آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فهد الأحمدي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

مستقبلنا في صناعة المياه


فهد عامر الأحمدي

الحضارات العظيمة ظهرت حول الأنهار، ومدن العالم الكبرى تشقها الأنهار لنصفين.. تأمل المدن المشهورة (كباريس ولندن وبكين وطوكيو وموسكو) تكتشف أنها تستقر حول نهر كان السبب في ظهورها أصلا.. حتى في عالمنا العربي (رغم الجفاف وقلة الأمطار) ظهرت مدنه الكبرى حول الأنهار كـالقاهرة وبغداد ودمشق وبيروت والخرطوم..

ولا يبدو الأمر مستغربا كون البشر يستقرون دائما قرب مصادر المياه العذبة ـ وكانوا في حالة ترحال دائـم للبحث عنها..

الاستثناء الوحيد في الجزيرة العربية حيث لا أنهار ولا بحيرات ومع هذا نمت فيها مدن عظيمة كالرياض وجدة والكويت وأبو ظبي.. تعـد استثناء تاريخياً وجغرافياً كونها تحصل على المياه بطرق هندسية حديثة (مصطنعة).. ظهرت برعاية دول ثرية نجحت في استباق حاجات سكانها بتحلية مياه البحر أو جلبها من مسافات بعيدة .. ولكن لنفترض أن هذه الدول اختفت أو تخلفت أو تأخرت فيها رواتب العاملين في قطاع المياه؛ تخيل كيف سيكون مصير الناس في هذه المدن!؟

في الدول الأخرى يحصل الناس على حاجتهم من الأنهار التي تستمر بالجريان حتى أثناء الحروب والكوارث.. فرغم كل الكوارث التاريخية التي حلت بالعراق مثلا لم يتوقف نهر دجلة والفرات عن الجريان ــ في حين لم يتوقف نهر النيل عن التدفق منذ ستة ملايين عام .. وفي المقابل؛ لا يمكن لمدن الجزيرة العربية التمتع بهذه الميزة بسبب اختفاء الأنهار وتقلص الموارد الجوفية.. وهذا بحد ذاته احتمال خطير يتطلب المحافظة على الاستقرار السياسي، واستباق الشح بالتقنية، وتعويض نقص المياه بثقافة الابتكار والتوفير.. يجب ان نفعل ذلك لأن الناس يمكنهم تحمل كافة المآسي (بما في ذلك شح الطعام وانقطاع الكهرباء وتأخر الرواتب) ولكنهم لن يتحملوا انقطاع الماء لثلاثة أيام فقط ...

وكي أكون منصفا أشير إلى أن المملكة كانت في حالة سباق دائم لتوفير المياه لسكانها.. بدأت بتحلية البحر منذ عهد الملك عبد العزيز (من خلال كنداسة جدة التي انتزعت من سفينة غارقة) وانشأت 28 محطة تحلية على الساحلين الشرقي والغربي، وأصبحت اليوم الأولى في تحلية مياه البحر (بنسبة 18% من الناتج العالمي) ...

ومع هذا؛ نحتاج لمزيد من العمل الاستباقي، والوعي الاجتماعي، وإشراك القطاع الخاص في تحلية المياه وتوفيرها للناس.. نحتاج إلى بـئر في كل حي، و"شـيب" في كل شارع، وشركة متخصصة بمتابعة تسربات الشبكة ــ والتوقف تماما عن تربية المواشي وزراعة الأعلاف..

نحتاج لتشجيع الابتكارات، وتمويل الأبحاث، وإنشاء أقسام جامعية متخصصة بالحلول المائية.. لا نحتاج فقط إلى استباق احتياجاتنا المائية، بـل وتوطين صناعة المياه ذاتها وتحويل المملكة لدولة مصدرة لتقنيات التحلية..

أنا شخصيا على قناعة بأن وضعنا المائي هـش وحساس لدرجة يمكن اختصاره بجملة واحدة فقط:
... "لن يتحملوا انقطاع الماء لثلاثة أيام فقط"...
 
صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2017/10/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد