آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. مثنى عبد الله
عن الكاتب :
باحث سياسي عراقي

هل خرجت باكستان من بيت الطاعة السعودي؟


مثنى عبدالله
 
منذ تأسيس باكستان عام 1947 بزغت علاقات هذا البلد مع السعودية على أنها ضرورة لأسباب عديدة، وقد سعيا لتطويرها في كافة المجالات على مدى العقود الماضية.
 
لكن السنوات الأخيرة أظهرت أن الجانب الباكستاني ملّ سياسة التبعية التي تطلبها السعودية في علاقتها مع الآخرين. فعندما تُقدم على عمل ما لتحقيق مصالحها، فإنها غالبا ما تطلب من الدول الأخرى التي تربطها معها علاقات وثيقة بالوقوف معها ظالمة أو مظلومة، متجاهلة بذلك مبدأ المصالح في العلاقات الدولية. هذا السلوك السياسي استخدمته كثيرا مع دول عربية وإسلامية عديدة، منطلقة من مقولة تتداولها الأوساط السياسية السعودية على أنها الشقيق الأكبر، الذي من حقه إجبار الأشقاء الآخرين على المثول لإرادته، في حين لا قيمة لهذا الفهم في العلاقات الدولية المبنية على المصالح المتعارضة والمختلفة.

وبحسب هذه النظرة فقد تعرضت العلاقات السعودية الباكستانية إلى ضربتين قاصمتين في السنوات الأخيرة، الأولى عندما أطلقت السعودية ما سميت «عاصفة الحزم» لمحاربة ميليشيات الحوثي في اليمن، فامتنعت باكستان عن المشاركة فيها، بعد أن صوت البرلمان على عدم السماح للحكومة بإرسال قوات عسكرية. أما الثانية فقد كانت رفض باكستان الانصياع للأوامر السعودية في قطع العلاقات مع قطر، كما فعلت دول صغيرة أخرى تدور في الفلك السعودي، حيث حاولت إسلام آباد إمساك العصا من الوسط، لكنها في الحقيقة كانت أقرب إلى الموقف مع قطر من الموقف مع دول الحصار، لأنهم يريدونها تابعا لهم، بينما قطر تروم ترسيخ علاقة شراكة قائمة على المصالح المتبادلة بدون التأثير على استقلالية القرار الباكستاني. وقد صُدمت الأوساط السياسية في الرياض كثيرا من هذين الموقفين، معتبرة ذلك بمثابة نقطتين سلبيتين فاصلتين في تاريخ العلاقات بين الدولتين، خاصة أن الجانب السعودي يعلم جيدا أن باكستان لم تعد لها كفة واحدة فقط تضع السعودية فيها، بل باتت لديها كفتان واحدة للسعودية والأخرى لإيران، فعلى الرغم من زيارات المسؤولين الباكستانيين المتكررة للرياض، وتصريحاتهم حول قوة العلاقة بينهما، كتصريح رئيس الوزراء الباكستاني خلال لقائه العاهل السعودي، من أن أمن المملكة خط أحمر بالنسبة لباكستان، وتصريح الجنرال راحيل شريف خلال زيارة ولي العهد السعودي إلى إسلام آباد في يناير 2016، بأن من يفكر في التعرض للمملكة سيواجه بقوة باكستان المسلحة، إلا أن كل ذلك كلام سياسي يحدد صدقه من عدمه قيمة المصالح التي تربط باكستان بهذا الطرف أو ذاك.

صحيح أن باكستان ترتبط بعلاقات وثيقة وتاريخية مع المملكة السعودية تحكمها العوامل الاقتصادية والعسكرية والدينية، ففي السعودية يتواجد أكثر من مليون ونصف المليون مواطن باكستاني، وصلت قيمة تحويلاتهم المالية إلى أكثر من أربعة مليارات دولار سنويا. وهناك مئات الاتفاقيات التجارية والعسكرية المتبادلة، لكن تبقى السعودية بعيدة جغرافيا عن باكستان، وبالتالي فإنها تأخذ بنظر الاعتبار القرب الجغرافي الإيراني إليها على حساب السعودية في بعض الأحيان. فالحدود الإيرانية هي مع إقليم باكستاني غني بالمعادن، وفيه يتواجد انفصاليون مسلحون، هذه المحاذاة الجغرافية بين البلدين جعلت صانع القرار السياسي الباكستاني يفكر كثيرا، قبل اتخاذ أي قرار قد تحسبه طهران سلبيا ضد مصالحها، فالقرار الخاطئ سيعني حدوث حالة توتر على الحدود وهو ما لا تريده إسلام آباد، لأنه قد يقود إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة فيها، لذا هي تحافظ دوما على البقاء في حالة من الحياد بين الطرفين، وهو ما دعاها إلى عرض وساطتها لإصلاح ذات البين بين الرياض وطهران، على الرغم من أن هذا الحياد تمقته الرياض كثيرا وتعتبره موقفا انتهازيا وغير مبدئي. هنا يجب الإشارة إلى أن هنالك لوبيات قوية جدا في باكستان، تتمثل في قنوات فضائية وصحف محلية ورجال أعمال وسياسة، هم قوى ناعمة بيد إيران يدعون جهارا إلى نبذ العلاقة مع الرياض والعمل على تطوير العلاقات الباكستانية الإيرانية.

كما أن العلاقات الاقتصادية الإيرانية الباكستانية تطورت كثيرا، وشكّل مشروع مد خط أنبوب الغاز الإيراني عبر الأراضي الباكستانية، الذي سيتم إكمال العمل فيه في نهاية العام الحالي، طفرة نوعية في العلاقات بين البلدين. وقد حاول الأمريكان عرقلة إنشاء هذا الخط بالضغط على باكستان عام 2007، وتوقف العمل به لفترة، لكن باكستان عزمت على إنجاز المشروع على الرغم من التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات عليها، لأنها بحاجة ماسة إلى كل ذرة طاقة، ما أجبر الأمريكان على التوقف عن لعبة الضغط لأنهم يعلمون جيدا أن ذلك سيجعلها خارج الطاعة والسيطرة الأمريكية، وقد تبحث عن مخارج أخرى خارج المزاج الجيوستراتيجي الذي يجمع الطرفين، خاصة أنهم يشعرون بأن باكستان الأقرب لهم فكرا ونموذجا بالمعنى الجيوسياسي ستراتيجي كي تكون وصيا أو حارسا لمصالحهم في المنطقة. هنا يبرز صانع القرار في إسلام آباد الذي استغل أهمية بلاده للمصلحة الأمريكية، فتحرك لتنفيذ المشروع مع إيران خدمة لمصالحه، ما يؤكد على أن صانع القرار في هذا البلد يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف، ويتحرك مستغلا حاجة الآخرين إليه لتحقيق مصالحه. وهنا أيضا يبرز جهل السياسة السعودية التي تضغط عليه لمصالحها فقط بدون مراعاة مصالحه أيضا، ما سيدفعه إلى الخروج عن الطاعة والارتماء في أحضان إيران، إن استمرت الرياض في النظر إلى الآخرين على أنهم أجراء وليسوا شركاء، تريدهم فقط أن يلحقوا بها في كل محفل أو موقف تقرره تبعا لمصالحها هي وحدها.

إن المآخذ على السياسة الخارجية السعودية كثيرة جدا، وإن الكثير من المراقبين يرون أن عامل الزمن لم يوفر لحد الآن فرصة لإنضاج سياسة خارجية ناجحة، بل يستغربون عدم حصول تراكم خبرة، على الرغم من دخولها إلى الكثير من المحافل الدولية، واحتكاكها بالعديد من الأحداث الدولية، لكن البعض منهم يرجعون السبب في ذلك إلى أن المملكة أمضت كل سنوات عمرها لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة، ما أفقدها القدرة على صنع سياسة تؤمّن بها مصالحها وتحقق من خلالها أهدافها الوطنية. اليوم هي تريد أن يضع الآخرون مصالحهم وقودا في ماكنة القرار السياسي السعودي، كي تسير لتحقيق مصالحها، وهذا مستحيل أن يحصل في عالم اليوم، فلقد باتت الخيارات أمام الدول كثيرة، وأمسى الضغط والتهديد والابتزاز غير فاعل، خاصة بين الدول ذات المستوى السياسي الواحد على صعيد القدرة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فباكستان على الرغم من أنها دولة ليست بالعظمى، لكنها في الوقت نفسه ليست دولة من السهولة قيادتها فتنصاع إلى الآخرين. ومهما كان للسعودية من استثمارات سياسية في العديد من الوجوه السياسية الباكستانية، ومهما ترى نفسها لاعبا مهما في تلك الساحة، فإن أحدا لن يستطيع أن يمنحها الضوء الأخضر كي ينطلق المسار السياسي الباكستاني كعربة خلف السياسة السعودية مطلقا.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/09/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد