدين نحو ١٠٠ إلى ٢٠٠ رحلة طيران أسبوعية . تقول مؤسسة التجارة الإيرانية أن الصادرات الإيرانية للإمارات ارتفعت بنسبة ٣٥ بالمئة . ناهيك عن أن ثمة دولا خليجية قريبة جدا من إيران وبينها قطر وسلطنة عمان والشارقة، ودولا أخرى لا تريد مناصبتها العداء وبينها مثلا الكويت.

تعتقد بعض دول الخليج أيضا أن مواجهة إيران تفترض تقاربا كبيرا مع إسرائيل يصل إلى حد فتح العلاقات العلنية. هذا يناقض تماما المشروع التوسعي لآخر نظام عنصري في العالم. يكفي أن نقرأ كل الأدبيات الإسرائيلية لنفهم أن السعودية هي عدوة لإسرائيل بقدر مصر وسوريا ولبنان وغيرها..وأنها دائما ما رسمت مشاريع وخططا لتفكيكها إلى دويلات. كلما انهارت دولة عربية ستفرح إسرائيل.

أن كل عربي صادق يرى في كل ما يحصل تدميرا للاقتصاد الخليجي. يرى فيه كذلك تحويل هذه الدول إلى سوق لمصانع السلاح العالمية فقط لا غير. أن ما تم شراؤه من سلاح منذ بداية كذبة الربيع العربي كان كفيلا بإنقاذ اقتصادات الدول العربية وجعل الشباب العربي قريبا من الخليج وأحداث تنمية اقتصادية هائلة ووضع حد للبطالة.

لم تشتر إيران سلاحا من الغرب، ولا وضعت مالها في الدول الغربية، هي فقط وصلت إلى الاكتفاء الذاتي وطورت علومها على نحو مذهل وأوصلت أقمارا صناعية إلى الفضاء ورفعت مستوى سلاحها. فاوضت الجميع من منطق القوة. وإذا كانت إسرائيل تحسب حسابا فعليا لدولة، فإنما لإيران وحلفائها وخصوصا حزب الله والجيش السوري حاليا.....

لا اعتقد أن عربيا صادقا يريد شرا لدولة خليجية أو دولة عربية واحدة، ولا اعتقد أن عربيا صادقا يفضل أي دولة أخرى على دوله العربية... فليس كل الخليج هو ذاك الأمير الذي صافح إسرائيليا، ولا كل الخليج ملوك وأمراء وبذخ ومال. (١٢ إلى ١٥ بالمئة مثلا البطالة في السعودية ) . لو أن الصفقات الأخيرة بين الخليج والغرب بقيت في السوق العربية، لربما شعر الشباب العربي ( سنة وشيعة ومسيحيون) بأن له في الخليج أهل وأحبة، ولكان الحصن الخليجي أكثر صلابة عبر شعبية عربية، ولما احتاج لا لمواجهة إيران ولا للذهاب صوب إسرائيل....

فيا أهلنا في الخليج، لا بد من إعادة قراءة التاريخ والحاضر ووضع سلم أولويات تنموية وسياسية واجتماعية وأمنية، بدل الاكتفاء بردود أفعال على أمم من حولكم تكبر كلما اعتقدتم أنكم تقلمون أظافرها. لعل إيران وتركيا خير مثال . لا بد من فعل جدي وليس الاكتفاء برد الفعل...لا بأس أن تبداوا بالمصالحة مع سوريا والمساهمة في إعادة أعمارها. ولا بأس أن تبقوا فلسطين في الصدارة لأن كل عربي من المحيط إلى الخليج ينبض قلبه على قلبها. أسالوا دول المغرب تعرفوا........

أضيف بتاريخ :2017/09/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد